تنْهَشُني الأَثامُ نَهْشَ الذَّئابْ |
وتَنْثَني عنَّي جياعاَ غِضابْ! |
يا نفس قد أَوْرَدْتني مَوْرِداً |
ذَهابُه يُوصِدُ دُوني الإِيابْ! |
حاوَلتُ أَنْ أَرْجِعَ لكنَّني |
وَجَدْتُني أَشْتاقُ عَـذْبَ الشَّـرابْ! |
فكيف لي يا نفـسُ أَنْ أَرعَـوِي؟! |
كيف.. وأَنتِ الغَيُّ. أَنْتِ العَـابْ؟!. |
ظَمِئْتُ للماء فأَدْنَيْتِني |
لا لِلفُرات العَذْبِ. بـل للسَّـرابْ. |
يا لَيْتَني عاصَيْـتُ داعـي الهـوى |
حتى ولو أَدْمتْ جُنُوبـي الحِـرابْ! |
مضى شبابي واغِلاً في الخَنى |
وخَيْرُ ما نَمْلِكُ.. نحن.. الشَّبـابْ! |
وها أنا اليَوْمَ بِشَيْخوُخةٍ |
وانِيةٍ تَسْلُكُ تِلْكَ الشِّعابْ! |
متى أَراني عائداً لِلْهُدى |
ما أَشْتَهي الكَأْسَ. وحُلْوَ الكِعـابْ؟!. |
أرى رِفاقي بعد ما أَمْعَنُوا |
في اللَّهْو عادُوا خُشَّعـاً للصَّـوابْ!. |
فهل أنا وَحْـدي الـذي يَجْتَـوي |
رَشادَهُ.. مُسْتَهْدِفاً لِلْعِقابْ؟! |
وهل أنا الغـاوِي الـذي يَسْتـوي. |
بِدَرْكِهِ المُظْلِـم.. دُونَ الصِحـاب؟! |
أمامَه الأخْرى .. ويا وَيْلَتا |
من سوء مـا سَطَّـرهُ في الكِتـابْ! |
يا وَيْلهُ وهو الذَّكِيُّ الذي |
يَعرفُ ما يَلْقـاهُ يَـوْمَ الحِسـابْ!. |
كيف تَـوارى عَقْلُـهُ في القَـذى؟! |
كيف تَـوارى حِسُّـهُ في التُـرابْ!. |
فَكّرَ في الرُّشْدِ.. ولكنَّهُ |
عاصاهُ.. ما أَوْحَشَ سُودَ الرِّحـابْ! |
آثَـرَ مِـن ضَغْطِ الهـوى قِشْـرَهُ |
واختارَهُ دُون كريم اللُّبابْ! |
فَيا لهُ مِن بُلْبُلٍ عاثِرٍ |
بَدَّلَ بالشَّدْوِ نعِيقَ الغُرابْ! |
كانَ بِرَوْضِ مُونِقٍ حافِلٍ |
بالثَّمَر الحالـي.. بـما يُسْتطـابْ!. |
من زَهْـرٍ يَنْفَـحُ عِطْـراً.. ومِـن |
جَداوِل تَحْلـو كمـاءِ السَّحـابْ!. |
كانِ له شِعْرٌ بَديعُ الرُّؤى |
مُحَلِّقِ ..مُسْتَشْـرِفٍ كالشَّهـابْ! . |
يُضيءُ بالشِّعْر جميعَ الصُّوى |
فَيُرْشدُ السَّاري. ويَشْفي المصـابْ! |
يُجلُّهُ الرَّبْعُ.. ويَعْلو بِهِ.. |
لأّنهُ يَرْفَع عَنْه الحِجابْ! |
لأَِنَّه يُسْدِي إليه المُنَى |
تَخْطُرُ بالحِلْيِ وغالي الثَّيابْ! |
مُهَنْدسِاً كانتْ له حِكْمةٌ |
تُعِيدُ للْعُمْـرانِ .. بعـد الخَـرابْ!. |
كأَنَّما يَغْرفُ مِن عَلْيمٍ.. |
دُرَّا يُحَلِّي زَيْنَباً والرَّباتْ! |
وتَقْتَنِيهِ النَّاسُ ذُخْراً لهم |
لأَنَّه يَحْمِلُ فَصْلَ الخِطابْ! |
فَما لَهُ يَهوي إلى حفرة |
لَيْس بِها إلاَّ طَنِينُ الذُّبابْ! |
مُظْلِمَةٌ.. مُفْضِيَةٌ للِرَّدى |
كالقَبْرِ ..يالَ الخِزْي . يالَ التَّبـابْ!. |
ماضِيةِ يَسْتَصْرِخُ مِن حاضِرِ |
هُداهُ.. والحاضِرُ يُخْفـي الجَـواب!. |
لأَِنه اسْتَلًم في شِقْوَةٍ |
بِسَطْوَةِ أَلْوَتْ به فاسْتَجابْ! |
* * * |
يَرْحَمْهُ الله.. وكم أَنْقَذَتْ |
رَحْمَتُه. كم أَخْصَبَتْ مـن يَبـابْ! |
كم أَكْرمَـتْ مِـن خاسِـرٍ آبِـقٍ |
فطابت العُقْـبى. وطـابَ المتَـابْ! |
لقد رَأىِ بَعْد العَمى نَيْزكاً |
يُضيءُ. فاسْتَأَنَسَ بَعـد اغْتِـرابْ! |
قال.. لَعَلَّ النَّجمَ مِنَ بَعْدِهِ |
يَأْتي. ويَأتي البَـدْرُ بَعْـد الغِيـابْ!. |
فَيَرْجعُ الطَّيْرُ إلى رَوْضِهِ |
مُغَرِّداَ بعد طَويل النُّعابْ! |