شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور عبد الله مناع ))
ثم أعطيت الكلمة للدكتور عبد الله مناع - الَّذي أسمع وأمتع وأجاد وأبدع وتحدث فأطرب - فقال:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم؛ أما بعد:
- فيسعدني حقاً أن أشارك في الاحتفاء بعودة الصديق العزيز والأديب الأستاذ عبد الله جفري.. إلى الحياة الأدبية مجدداً، بعد الوعكة التي ألمت به وأقلقتنا عليه كثيراً، وأرقنا كثيراً؛ وعندما طلب مني الأستاذ عبد المقصود أن أساهم في هذه الليلة - وحتى لو لم يطلب مني المساهمة - لكنت أنا الَّذي طلبت منه ذلك
- فالَّذي يجمعني بعبد الله الجفري كبير وطويل وكثير، ربما ربع قرن من الزمن.. ربما.. وربما أكثر.. ربما.. أما نصف قرن فلا.. ربما بدأت العلاقة من 1380هـ - عبد الله جفري أحد شباب (البلاد) بمكة المكرمة وكنت وقتها أحد شباب (الرائد) بجدة، ولأن (البلاد) مدرسة بذاتها.. في أسلوبها ونمط صحافتها.. كانت أيضاً الرائد بأسلوب ونمط آخر؛ كان بمكة ثم انتقل إلى جدة مع انتقال البلاد، فيما أذكر أو أظن؛ وانتقاله لجدة لم يقرب بيننا في الحقيقة، لأننا لم نكن على مقربة من بعضنا في تلك الأيام، كأننا كنا نبني حاضرنا، أو إننا كنا نبني تاريخنا الأدبي، لكننا دخلنا في مرحلة أخرى بصدور جريدة المدينة، في جدة يومية.. بعد أن كانت تصدر في المدينة المنورة أسبوعية، برئاسة تحرير الصديق العزيز والصحفي الكبير محمد علي حافظ.
- اجتمعنا في جريدة المدينة كاتبين نكتب لها معاً، لكن ذلك لم يقربنا كما يجب أن يكون، كان كل منا يتجه إلى قارئه؛ وعندما أصبحت عضواً بمؤسسة البلاد، انتقلت بقلمي إلى مؤسسة وصحيفة البلاد، لكن الأستاذ عبد المجيد شبكشي (يرحمه الله) كان صارم الرقابة، وكان قليلاً ما تمر من تحت يديه كلمة أو كلمتين أو ثلاث كلمات، وربما أغلب الصحفيين الموجودين الآن يعرفون من هو الأستاذ عبد المجيد شبكشي، ويعرفون صرامته إلى حد أنه قال أو قيل عنه: إنه لا يقرأ بعض المقالات، فضلاً عن أن ينشرها لكتاب يكتبون لديه؛ فأمضيت سنوات أكتب في البلاد، وأعاني مع الأستاذ عبد المجيد (يرحمه الله) كثيراً.. إلى أن توقفت عن الكتابة بسبب تلك المعاناة.
 
- كان الأستاذ عبد الله الجفري آنذاك قد انتقل إلى عكاظ، وتقدم في العديد من وظائفها.. حتى أصبح مديراً للتحرير؛ ثم كان أن كتب إلي رئيس التحرير آنذاك يطلب مني أن أكتب في عكاظ، ولكنني لم أستجب.. لكن عندما ولي الأمر أخي وصديقي الأستاذ عبد الله الجفري، وطلب مني أن أكتب فيها لبيت على الفور، منذ تلك اللحظة بدأت صفحة جديدة من التقارب بيني وبين عبد الله الجفري، كانت تمضي ربما دقائق طويلة في مكالمات تليفونية، نتذاكر فيها نصاً أو نقول شيئاً، وكانت هذه المناقشات الهاتفية تنعكس على صفحته السابعة المشهورة بجريدة عكاظ في تلك الأيام.
