من المكتبة السعودية: |
كتاب ((وحي الصحراء))
(1)
|
عرض: محمود سليمان خليل |
منذ قرابة نصف قرن، قام كل من الأديبين محمد سعيد عبد المقصود وعبد الله بلخير بجمع نصوص أدبية، واعتبراها ((صفحة من الأدب العصري في الحجاز)). وكان عملهما رائداً، لم يسبقهما أحد فيما أعلم، وقد احتذى حذوهما من بعد مجموعة من الأدباء، أخذوا يجمعون أدب الجزيرة العربية، من وجهة نظر جغرافية.. مثل: كتاب شعراء الحجاز لعبد السلام طاهر الساسي عام 1370هـ، وشعراء هجر لعبد الفتاح الحلو عام 1379هـ، وشعراء نجد المعاصرون لعبد الله بن إدريس عام 1380هـ وغيرها. |
قدَّم للكتاب الدكتور محمد حسين هيكل. وقام المؤلفان أو الجامعان باختيار أفضل النماذج الأدبية من خلال لجنة ((تتولى درس مواد الكتاب)). |
ووقع الاختيار على عشرين أديباً يمثلون الأدب الحجازي، أو أدب الشباب آنذاك.. وهم على التوالي: أحمد إبراهيم الغزاوي، وأحمد السباعي، وأحمد العربي، وأمين بن عقيل، وأحمد قنديل، وحسين خزندار، وحسين سرحان، وحسين سراج، وعبد الوهاب آشي، وعبد القدوس الأنصاري وعبد الحق النقشبندي، وعبد الله عمر بلخير، وعلي حافظ، وعزيز ضياء، وعبد السلام عمر، وعمر عرب، ومحمد بن سرور الصبان، ومحمد سعيد العامودي، ومحمد حسن فقي، ومحمد حسن كتبي. |
وقد لمعت أسماء كثيرة لأولئك الأعلام فيما بعد، في حين خَفُتَ لمعانُ وبريق البعض الآخر. كما أننا لم نشهد أسماء أخرى كان لها شأن عظيم في الحياة الأدبية لتلك المنطقة، أمثال طاهر زمخشري، ومحمد حسن عواد، وأحمد عبد الغفور عطار وغيرهم. |
وشرع المؤلفان في تقديم نبذة موجزة -لا تتجاوز الصفحة- عن حياة أولئك الأعلام. وكانت ولادة غالبيتهم في مكة والمدينة، ما عدا أحمد قنديل فقد كانت في جدة، وحسين سراج في الطائف، وعبد الله بلخير في حضرموت، ومحمد سرور الصبان في القنفذة. |
وإن مختارات أولئك الأدباء تضم الشعر والنثر، قصائد محافظة على العمود الشعري، وتحذو حذو مدرسة الأحياء في اتجاهها الشعري، ومقالات تجمع كل خصائص النثر الفني، وإن قارئ تلك النصوص الأدبية ليتلمس الكثير من الخصائص والسمات الأدبية والفكرية والفنية لأولئك الأدباء.. منها: |
أولاً- بروز الشعر الحماسي.. |
أي إن الشعراء اتجهوا في شعرهم إلى تخليد المناسبات الوطنية والعربية والدينية، فكانوا من خلالها يترجمون مشاعر وأحاسيس الجماهير ولا يتركون مناسبة تاريخية تمر دون أن يقولوا فيها شعراً يتضمن الفخر والاعتزاز والمديح. |
فإذا قام الحلف العربي الذي تم بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها اليمن عام 1353هـ، وجدنا الغزاوي ينظم قصيدته (هم الجيرة الأدنون) التي مطلعها: |
حمدنا السرى عقبى امتشاق البواتر |
وكدنا العدى بالصلح رغم العواثر |
|
وإذا سافر وفد إلى الرياض في عام 1352هـ لمبايعة ولي العهد الأمير سعود وجدنا أيضاً الغزاوي ينشد: |
أجل هذه نجد فهل شاقك الرند |
وهبت صباها فاستقربك الوجد |
|
وكذلك الحال مع الشاعر عبد الله بلخير، الذي له قصائد عديدة في هذا الموضوع، منها قصيدته (ثلاثة أعياد) التي ألقاها ((بين يدي سمو الأمير فيصل يوم عيد الفطر سنة 1353هـ تهنئة له بعيد الفطر، وعيد جلوس جلالة الملك الذي احتفل به ثاني يوم العيد، وترحيباً بقدوم الأمير من الرياض إلى مكة)). منها هذه الأبيات: |
توالت مسرَّات على الشعب منذ أن |
قدمت، فكل بالمسرَّة مطرب |
ثلاثة أعياد: قدومك سالماً |
وإقبال عيد الفطر باليمن معرب |
وعيد جلوس العاهل المنقذ الذي |
تميس به (نجد) وتفديه (يثرب) |
|
ثانياً- التفاخر بالحجاز: |
