شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
يسرني أن أضع بين أيديكم صفحات مشرقات استرجعها الأستاذ حسين عاتق الغريبي بجهد مقدَّر من طيّات المجهول بعد أن كادت تغوص في ركام النسيان، بعنوان ((الغربال -الجزء الثاني)) والعنوان الجانبي ((تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه)).. فجددت بهاءها، وراشت لها أجنحة لترفرف بيننا مختالة كما كانت في سابق عهدها.. فرأيتها تميس في حاضرنا حاملة عبق اختلاج زمانها بإرهاصات العطاء.. بعد أن تفرقت السبل بتلك الصحبة الماجدة والثلة الكريمة.. حيث عانق الحبر الورق.. وغردت الكلمات في صفاء الصمت..
كانت أمسيات الإبداع الندية تحيط بزملاء الحرف، لتنثر لهم بيادر الود وشعاع المعرفة، وتهيئ لهم ما يمكن من وسائل دفع ماكينة الحياة.
عصبوا أعوادهم بجلد الشباب، وسكينة الشيوخ، ووقار الحكمة.. كان والدي الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود خوجه ((رحمه الله)) واحداً من أبناء جيل مجّ رتابة الأيام.. متطلعاً إلى إشراقة الشمس بعد غسق الليل.. وكيف يطول به ليل والنفس الكبيرة تستشرف نور ((إقرأ)) من باحات الحرم المكي الشريف، وجبل النور، وغار ثور.. قد يطول السُرى.. وربما ارتد البصر وهو حسير.. لكن مسرى النور في ذرات الوجدان يلوح في الأفق دوماً مبشراً برسالات تتواتر وتنبئ بخير وفير.. فالحياة في عرفه ليست منتجعاً للراحة، ومتكأ لبحبوحة العيش، وملء الأشداق بالتفكه، وتبديد الوقت بين مغريات -رغم شحها- متاحة لمن أراد تبطلاً.
استكنه المجهول.. لم يرم بثقله في دائرة قطرها نظر محدود إذا استحد رام مسارح الطفولة وذكريات الشباب، وجبال تحيط به إحاطة السوار بالمعصم.. كلما تلفت حوله لمس تياراً يسحبه نحو ماض قريب يجر ذيولاً غير مرئية لكنها مؤثرة في إطار الصورة ومكوناتها قريبة العهد بالنمط العثماني.. وإذا غذ المسير أضاءت له مشكاة التاريخ دروب كفاح ومجد أثيل.. فكيف التواصل مع ماض سحيق، وتاريخ بعيد يومض بالخير والعز والنماء.. بينما الحاضر يكاد يتوقف شرنقة في عنق الزمان، وبركة راكدة وسط عواصف، وأنواء، وحركة مد وجزر في دنيا الثقافة.. بعيدة المنال.
تيارات تموج بالعطاء الأدبي والفكري في المشرق والمغرب، تشق طريقها ببطء نحو وجدان شاب يتوقد -بل يتحرق شوقاً- لرسم خارطة جديدة تشق جدار الصمت وتسبل الستار على مسرحية يود أن تنتهي سريعاً إلى غير رجعة.. فصولها أيام عقيمة، وكلمات باهتة، وأسمار متشابهة، وعقول عصفت بها رياح النسيان في مواسم النزق المثقل بحكايات أبي زيد الهلالي، والزير سالم، وعنترة بن شداد.
فتح الشرنقة بحذر كأنه يتعامل مع (دُمّل) قديم.. أزاح الستار شيئاً فشيئاً عن قبس يتراقص ضوءاً على صفحة بركة (ماجن)، وقمة (الأولمب)، طيوف من قوس قزح ترتسم في مقلتيه، تسعده، وترغده، وتهدهده، وتدعوه بحياء إلى سقيا الحروف.. لا يملك إلا أن يطير أمامها فرحاً إلى حيث العمل المضني، الشاق واللذيذ، فالطريق ينتهي حتماً عند ملكة قد يلسعه شغيلتها لكنه سينال في المقابل أقراص عسلها صافية وسائغة.. تهادى مسيره خبباً سوياً على صراط مستقيم.. ليس العبرة بالعناء لكن بالمردود المرتقب.. وكان له في الصحب خير معين على ضمور الضرع وشح القطر.. فجاء ميلاد كتاب وحي ((الصحراء)) بعد معاناة تجدون تفاصيلها في الصفحات التالية.. وتتضح الصورة بخيال كله مَدّ يقرن بين الحاضر وماض خال الوفاض من طائرات منتظمة، وبريد إلكتروني، وطرق معبدة، وهواتف نقّالة.. وغيرها من معطيات الحياة التي ننعم بها اليوم!!
جاءت مقالته الماتعة بتنوع مواضيعها وثراء تناولها.. وجاء تعامله الإنساني متوجاً لشخصية عرفت بعفويتها وفطرتها شيئاً من أبعاد النفس البشرية.. وتألق إبداعاً -عملاً قبل قول- ليطرز أسس العطاء الوطني في أبهى حلله وأنقى صوره.
كانت أيام أشعلت قيم المروءة والوفاء وصدق الأداء.. فلنعش جانباً منها علّها تومض في ذاكرة الأجيال القادمة.. وكما قال الجاحظ: المعاني ملقاة على ((قارعة الطريق))، يلتمسها من استنار بصيرة قبل البصر، واستلهم الفكرة، وأجاد توظيف الكلمات لتؤدي الغرض المنشود.. والله الموفق.
عبد المقصود محمد سعيد خوجه
جدة 9 ربيع الأول 1429هـ-17 مارس 2008م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :853  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 153
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.