- والَّذي جمعني منذ تلك اللحظات بعبد الله الجفري، كان الفضل في ذلك أيضاً لصديق ترك الصحافة؛ وهو الأستاذ عبد العزيز فرشوطي؛ فقد عمل في عكاظ.. وكان من قبل سكرتيراً لتحرير الرائد، ومن خلال الموقعين كان قد تعرف بي؛ وتعرف بعبد الله الجفري وكأنه لمس شيئاً أو كثيراً من التجانس، فحاول أن يقرب بيننا ونجح.
- وقد نسيت أن أقول إن الأستاذ عبد الله جفري أيضاً كان زيدانياً وأنني كنت عوادياً.. والأستاذ زيدان صاحب العبارة الفخمة الجميلة، لكن له أسلوب وفكر مختلف عن أسلوب العواد؛ فالعواد صاحب رأي حاد شعراً ونثراً، وكما قلت إن البلاد والرائد كانتا مختلفتين.. كما إن الأستاذ زيدان والعواد كانا مختلفين، لكن هذا الاختلاف بينهما لم ينعكس علينا بشكل حاد، كأن النسيج المشترك الَّذي جمعه مع عبد الله جفري كان أقوى من تلك الاختلافات. والحقيقة أن الحياة المشتركة معه كانت طويلة، وهي تشكل ألبوم الحقيقة.
- عندما بدأت أكتب في عكاظ وتواصلنا تواصلاً وثيقاً.. كانت هناك قواسم مشتركة كبيرة بيني وبين الأستاذ عبد الله جفري، لعل أولها أو أقربها أنه رغم كونه فيروزي الهوى.. إلا أنه كان كلثومي النغم، وكنا نتذاكر كثيراً النصوص الغنائية التي كانت تغنيها أم كلثوم بانتظام، وقد كانت نصوصاً شعرية متفوقة، ولم تكن نصوص أغان كالتي نسمعها هذه الأيام.. كانت شيئاً يخاطب الفكر والعقل والوجدان، وكنا نتذاكر تلك النصوص، ونعلق على الجيد منها، وعلى نقاط ضعفها، وهذا ما يجمعنا فنياً؛ والَّذي يجمعنا أديباً - أيضاً - هو حبنا المشترك للشاعرة فدوى طوقان وللشاعر كامل الشناوي.. وربما كانت معظم الكتب التي في مكتبتي عن فدوى هي في مكتبة الأستاذ عبد الله جفري، وربما كانت معظم الكتب التي عن كامل الشناوي عند الأستاذ عبد الله جفري هي في مكتبتي.
- الأديب عبد الله جفري، أديب منذ البداية يحمل قلم أديب، ونسيج أديب، وفكر أديب؛ وقد يأتي الصحفي في عبد الله جفري ثانياً، ولكن لا يسبق الأديب؛ وعبد الله جفري كأنه مهجري في أدبه، كأنه مصري في هواه؛ ورغم إعجابه بالأديب الصحفي أنيس منصور - رغم تحفظي على هذا الإعجـاب - إلا أنه لم يتأثر به، وتلك محمدة للأديب عبد الله جفري، أنه لم يتأثر ولم يتلوث بهرطقات وتسالي أنيس منصور.
- الأستاذ الجفري كان يمكن أن يكون شاعراً.. وتجاربه هي تجارب شاعر، أكثر منها تجارب أديب، ولعل الكثيرين يلاحظون أن كتابات الأستاذ الجفري هي وسط بين الشعر والنثر، ولو أنه كان كالشاعر الفرنسي أظنه أراجون، الَّذي كان مغرماً بليزا، وكتب ديوانه المعروف عن هذا الحب: (أنت أنا) ولم يضع حرف الواو حتى لا يفرق بينهما.
