إن من حكمة الله سبحانه وتعالى أنه يهب كل أمة في أي مرحلة زمنية تمر بها أناساً مرهفي الحس عميقي الإدراك لكي يسجلوا كل دور تمر به أمتهم معبرين بإنتاجهم الفكري والأدبي عما تعانيه أمتهم من حضارة أو تخلف محددين أبعاد تطورها الحضاري والفكري -وأحمد سباعي هو أحدهم.. فهو بإنتاجه الأدبي والفكري يقدم صوراً لأجيال المستقبل لكي تدرس ماضيها وتستفيد من تجاربه وخبراته..
ورحلة أحمد سباعي مع الأدب هي رحلة طويلة مضنية شقها بقوة إحساسه المرهف.. فهو الذي لم يتلق من العلم إلاّ القليل.. ومع ذلك لم يقف مكتوف اليدين.. بل بدأ في تعليم نفسه وتثقيفها، فكان المدرس والتلميذ، هي في ذاتها خلاصة ما احتوته صفحات عقله من خبرات وثقافة.. فكان رائداً من روّاد الصحافة وملكاً من ملوكها في الجزيرة العربية.. لذلك فهو يستحق أعلى شهادات التقدير والثناء..
هذا عن أحمد سباعي ونوعية معدنه، أما عن الكتاب.. فإن رحلة هذا الكتاب لم تكن سوى ذكرى بدأت مع بداية صداقتي بأديبنا الكبير.. فقد وجدت في أدراج مكتبه الكثير من الموضوعات التي فهمت أنها نشرت في أحد الأيام من سنوات طويلة وأخرى أطول ولكنها ضاعت بضياع الأيام وبقيت مسوداتها في حكم الأوراق المهملة..
فعرضت عليه فكرة نشرها في مجموعة كتب.. فلم يمانع في ذلك.. عارضاً علي شرف تجميعها.. تحت إشرافه طبعاً.. وبدأت المهمة فكان هذا الكتاب هو أول إنتاج شرِّفت في جمعه.. وهو قليل من كثير أسأل الله عزّ وجلّ أن يعين أديبنا الكبير في تكملة مشواره والله من وراء القصد..