ترد الحجاز على ألسنة الشعراء كثيراً في شعرهم ونثرهم.. في قصائدهم الوطنية والوجدانية والدينية، وفي نثرهم الفني، في مقالاتهم ودراساتهم ومحاضراتهم وخواطرهم.. والأمثلة على ذلك كثيرة، نكتفي بقراءة جزء من خاطرة بعنوان (خواطر متناثرة) لأمين بن عقيل التي يبدأ بقوله: ((الحجاز قلب الجزيرة النابض، ودماغها المفكر، وفؤادها الخفاق، ترامى في أعماق الصحراء، وتغلغل في الأودية القاحلة الجرداء، ليخلص من أرجاس المدنية الزائفة الخلابة.. إلخ)). |
ثالثاً- الشكوى والأسى: |
يحس قارئ أدب أولئك الشباب بأن ثمة آلاماً دفينة تنقصهم وتقض عليهم مضاجعهم.. فتخرج زفراتهم مشحونة بالأنين والآهات والتوجع.. فيبدو أدبهم ذا مسحة رومانسية، ولا يكاد قلب أديب يخلو من تلك الخلجات والنبضات، ولا قصيدة تخلو من بث الشكوى والأنين.. وقد يغرقون في بحور اليأس والتشاؤم -والسوداوية.. فلنقرأ شيئاً من قصيدة (أنة بائس) لمحمد حسن فقي: |
كم أنة في ظلام الليل قاتلة |
أرسلتها من فؤاد كله ألم |
أشكو إلى الله والأخطار محدقة |
بلوى تآزر فيها البؤس والسقم |
يا ويح دهري ألا يكفيه ما نزفت |
من الدماء جراحي وهو يبتسم |
يا دهر حسبك مني الآن متربة |
هذي حياتي فأين الموت والعدم |
لعلّ في جيرة الموتى وقربهم |
عزاء قلب به الأحزان تختتم |
فما الحياة وإن طالت سوى خدع |
وما بنوها -وإن عزوا- سوى ذمم |
|
رابعاً- البعد الإنساني: |
نجد في أدب أولئك الشباب التصاقاً بقضايا الناس، وتعاطفاً مع آلامهم، وتحسساً بمعاناتهم.. وبالتالي فهم ينطلقون في شعر ينبض بالحس الإنساني، وكأن المجتمع، بما يعتريه وينتابه، أصبح همهم الأول.. وإن هذا الإحساس الشعري ليتجلى لديهم في مواقف العيد، وفرحة الناس المترفين به واكتئاب المعدمين به.. فلنقرأ شعراً ونثراً في هذه الحالات. |
يقول الشاعر أحمد العربي من قصيدته (أيها العيد): |
أيها العيد رب طفل يعاني |
فيك من بؤسه عذاب الهون |
هاجه تربه بملبسه الزا |
هي وكم فيه للصبا من فتون |
فرنا نحوه بطرف كليل |
ليس يقوى على احتمال الشجون |
ثم ولى والحزن يفري حشاه |
مستغيثاً بعطف أم حنون |
وجثا ضارعاً إليها يناجيـ |
ـها بدمع من مقلتيه هتون |
ويحها ما عسى تنال يداها |
وهي خلو الشمال صفر اليمين |
كل ما تستطيعه عبرات |
من عيون مقرحات الجفون |
|
ويقول عزيز ضياء من خاطرته (عيد) التي هي تجمع الشعر الرومانسي وفن وسحر جبران: ((.. وسأل طفل أباه الغني قائلاً: لم تطلق المدافع يا أبت؟ فقال: لأن العيد قد أتى. فوثب الطفل صائحاً: العيد قد أتى يا فرحتي بالعيد!)). |
وسأل طفل يتيم أُمه قائلاً: لم تطلق المدافع يا أماه؟! فسكتت وجالت في مآقيها الدموع، وتأوَّهت، فالتهبت في صدرها النيران.. وعرف الطفل أنها تبكي. فسألها: لم تبكين؟ هل تخيفك أصوات المدافع.. ربما كان هذا هو الحرب الذي حدثتني عنه؛ ولكنه لا يخيف، إنني مسرور، قال ذلك وأسرع إلى النافذة يستطلع، فسمع طفلاً يصيح: العيد قد أتى، يا فرحتي بالعيد! فركض وارتمى في أحضان أمه وهو يقول: لا تبكي، لا تبكي، ليس هذا حرباً كما تتوهمين، إنما هو العيد.. العيد الذي جاءنا قبل أن يسافر بابا، هو العيد.. إلخ. |
خامساً- الصياغة: |
نجد في صياغة أولئك الأدباء الشباب سلاسة وسهولة في اللفظ والمعنى.. فأسلوبهم ينأى عن التعقيد والغرابة، وجملتهم العربية سليمة صحيحة في بنائها وتركيبها، ولا تخلو صورهم الأدبية من رونق وديباجة مدرسة الأحياء التقليدية في شعر المناسبات، ومن جاذبية وإشراق النثر المهجري؛ في خواطرهم ومقالاتهم. |
وإن كتاب وحي الصحراء -في طباعته الثانية- ليدفع بالقرّاء والباحثين والدارسين والنقّاد إلى الاستزادة والاستزادة من أدب الشباب في منطقة الحجاز لفترة مضى عليها أكثر من خمسين عاماً.. وليستوحوا منه الكثير من الخصائص في المضمون والتعبير. |
|