رجال عرفتهم |
محمد سعيد عبد المقصود
(1)
|
بقلم: عبد القدوس الأنصاري
|
في طليعة قائمة الرجال الذين حظيت بمعرفتهم أولاً، وبصداقتهم الحميمية ثانياً، صديقنا المغفور له الأستاذ ((محمد سعيد عبد المقصود خوجه)) ذلك الوطني الشهم الوفي المخلص الحازم في أقواله وأعماله، والقويم في أفكاره وتخطيطاته، والوطني في اهتماماته وفي سائر ما يزمع القيام به. |
عرفته وكلانا كان في سن الشباب.. وكانت أول معرفتي به بالمكاتبة وهو في مكة المكرمة وأنا في المدينة المنورة ثم أراد الله له أن يزور المدينة المنورة مع أسرته قبل ميلاد نجله الذي سار على دربه في الشهامة والكرامة والكرم، الشاب الألمعي ((عبد المقصود خوجه)) وبقدومه إلى المدينة بادرت بزيارته في مقر نزوله فوجدت فيه أن الخبر -بضم الخاء وسكون الباء- قد صدق الخبر -بفتح الخاء والباء- وأقام في المدينة المنورة أياماً سعدت فيها بلقائه وتوطدت الصداقة بيننا لأني وجدت فيه الشخصية المثالية الفريدة في عزيمتها وفي اتجاهاتها وفي كرامتها وقد سرني فيه بصفة خاصة أنه ممن انطبق عليه قول الشاعر العربي الوصاف لأعلى مكارم الأخلاق. |
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه |
ونكب عن ذكر العواقب جانبا |
|
وهذه صفة ممتازة من صفات البطولة المقدام. |
ثم ارتحلت إلى مكة بعدها بعامين، واجتمعت بالصديق العزيز في بلد الله الحرام، وشاهدت ما يتحمله من الأعباء الثقال في العناية برقي الشباب ونهضة الطامحين من المواطنين وكانت تلك جهوداً كثيفة مستديمة تنبع من معين فيّاض دفاق من الإخلاص المكين والحماسة العميقة والأخلاق الشامخة.. وكانت كتاباته الطافحات بالمثاليات فيما يهمه القيام به من رفعة شأن وطنه (أدبياً وعملياً) فصل الخطاب.. |
(1) (أدبياً): |
في قلمه مما يذكرنا بقول أبي تمام الطائي في أحد ممدوحيه: |
لك القلم الأعلى الذي بشباته |
يصاب من الأمر الكلى والمفاصل |
|
وكان قلمه يفوح نواره ويسطع نوره الدافئ على صفحات ((جريدة أم القرى)) شبه الرسمية أولى جرائد المملكة صدوراً في العهد السعودي السعيد، وكان يوقع مقالاته المرموقة باسم مستعار أحسن اختياره وقد وفق فيه توفيقاً مثالياً فريداً.. وكان ذلك التوقيع المشع في جريدة أم القرى هو: ((الغربال)) وحقاً كانت مقالاته (غربالاً) يصفي الدر من المخشلب ويخلص الجوهر من الرديء ويبني ويوجه، ويشدد ويسدد، ويحدد السبل المثلى ويزيح العقبات التي هي بالمرصاد للعاملين بكل حرارة تتدفق من أعصابه الفولاذية ودماغه المتفتح النيّر الحساس وكان لمقالاته دوي في الأوساط المثقفة وغير المثقفة إذ ذاك. |
(2) و (عملياً): |
تتمثل جهوده الكبرى في تطوير مطابع أم القرى الحكومية التي يدير شؤونها بالإضافة إلى قيامه بمهام رئاسة تحرير أم القرى وإجادته فن إدارتها بشكل جيد ناجح يهز نياط قضية الأدب الحديث الهادف مما أثار إعجاب الناس حتى كبار المسؤولين آنذاك. |
وكان الشاب الأديب (محمد سعيد عبد المقصود) كريم النفس، ومع حزمه في إدارته حزماً لا تلين قناته للتلاعب والتهاون والإهمال فإنه (صاحب صاحبه) كما يقول المثل العامي، وفيه شهامة قلما تجدها في الشباب الذي يضارعه فيها من معاصريه.. وكان شجاعاً في قول ما يراه حقاً وصواباً وفي نشر ما يراه ضرورياً لإفادة الوطن والمواطنين. |
وكان له دعم جيد لا ينساه صديقه راقم هذه السطور حيال تعزيزه لمكانة ((مجلة المنهل)) في الأوساط الأدبية والإدارية المعاصرة.. وقد فتح لها صدر مطابع أم القرى لتطبع فيها وهي مطابع رسمية وحكومية وهذا التصرف لا يقوم به إلاّ ذو المبادئ القيمة والإخلاص النادر للأدب. |
ونحمد الله فإن نجله الذي حصرت تسميته في مكة المكرمة هو فخر شبابنا المعاصرين أدبياً وكرماً وإنسانية وهو الأستاذ (عبد المقصود خوجه).. وهو خير خلف لخير سلف.. فلقد شابه أباه فيما كان يقوم به من مكارم وشهامة ووطنية.. فهو ممن ينطبق عليه أيضاً قول الشاعر: |
بِأبِهِ اقتدى عديٌّ بالكرم |
ومن يشابه أَبَهُ فما ظلم |
|
|