- لو أن الأستاذ الجفري قال الشعر لربما أعطانا شيئاً أفضل من: (أنت أنا) وأعمق وأجمل؛ فتجارب الأستاذ الجفري العاطفية والوجدانية كبيرة وكثيرة، وكان يمكن أن تشكل مخزوناً عظيماً لشاعر متميز؛ الأستاذ الجفري - أيضاً - أديب حذر وكاتب حذر، فكأن حذره لم ينجه ولم يسعفه وقت الشدة؛ وأعتقد أنه عندما كتب في اقرأ.. وكان يبعث بمقالاته أسبوعياً، كنت لا أجد في ما يبعثه الأستاذ الجفري كلمة تستوجب الحذر، كان منضبطاً أشد الانضباط، بل أني أعتقد أن مرض الأستاذ عبد الله الجفري إنما هو نتيجة طول الانضباط، ثلاثين عاماً من الانضباط أدت إلى معاناة في القلب كبيرة، ولو أنه ترك نفسه على سجيتها لربما أراح قلبه من تلك المعاناة.. التي كانت بسبب تلك الانضباطية الشديدة.
- بعد أن انتهت تلك السنوات الأولى من التباعد، وحلت محلها سنوات التقارب، ومضى الزمن.. أصبحت أشعر بأني لا أسير وحيداً، وأن هناك في المقابل أديب متميز هو عبد الله جفري، بل وأصبحت - أيضاً - من أولئك المحبين لأستاذنا الزيدان شفاه الله وعافاه.. الأستاذ الزيدان صاحب العبارة الجميلة والفخمة والمجنحة، كان - أيضاً - نقطة التقاء أخرى مع عبد الله جفري، وعندما اشتد به المرض الأخير فاتحته أيضاً على الهاتف، وكنت قد علمت أنه رفض استقبال رجلين صديقين من أعز أصدقائه، هما: - السيد ياسين طه، عبد الله جفري - فقلت له: يا أستاذنا: لا يصح لك أن ترفض استقبال أحد هذين الصديقين، قد آتى أنا بعدهما، ولكنني لست الثالث أو الرابع.. إلا أنني ربما أكون السادس أو السابع، فإذا صح لك أن تعتذر عن استقبال أي من الناس، لكن لا يصح لك الاعتذار عن استقبال الأستاذ ياسين طه، والأستاذ عبد الله الجفري، فهما صديقان حميمان.. وهما رفيقا درب طويل لك؛ الأستاذ زيدان كان يمر بمرحلة.. نسأل الله أن يخرج منها بسلام، وأن تنطوي هذه اللحظات القاسية من حياته، وأن يعود مجدداً إلى الحياة الأدبية من جديد.
- يجب أن يكون التكريم للأديب وهو في قمة عطائه، لأن التكريم بعد ذلك.. سواء عندما تبدأ الحياة مراحل الشفق، أو عندما تنقضي هذه الحياة.. فهو تكريم لا أهمية له؛ قد يكون تبريراً.. ولكنه لا ينعكس على الأديب ذاته، الأديب لا يبحث عن مال أو حياة، ولكنه يبحث عن كلمة تقدير، عن كلمة اعتراف به وبمكانته؛ وأعتقد أن هذا الاحتفال يحمل هذا المعنى بكل تأكيد، وجميل أن يتم؛ وصديقنا العزيز بعد أن عاد بقلب سليم، وكل الَّذين أجروا هذه العملية يعودون إلى الحياة بأفضل مما كانوا عليه، من كل النواحي.. أدبية وغير أدبية؛ فالتكريم إذاً حدث بعد ذلك يشبه قول الشاعر:
أتتني وحياض الموت بيننا
وجادت بوصل حـين لا ينفـع الوصـل (1)
إني لسعيد بهذه الفرصة، وسعيد بأن نحتفي بأديبنا العزيز الصديق الحميم عبد الله جفري، وأشكر الأستاذ عبد المقصود، وشكراً لك، وآسف - أيضاً - إذا كنت أطلت.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :573  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج