شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عندما صام الخليفة الرشيد في مكة
في رمضان عام 173هـ وصل الرشيد إلى مكة المكرمة معتمراً وما إن انتهى من أداء النسك حتى جلس للناس في داره التي أمر ببنائها بين الصفا والمروة وكانت الدار شارعة على المسعى وكانت في الفخامة بشكل جعلها أحدوثة مكة وقد سماها الناس دار القوارير ولعلّها سميت بذلك لأن الزجاج كان يقفل على نوافذها.
جلس الرشيد للناس يستمع إلى شكاواهم وكان أهم ما يشكون منه قلة الماء لأن الآبار العديدة التي كانت تسقي مكة من عهد جاهليتها نضب ماء أكثرها.. كما نضبت ماء العيون التي أنشأها معاوية رضي الله عنه في عهد خلافته وهي عيون ذكرها المؤرخون. وعيّن أبو الوليد الأزرقي مواقعها وقال إن عدتها كانت عشرة وكانت لها مناهل يراها الناس ومن أهمها عين كانت تمر في بطن مكة تحت الأرض وينتهي مجراها في المسفلة حيث يستقي منه الناس.. جفت آبار مكة على كثرتها كما خفت مجاري العيون التي أنشأها معاوية كما قل منسوب ماء زمزم لكثر ما نتح الناس منها.. ولا أستبعد أن تكون كل هذه الأخبار انتهت إلى بلاط الرشيد فرأى أن يواجهها شخصياً وأن يدرسها على الطبيعة فشد رحاله إلى مكة ليصلها في رمضان ويرى بعينه حاجة الناس إلى الماء في شهر تشتد فيه الحاجة إلى الماء بصورة لا تدانيها الحاجة في أي شهر آخر من شهور السنة.
لم تكن هذه أول رحلة للرشيد إلى مكة فقد كان هو أكثر الخلفاء من بني أمية والعباس ولعاً بالحج، وذكروا أنه حج ست حجج كانت في سنة 170 و 173 و 174 و 175 و 177 و 179 كما ذكروا أنه كان يحمل إليه الثلج إلى مكة إذا اشتد القيظ في بعض سنواتها.. وما كان يبلغ مكة في جميع المرات التي حج فيها إلاّ قبيل أيام الحج إلاّ في عام 173 فقد رأيناه يبادر إلى مكة ليبلغها في رمضان استجابة لما بلغه من شكاوى الماء في رمضان في مكة كما يبدو لكل مدقق يتتبع حوادث التاريخ ويعرف من عناية الرشيد بالمرافق العامة لا ينكر.. وما إن جلس الرشيد مجلسه لأهل مكة حتى قنع بما يقاسونه وبدأ أوامره بأن أباح بئر القصر الذي ينزله لعامة الناس يستقون منه، وكان بئراً غنياً بالماء إذا قيس بغيره.. احتفره جبير بن مطعم فيما احتفر من آبار قبل الإسلام وسماه الناس سحلة ولعلّ لاسمه نصيب من معناه فالسحل في اللغة هو المطرد الجود.
وكان أمير مكة يومئذ عامل الرشيد عليها أحمد بن إسماعيل فاقترح البحث عن العيون التي كان قد أنشأها معاوية في عهده وأن يعملوا على إصلاحها، فبدأ البحث بصورة جدية، أنفق الرشيد عليها أموالاً طائلة حتى عرفوا مكانها، فشرعوا في إزاحة ما طمرها وأخذوا في إصلاح مجاريها ثم صرفوا مياهها في عين واحدة سموها عين الرشيد وعندما بدأ العمل يأخذ دوره الجدي وكان قد انسلخ من رمضان أقلّ من نصفه غادر الرشيد مكة إلى المدينة ليقضي بقية صيامه فيها وبمغادرته مكة أمر بأن توافيه أخبار العمل في الماء تباعاً ليطمئن على سيره وظل في المدينة حتى وافته أخبار نهايته فاستأنف عودته إلى مكة وظل فيها حتى انتهى موسم الحج في ذلك العام واستوثق من نتيجة ما فعل وتلك مزايا الرشيد التي سجلت له بالفخر.. على أن الماء ما لبث أن بان عجزه فعلمت زبيدة زوجة الرشيد بالأمر فأمرت بالبحث عن مصادر أخرى للماء فكانت عين زبيدة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :430  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.