شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النظرية الموسيقية عند العرب القدماء
ما هي الحقائق المختصة بنظرية الموسيقى العربية؟
تقول الآنسة (Schlesinger) إن علم الموسيقى الذي تطور على أيدي كتّاب العرب تطوراً عظيماً - يُعزى اقتباسه من الفرس الذين غلبهم العرب إلى أمر النبي، وإذا أردنا زيادة في التدقيق قلنا إنه أخذ من اليونان (1) .
ولتسمح لي الآنسة أن أقول بصراحة إنه لا مبرر للرأي القائل إن النبي أمر بشيء كهذا. والحقيقة - كما يعرفها المستشرقون - هي أن الغناء في الإسلام كان ولا يزال معدوداً من الملاهي المحرمة، وأن كل فرقة من المذاهب الأربعة قررت حرمة السماع، أو على الأقل جعلته غير لائق دينياً، وقد كتبت مئات من الرسائل في أحاديث النبي عن تحريم الغناء (2) .
لم تنشأ الثقافة العربية ولا الحضارة البدوية مع البدو الرحل أو الإسلام - كما افترضت الآنسة Schlesinger وإنما تجد منذ أوائل العصر الألفي الثاني قبل الميلاد أخباراً عن مملكة عرب الجنوب، حيث نتلمس حضارة زاهية تضاهي ثقافة البابليين والآشوريين، وفي الحقيقة أن اليونان مدينون ثقافة للعرب، ويعتقد ((همّل)) وآخرون أن من المرجح أن يكون اليونان قد أخذوا عن عرب الجنوب لا ((أبولو)) ((وليتو Lets)) و ((ديونيسوس Dianoysos)) ((وهرمس Hermes)) فحسب، بل ((الفاء)) و ((السين)) من حروف الهجاء (3) أيضاً.
رَبَّاه كم نُؤْتُ بما أحمِلُ
وكنت يا ربِّ مَناطَ الرجاءُ
رباه لولا عطفُكَ المُسبَلُ
ما ساغَ لي طولَ حياتي عزاءُ
لا همَّ أفعَمتَ الدُّنا بالضياءْ
وانجابَ عنها ليلُها الأغبَرُ
فاسكُب على قلبيَ نورَ الرّجاءْ
من قبْلِ أن يَطْوِيَه المَقبَرُ
(دمشق) أمجد الطرابلسي
وقبل الإسلام بزمان طويل نقرأ في ثنايا الكتب عن الكفاية الموسيقية عند العرب القدماء، ومن الإجحاف أن ندعي أنه لم تكن عندهم نظرية موسيقية إذا واجهنا أو قابلنا بين ما نعرفه من الثقافة العامة عند الكلدان والمعينيين والسبئيين والنبطيين والتدمريين، وبين من جاء بعدهم من اللخميين والغساسنة.
وتتبع الآنسة (Schelsinger) المدرّسة القديمة القائلة - قبل قرن أو أكثر - إن العرب لم تكن عندهم نظرية موسيقية غير ما اقتبسوه من الفرس أو اليونان، وتسترسل في القول إن كلا الشعبين (اليونان والفرس) كانت لهما نظم موسيقية خاصة بهما، ولم يكن عند العرب حتى هذا الوقت نظام يستطيعون أن يجعلوه نظرية. ولدينا عبارة مماثلة لهذا القول في كتابها ((رسل أسرة الكمنجة)) (ص 397 - 398) إذ تقول: ((افتتح العرب فارس في القرن السادس، ومن سجلاتهم نقرأ أنهم وجدوا نظام الفرس الموسيقي أرقى بكثير من نظامهم، فاقتبسوه ودرسوه درساً عميقاً على أساتذة وطنيين)) (4) .
أما الحقيقة فهي أن العرب افتتحوا فارس في القرن السابع، وكان لهم نظام صيّروه نظرية قبيل فتح فارس.
