شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها الحفل الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ليس بابن جلا، ولا طلاع ثنايا، ولا يعرفه كثيرون إذا وضع العمامة، أو اعتمر القبعة التي أشك أنه اقترب منها في حياته، وربما تضارب مع الطاقية والغترة والعقال.. لكنه دون شك عقل كبير في جرم صغير.. فهو حبيب يفرض علينا حبه ومحبته.. هام بالناس.. أينما كانوا، وبكافة طوائفهم وسبل حياتهم.. بل كلما تفرقت بهم السبل كان متحفزاً للركض خلفهم بنظر ثاقب، وذاكرة فوتوغرافية تلتقط أدق التفاصيل، تدعمها لغة سلسة سهلة ممتنعة، تجعل من الصور المخزونة في تلافيف ذاكرته نبضاً ينطق على الورق، فيتفاعل معه المتلقي بكثير من الدهشة، وتساؤلات تأخذ بزمام بعضها البعض.
قدره أن يلاحق الناس، يدس أنفه في خصوصياتهم، لا يردعه معنف أو متسائل أو مستغرب.. هكذا وجد نفسه محصوراً داخل جسده الذي لم يتح له أية خيارات أخرى، وأتحداه لو أنه حاول -مجرد محاولة- دخول حلبات الملاكمة، أو ملاعب التنس والغولف، ولا حتى كرة القدم بشعبيتها التي تعرفون.. هذا من ناحية المشاركة، أما المشاهدة فربما انزوى في ركن غرفته يتابع بملل مع التلفزيون، ثم ينتقل سريعاً إلى أي قناة فيها "حدوتة" -عشقه السرمدي- فقد نشأ وأمامه ورق، أي ورق، وقلم جائع، ومجتمع هو في الواقع كتاب مفتوح لمن أحسن قراءة سطوره وما بينها وما تحتها.
وهو ما فعله اختياراً وربما عنوة لامتناع البدائل، وبعد مسيرة ربع قرن اصطفاه مجتمع "الرواية" عام 2010م ليتربع على عرش "الجائزة العالمية للرواية العربية" أو "البوكر العربية"، التي تُدار بالشراكة مع جائزة "بوكر" البريطانية.. وهي أرفع جائزة في مجال الرواية بعد جائزة "نوبل".
التهنئة وحدها لا تكفي.. فقد هنأته "الاثنينية" وكرمته بتاريخ 7/11/1422هـ الموافق 21/01/2002م.. استشعاراً لجديته التي سوف تدق أبواب النجاح بقوة وإلحاح لا يعرف التواني والخور.. فظل يمنح الساحة الثقافية "رواية" كل عامين تقريباً.. يرمي بها في بحيرة الصمت، فتثير دوائر تمتد حول محورها إلى أن يحين موعد إلقاء رواية أخرى.. إلى أن جاءت روايته التي نحن بصددها الليلة، "ترمي بشرر..." لتأتي دوائرها مختلفة بعض الشيء فهي أفقية وعمودية.. تنثال نحو الأفق وتتسامى نحو العالمية لنراها بعد حين مترجمة إلى عدة لغات، إبداع قادم من عمق المجهول، كما قدم من قبله لبؤرة الضوء نجيب محفوظ، والطيب صالح، وأحمد عبد المعطي حجازي، والقائمة تطول..
كثير من الغيورين رفعوا أصواتهم يطالبون باعتكاف المبدعين تحفيزاً لهم لمزيد من العطاء.. ورغم حسن النية وسلامة الطوية، إلا إنني أختلف معهم، مؤكداً أهمية عدم التأثير بشكل مباشر على حياة المبدع، فكثير من النوايا الحسنة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، ذلك أن لكل مبدع حياته، وفوضاه، وأسلوبه الذي اختاره ليسكن إليه.. وأي اهتزاز في ترتيباته ربما يقضي على عوامل الإبداع.
إنهم بالتأكيد في حاجة ملحة إلى حوافز تهيئ مناخ العطاء المتصل، دون اكتراث لهموم الحياة وكدرها، فليبق كل مبدع في عمله ممارساً نشاطه المعتاد وسط عشه الذي اختاره ليغرد من خلاله، فقط لا نجعله يلهث خلف رغيف خبزه، وقارورة دوائه، ودفء بيته، وكافة احتياجات عائلته.. لم يخلق لبرج عاجي ولا ينبغي له.. فالأرض الخصبة إذا عبث بعضهم في تركيبتها تتحول إلى سبخة أو بوار، وكلاهما ليس مظنة إنتاج مثمر.. ومن حسن الطالع أن المبدع عادة لا يريد الكثير.. فقد منحه الله ما يملأ جوانحه سكينة وحباً وطمأنينة، ليقول دون تردد: (خذوا دنياكم هذي.. فدنياواتنا كثر).. فهلا عملنا جميعاً متضامنين لتوفير الحد المأمول والمعقول من الحوافز؟
فارس أمسيتنا من رواد "الاثنينية" الأفاضل الذين بروها بحضورهم وتواصلهم منذ بداياتها، وإن انقطع عنها مؤخراً لأسباب أجهلها، آملاً ألا تستمر، إذ نطمح أن تمتد تجربته إلى شداة الأدب في كل ملتقى يعنى بالكلمة، و "الاثنينية" تسعى لتواصل الأجيال كهدف استراتيجي يسهم في خدمة مستقبل الثقافة، ومثل ضيفنا أستاذاً تربوياً يحرص دون شك على بذل ما يستطيع لترسيخ هذا التوجه الخير.
سعداء أن نلتقي الاثنينية القادمة للاحتفاء بالكاتب الصحفي المعروف الأستاذ عثمان العمير، رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوسط" الأسبق، وناشر ورئيس تحرير صحيفة إيلاف الإلكترونية.. الذي نتفق ونختلف معه بشدة.. قادماً خصيصاً من مقر عمله في لندن.
طبتم وطابت لكم الحياة.
والسلام عليكم ورحمة الله،،،
عريف الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود خوجه الذي تفضل بإلقاء كلمة ترحيبية بهذه المناسبة، أيها السادة والسيدات، كثر هم الذين طلبوا الحديث بهذه المناسبة، وهناك مجموعة سنستمع إلى كلماتهم بهذه المناسبة، ولنبدأ بمعالي الدكتور محمد عبده يماني، المفكر الإسلامي المعروف، ورئيس مجلس أعضاء رعاة الاثنينية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :591  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 164 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.