شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من طرائِف طيراننا في الخمسينيات
كانت الرحلة إلى أبها في الخمسينيات وكانت الطائرة من النوع الخاص بنقل البريد.
وكانت والحمد لله ككل طائرة في النقل الداخلي لا تبخل عليك بالماء القراح وصندوق السندويش الذي اخترعته أقدم طيارة ركبت الهواء قبل ربع قرن، ولم ينله أي تجديد من الألوان التي نالت سائر الطائرات في سائر بلاد العالم.
وإذا كان لا يجمل بالمنصف أن يغمط الناس حقوقهم فعليّ ألاّ أنسى القطن الذي كان يوزع على الركاب بسخاء لا قصور فيه.
أمّا كوب الشاي، وأمّا فنجان القهوة، وأمّا كأس المرطبات فتلك معانٍ لا يحسن أن تمر بذهنك وأنت تركب طائراتنا لأنها كما تعلم مغريات تتكلفها شركات الطيران في شتى بقاع الأرض استرضاء للزبون، أمّا طياراتنا فلا حاجة بها للزبون لترضيه وتضحك عليه بأمثال هذه المغريات.
قد تقول لي إن مواطنينا بدأوا يستغنون عن الطائرات السعودية في جميع الخطوط التي تزاحمهم فيها شركات أجنبية، وإن هذا ربما فوت عليهم أرباحاً كبيرة تركت أثرها في حساب الخسارة والأرباح.
قل هذا أو أكثر منه لأقول ذلك: ولو..!!
وما دمت سأتحرّى الإنصاف ما استطعت فلا يجب أن أنسى ميزة مضيفنا في الطائرة فقد كان نشاطه يتجلى بصورة عالية في صرامته من أجل ربط الحزام، وكان تهاون الركاب (المناكفين) لا يجدي فتيلاً في حماسه المتوقد لأمر الحزام.
أما جوانبه الأخرى فلا نريد أن نستعرضها لأن أخلاق الخدم بمعانيها الدقيقة لم تتوفر إلى اليوم في أكثر من سمّيناهم مضيفين في طياراتنا وأتمنى ألاّ تتوفر.
وهبطنا مطار أبها.
ولا يعجبني أن أجاري الوضع وأسمّيه (مطار أبها) لأن في تسميته تجاوزاً لا يقره منطق.
فأنا لا أفهم إلى الآن معنى هذه الرحلة الطويلة الشاقة التي يتكبدها الراكب من المطار الذي يريدونني أن أسميه (مطار أبها) فلا أصل منه إلى أبها إلاّ بعد نحو ساعتين من ركوب مرهق متواصل.
قلت لزميلي وهو يسوق سيارته لي: إن لدي ما يؤكد أنك تركت (أبها) قبل ربع الطريق، وشاقك أن تضرب بي في آفاق الأرض على غير هدى.. فراح المسكين يقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يخطئ وأنه لا يزال على الجادة في طريقه إلى.. أبها.
قلت: فأنت إذن لك (أبها) أخرى غير أبها المعروفة التي جئت لزيارتها لأني لا أستطيع أن أعقل أن تكون (أبها) المعروفة نائية البعد بهذا القدر الفاحش الذي أراه فعاد المسكين يكرر لي تأكيداته بأنه لم يخطئ أبها وأنه لا يضرب في الأرض إلاّ على جادة بينة.
وما أشرفت التلال بنا على مزارع أبها في نهاية الأفق الواسع حتى هبطت بنا السيارة إلى سهل منبسط فسيح الأرجاء فبدأ العجب يستبدّ بي.
أيبعد هذا المنبسط كثيراً عن أبها؟؟
وجاءني الجواب سريعاً حاسماً يقول: إنه منبسط على بعد كيلومترات قليلة من أبها!! إذن فما يمنعهم أن يتخذوه مطاراً وهو فيما يبدو لي لا يقل اتساعاً عن أي مطار واسع، كما أنه في حاله الذي أرى لا يكلفهم أكثر من إصلاحات عادية تقتضيها سائر المطارات.
لقد حمدت الله في سري ألف مرة الذي لم ينشئني طياراً وإلاّ لوجدتني في مثل هذا الحال أنسى ما سموه مطار أبها وأتقدم بطيارتي إلى هذا السهل المنبسط لأوقع بها في أكنافه الواسعة رحمة بعباد الله المسافرين. وأنا ضمين أنه لن يصيب الطائرة شيء رغم الجراويل والأحراش الصغيرة المنتشرة هنا وهناك.
تنهد زميلي في ألم وقال: إن مأساتنا في أحد البارزين في خميس مشيط فقد استطاع أن يقيد هندسة المطار بتلك الأرض لتعمر خميس مشيط.
قلت: إننا لا ننكر عليه شطارته أو وساطته في سبيل عمران بلده، ولكننا لا نريد ذلك على أنقاض بلد آخر. فما يمنعكم أن تطالبوا بحقوقكم لهذا المنبسط الواسع رحمة بأبها وعمران أبها.
فقال: إننا طالبنا ولكن أهرق المداد وجف القلم.
لا.. إننا لا نعترف بمداد يهرق.. أو أقلام تجف فأبواب الاستئناف أكثر من أن تحصى.
وكلمني الآن أن أبها بلد الهواء والجمال لا تستأهل مثل هذا الإعراض، وكل ما أرجوه أن يعيد المختصون في مصلحة الطيران نظرهم في أمر المطار فإنهم يتهامسون في أبها بأن هندسة الطيران تتكلف الإعراض حتى لا تكذب تقاريرها التي رشحت المطار النائي واتفقت عليه، ولكن لا أذهب مذهبهم هذا فإني أرى أن يندبوا مَن يستأنف التحقيق ويدقق أمر هذا المنبسط المتصل بأبها، فأنا رغم جهلي بهندسة المطارات أستطيع أن أؤكد أنه لا ينقصه ليكون مطاراً له قيمته إلاّ أن تمسه يد الإصلاح مساً عادياً.
كما أستطيع أن أؤكد أن موقع هذا المنبسط بين أبها وخميس مشيط في استطاعته أن يغني البلدين بمطار واحد.
وكان هذا قبل اليوم وقبل أن يتغير كل شيء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :855  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 86 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.