ونجد المغنين العرب من حين إلى آخر يفاخرون بالتقاليد الموسيقية التي تحدرت إليهم من عصور الجاهلية مثل المغنية الجاهلية ((رائقة)) معلمة ((عزة الميلاء)) (5) . وكان العرب في هذه الحقبة التي ظن فيها حدوث هذه العارية الأجنبية حذرين من أي تعد على ذلك الشيء المقدس وهو القومية العربية. وهل يتساهل العرب في دخول الطرق والعادات الأجنبية بهذا القدر وكل كلمة من عمر تدعو إلى الجامعة العربية (6) ؟
ولئن قلنا إن العرب لم يكن عندهم نظام موسيقي في هذا الوقت (أي وقت فتح فارس) ليبنوا عليه نظرية لا تتفق مع الحقيقة، فلدينا شواهد كثيرة على وجود موسيقى وغناء في عصور الجاهلية، ويكاد يكون مستحيلاً أن نتصور هؤلاء القوم الذين كانت الموسيقى لهم من الحاجات الضرورية، والذين استطاعوا تهذيب أشعارهم كما نراها في المعلقات والحماسة والمفضليات، غير قادرين على تنظيم غنائهم (7) .
ومن حسن الحظ أن حفظ لنا الفارابي مطولات عن نظام جاهلي في سلم الطنبور البغدادي كان يتوصل إليه بتقسيم طول الوتر إلى أربعين قسماً؛ ويرجح أن عرب الجزيرة ورثوا هذا السلم (Scale) عن الكلدان الذين ورثوه عن الآشوريين والبابليين، وحينما حل محله النغم الفيثاغوري في الشرق الأدنى المثقف وفارس كما حل بين عرب سوريا والحيرة، عاش هذا الطنبور في أرجاء الحجاز واليمن القاصية ووجد له عشاقاً حتى القرن العاشر بعد الميلاد.
كانت الحيرة في أيام الجاهلية المركز الأعظم للآداب العربية، ومنها انتشر الشعر في أنحاء شبه الجزيرة. وبما أننا نعلم الصلة الشديدة بين الشعر والموسيقى، فمن الممكن أن نتصور أن الموسيقى نفقت سوقها كالشعر، وفي الحقيقة يجب أن تكون الحيرة على ثقافة موسيقية عالية متى علمنا أن ملك الفرس العظيم بهرام غور (430 - 438م) أٌرسل إلى بلاط اللخميين العرب في تلك المدينة ليتثقف، وهناك تعلم الموسيقى بين الآداب العربية الأخرى (8) . وكان هذا قبل أن يتغلب العرب على الفرس. ولربما سأل سائل: ما الذي اضطر يزدجرد الأول والفرس إلى إرسال الأمير الصغير إلى شعب ليس له أسلوب خاص فني فيطلعه عليه (كما تقول الآنسة (Schelesinger)) ومن المستغرب أيضاً أن فارس وهي النبع المشهور للنظام الموسيقي العربي تفتقر تحت حكم بهرام غور إلى مغنين محترفين يُرسلون إليها من الخارج (9) .
ويضع الطبري بين سقطات النعمان الثالث (580 - 602م) آخر ملوك اللخميين ميله للغناء. ومن الحيرة اقتبس العرب حوالى آخر القرن السادس الميلادي ذلك الغناء الذي حل محله ((النصب)) والعود والمزهر (10) .
أما أن العرب كان لهم نظام موسيقي محلي، فيثبت جلياً بحجج عديدة. وأما أن يكون هذا النظام قد تأثر بنظريات الفرس والبيزنطيين وفي ما بعد بالأصول اليونانية القديمة فرأي يسهل قبوله؛ كذلك لا ينكر أن الفرس والبيزنطيين تأثروا جميعاً بالنظرية الموسيقية العربية (ولو كانت التسمية مرشداً لقلنا إن النظرية الفارسية مبنية بالكلية على الأصول العربية) (11) .
كان التأثير الأجنبي على الموسيقى العربية سطحياً ولم يكن له في البدء أثر على النظرية. قرأنا عن المغنين المتقدمين أمثال طويس وسائب خائر اللذين قلدا أسلوب الفرس في الغناء وفي الوقت نفسه وجدنا مغنياً فارسياً كنشيط يدرس أسلوب العرب في الغناء. ليس هنالك تعقيد نظري وجل ما هناك هو اقتباس شعب من آخر شكلاً خاصاً أو أسلوباً غنائياً.
على أن تبعة الظن بوجود صبغة موسيقية أجنبية تلقى على ابن خلدون الذي يقول في مقدمته: إن اتصال المغنين من الفرس والروم بالحجاز ولعبهم على العود والطنبور والبربط والمعزف والمزمار قاد العرب إلى اقتباس ألحان الفرس والروم في أشعارهم (12) .
هذا القول لا يتفق مع أقوال المؤرخين الأول كابن عبد ربه والأصفهاني والمسعودي أولاً: لأن هذه الرواية تضلل الناس وتجعلهم يعزون بغير حق الفخر للفرس والبيزنطيين بإدخال هذه الآلات المذكورة إلى البلاد العربية. وفي الواقع أنها كانت عند العرب من قبل (13) . ثانياً: لم يذكر كتاب الأغاني وهو أعظم مصدر لأخبار الغناء عند العرب مغنياً رومياً واحداً. وإذا استثنينا نشيطاً فمن المرجح أن كل من يدعون بالمغنين الفرس ولدوا بالجزيرة أو تثقفوا فيها.
والحقيقة أن المغنين البارزين الذين أتوا من غير الحجاز في هذا الزمن أربعة: نشيط الفارسي، وأبو كامل الغزيل الدمشقي، وابن الطنبورة اليمني، وحنين الحيرى؛ ولهذا نرى أن أي تأثير خارجي في الموسيقى العربية حتى بالطريقة العرضية التي ألمعنا إليها أتى على أيد عربية.
لم يقرر المؤرخون نهائياً ولا في موضع مّا ما اقتبس العرب من الفرس والبيزنطيين في قضية النظرية. دعونا قبل كل شيء نحرر أذهاننا من الظن بأن العرب أقروا بأن الفرس كان لهم نظام موسيقي أرقى بكثير من نظامهم. ثم في ما يتعلق بالرسائل، فإن أقدم كتاب فارسي في الغناء مؤلف في القرن الثاني عشر الميلادي. ولكن عندنا رسائل في الموسيقى العربية يرجع تاريخها إلى القرن التاسع (الكندي توفي سنة 874م): ولدينا دليل على تأليف مصنفة في القرن الثامن (يونس الكاتب توفي سنة 760م والخليل بن أحمد توفي سنة 791) (14) .
وفي الحقيقة أن كل ما نعرفه عن الموسيقى الفارسية الأولى أتى من مصادر عربية، والمرجع الوحيد الذي يعالج هذه القضية بتوسع هو المسعودي (توفي سنة 956م) فهو يقول - مستشهداً بقول ابن خرداذبة (القرن التاسع) وهو كاتب متقدم - اخترع الفرس النغم والتوقيعات والمقاطع (Soesusae) والطرق الملوكية (Royal melodies) (15) ولكي نقدر تماماً قيمة هذه الفقرة، علينا أن نتذكر أن الغناء كان محرماً عند المسلمين وأن المؤرخين لم يكونوا مهتمين بالتماس عذر لمن يتجاوز مصدراً محلياً لشيء ((منكر)) كالغناء كما يطلق عليه المتشرعون من المسلمين (16) .
ويجب ألا ننسى أن عصر الأمويين عصر ساد فيه الشعور القومي فعُظمت فيه المثل الوثنية العربية وهذبت أكثر التأثيرات الأجنبية في الموسيقى العربية، وقد أشار إليها لاند Land) بقوله: ((ما استورده العرب من الفرس والرومان لم يحل محل الموسيقى الوطنية بل طعم على جذر عربي وبقي له شكله الخاص)) (17) .
ما أخذ العرب من الفرس لا يمكن التأكد منه بالضبط، وجل ما نعرفه أن الفائدة التي نشأت من الاحتكاك الفارسي هي من جهة الآلات الموسيقية. فمثلاً كلمة ((دستان Fret)) فارسية استعملها العرب لمواضع الإصبع على لوحة رأس العود الخشبية أو الطنبور (18) . ومن المؤكد أن العرب لم يأخذوا السلّم الفارسي. لأننا نجد أنهم انتُقدوا لاستعمالهم الأنغام الفارسية التي كانت متمثلة في سلم الطنبور الخراساني (19) ، فأدخل ((زلزل)) أحد المغنين في عصر العباسيين، شكلاً جديداً من العود حل محل العود الفارسي وسمي هذا العود بعود ((الشبّوط Perfect Lute)) (20) .
أما الخطة التي سار عليها البيزنطيون في قضية النظرية الموسيقية، فليس لنا بها علم، فمنذ القرن الرابع حتى القرن الحادي عشر الميلادي - وهو يشمل القسم الأكبر من عهد البيزنطيين - لم تصلنا مؤلفات بيزنطية. ومن المرجح أنه لم يكتب شيء بالنظر إلى الحالات الثقافية التي نعرفها، ومن المؤكد أن اللاتينيين ((امدوا Cop ella)) و (mertianus) و (Bottius) و (Cassio dorus) في القرنين الخامس والسادس، ولكنهم لم يدونوا نظرية معاصريهم، كلا ولا خبرة اللاتين، لأن تأليفهم عبارة عن مجموعات للمشتغلين بالأمور النظرية من اليونان القدماء. أما الشيء القليل الذي نعرفه في هذه الحقبة عن نظرية البيزنطيين ومزاولتهم للموسيقى، فقد أتى إلينا من مصادر عربية وسريانية.
ليس لدينا رسائل بيزنطية أو فارسية تثبت وجود الموسيقى حتى القرنين الحادي عشر والثاني عشر تقريباً. ولكن حق للعرب أن يفاخروا بعشرات من الرسائل القديمة. ويجب علينا قبل كل شيء أن نكون حذرين في قبول الروايات المختصة بما اقتبس العرب من الفرس والبيزنطيين. أما أن يتسرب شيء من التأثير من هذين المصدرين فمن الممكن تجويزه (21) .
وأول خبر لدينا عن تأثير فارسي وبيزنطي محدود في الموسيقى العربية، هو ما ذكره الأغاني عند كلامه على ابن مسجح الذي يعزى إليه إدخال الأنغام الموسيقية الأجنبية على الفن المحلي.
يقول صاحب الأغاني: ((وفي سورية تعلم ابن مسجح الألحان الرومية وتلقى إرشادات الباربطية (Barbition playus) والأسطوخسية. وبعد ذلك انقلب إلى فارس فأخذ بها غناء كثيراً وتعلم الضرب (accompaniment) ثم رجع إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم وحذف منها ما استقبحه من النبرات والنغم والتي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب (22) .
فما اقتبسه العرب في ما بعد من البيزنطيين والفرس، لا يمكننا إثباته بالتحقيق، ومن المحتمل أن النظاميين المعروفين ((بالمجربين Two Courses)) كانا من أصل بيزنطي أو لعلَّهما عرفا بين تعاليم الساميين (23) أما الأصول العامّة للأسطوخسية البيزنطية فلم يأخذها العرب، وإذا كان هنالك شيء فهو قليل لأن مخطوطة الكندي التي ألمعنا إليها قبلاً تقول إن مبادىء الأسطوخسية الرومية تختلف عن المبادىء العربية (24) .
أما مسألة الإيقاع والقيم القياسية، فنحن نعلم أن العرب كان لهم نظام منذ أوائل القرن السابع الميلادي (25) فقد كتب الخليل ابن أحمد ((كتاب الإيقاع)) في القرن الثامن (26) . ونجد في القرن التاسع نظاماً يصفه الكندي جيداً بقوله ((وهنا لدينا قسم موحد من الموسيقى العربية، نظامه - كما يظهر - تطور وفقاً لنظام محلي)) (27) وقد اقتبس الفرس توقيعاتهم وقوافيهم من العرب (28) .
ولقد غير إسحاق الموصلي (767 - 850) شكل النظرية العربية القديمة في وقت ترجمت فيه النظريات اليونانية القديمة إلى العربية، ولكن هذا التغيير حدث بدون الاستعانة بكتاب اليونان. يقول صاحب الأغاني: ((كان إسحاق أول من ضبط الألحان والتوقيعات وقسمها بطريقة لم تعرف من قبل، وكان العالم المتقدم يونس الكاتب المتوفى سنة 760 قد أشار إليها. ويقال إن إسحاق توصل في عمله إلى نتائج أقليدس والأوائل الذين كتبوا عن علم الموسيقى، ولكنه توصل إلى هذه النتائج بتجاربه الخاصة المنفردة بدون معرفة كتاب واحد من كتب الأوائل)) (29) أما أن إسحاق لم يعرف شيئاً عن المشتغلين بالنظريات من اليونان القدماء، فمثبت في فقرة أخرى (30) . وكان نظام إسحاق شائعاً في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الميلادي. وقد وضح هذه العبارة بجلاء تام صاحب الأغاني (31) ويحيى بن علي الذي ميز هذا النظام من نظام اليونان (32) .
فاستنادنا إلى ما فصله الكندي وغيره من الكتّاب كصاحب الأغاني في تعريفه النظام العربي القديم قبيل زمن الشراح (Scholiasts) اليونان كافٍ لأن يثبت لنا أن هذا النظام كان يختلف عن نظام فارس والروم واليونان.
أما في تاريخ الأنغام (modes)، ففي استطاعتنا معرفة ما اقتبسه العرب من فارس وبيزنطة.
كان لدى الهنود - على رأي ((راميانا - Ramyana)) سبعة (Jtis) وهي أشبه بالرقص (Rgrs) (33) . ويقول أمين ((كان للفرس سبعة أنغام إلا أنها في أيام خسرو إبرويز (590 - 628) أصبحت اثني عشر نغماً)) (34) . ويسجل ((بار هبروس السرياني)) هذه الاثني عشر لحناً للفرس. ومع أن بعضاً منها قلده العرب على أصله أو بتحريف قليل في ما بعد، نتذكر أيضاً أن العرب استعملوا أنغامهم الوطنية زمناً طويلاً قبل هذا التقليد.
ففي القرن الثامن الميلادي ألف يونس الكاتب (توفي سنة 760م) والخليل بن أحمد (توفي سنة 791م) كتاب النغم. ونقرأ في كتاب الأغاني (كتب في القرن العاشر) عن ثماني نغمات لم توضع لها أسماء خيالية كما هي في الفارسية واليونانية، وإنما هي أسماء بعد أصابع. وكان للسريان أيضاً ((آحادهم Ikhadias)) ومثلهم اليهود، ولكنها (أي الأنغام) لم تكن كالأنغام اليونانية، وهي حالة يجب أن ننعم النظر فيها. أما النغمات العربية والفارسية والبيزنطية في القرن التاسع فكانت مختلفة، كما ثبت في الرسالة المنسوبة للكندي (35) التي أشرت إليها قبلاً. ويظهر جلياً أن للنظام الأساسي لكل من هذه الشعوب مزية هامة (36) . يقول إخوان الصفا: ((... إذا تأملت فلكل أمة من الناس ألحان ونغمات يستلذونها ويفرحون بها ولا يستلذها غيرهم ولا يفرح بها سواهم مثل غناء الديلم والأتراك والعرب والأكراد والأرمن والزنج والفرس والروم وغيرهم من الأمم المختلفة الألسن والطباع والعادات)) (37) .
وقد نجد في تأثير النظام العربي القديم على أوروبا الغربية ما يدعم قولي ويزيده إيضاحاً. على أني لم أهيىء العدة تماماً للإعراب عن هذا التأثير. فإني أجتزىء باليسير من آراء كتاب غربيين عن هذا التأثير:
((مما لا ريب فيه أن أوروبا الغربية شعرت على العموم بتيار الثقافة العربية من جراء الاحتكاك السياسي Political Cantact وأرى أن الموسيقى الأوروبية تأثرت في هذه الناحية بتجوال المطرب العربي أو المغربي.
كان أكثر ما اقتبسه الغرب من الشرق في هذه الناحية هو الآلات، قال ((كارانجل Car Ingel)): ((لما أتى العرب أوروبا في ابتداء القرن الثامن كانوا أكثر تقدماً من الشعوب الأوروبية في الثقافة الموسيقية، أو على الأقل في تركيب الآلات الموسيقية. وهكذا لا يسعنا إلا تقدير تأثيرهم الموسيقي الرائع)) (38) .
وهم كما يقول ((فارمر Farmer)) أول من أتحفونا بوصف علمي حقيقي للآلات الموسيقية... ((وما كان لدينا من نظم في تعليم الآلات في العصور الوسطى فمقتبس من العربية)). وتسلم الآنسة (Schelesinger) أن للعرب فضلاً على أوروبا في العصور الوسطى في مسألة الآلات الموسيقية، ولكنها تنكر أن أوروبا - أخذت أي نظرية منهم، وهذا القول يتجاهل تأثير نقطتي الاحتكاك الثقافي العربي وهما:
(1) الاحتكاك السياسي الذي ابتدأ في القرن الثامن وانتشر في الخارج خصوصاً على أيدي العازفين.
(2) الاحتكاك الفكري الأدبي الذي ابتدأه العقليون Intellectuals (39) .
إذاً يمكنني أن أستنتج - استناداً على ما أدليت من الحجج - أن العرب كان لهم نظام موسيقي قديم يختلف عن نظام الفرس والروم واليونان القدماء، وأن القائلين بنسبة هذا النظام الموسيقي العربي إلى فارس وغيرها، جديرون بالعدول عن أقوالهم أمام هذه البراهين؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1980  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج