شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المقـَدّمَة
في الوقت الذي استعدت فيه "الاثنينية" لاستقبال روّادها الأفاضل الذين تكرَّموا بالموافقة على منحنا الثقة لنسعد بتكريمهم في عام 1411هـ، وبينما الاستعدادات تجري عل قدم وساق لترتيب هذه اللقاءات، وأكاد ألمح بين جنبات محبي الأدب والثقافة والفكر ارتعاشات اللهفة للقاء الأساتذة الكبار الذين سيضمِّخون أُمسياتنا بعبق علمهم وفضلهم وجودهم.. كل ذلك كان يجري كالعادة استعداداً لاستقبال ذوي الفضل من رجال العلم، والاحتفاء بهم، والاستزادة من معينهم الذي لا ينضب..
وفجأة.. دوت في الخافقين نذر الشؤم، وتلبدت سحب العدوان الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم الحديث، وانبعثت بقايا أفكار عصور الغاب، وجحافل التتار، مزوَّدة بأحدث أسلحة الدمار، شاقة طريقها من العراق.. عراق الخير والنماء.. عراق الرافدين.. عراق الشعر والجمال.. فتحركت قوى الطغيان تحت رايات حقد دفين وغير مبرَّر لتضرب جارة وشقيقة لها.. وأي جارة، وأي شقيقة.. ضربت دولة الكويت!! دون وازع من ضمير أو خلق أو دين، ودون مراعاة لأبسط قوانين السماء والأرض..
محاولة في نفس الوقت أن تدق بيد الغدر أبواب هذه البلاد الطاهرة التي حصَّنها الله من عنده بحرميه الشريفين فكان جزاؤهم جزاء آل الفيل حيث انقلبوا على أعقابهم يجرون أذيال الخزي والعار. وكم يؤسفني كعربي وأنا أكتب الحقيقة بهذه العبارات التي كنت أتمنى ألا تكون بين عرب وعرب، لكنه غدر لا رجال خلَّف وراءه الدمار والخراب، والشرخ الذي لن يندمل إلاَّ إذا تداركته رحمة من الله، ذلك الشرخ الذي فشلت حتى قوى الصهيونية في إحداثه بجسد الأمة العربية بهذه القوة رغم محاولاتها المتعددة.
في ظل هذه الظروف والمتغيرات الدولية الخطيرة، والأحداث الجسيمة، كان لا بد "للاثنينية" من وقفة وموقف.. فأحتجبت عام 1411هـ - عام العدوان – تضامناً مع كل الخيرين الذين أبوا أن يدعو للعدوان مكاناً على خارطة الواقع، وقد تشرَّفتُ بجهد المقلّ مع أخي وصديقي الأستاذ نبيه بن أستاذنا المرحوم عبد القدوس الأنصاري، صاحب ورئيس تحرير مجله "المنهل"، بنشر كثير من الشعر الذي أفرزته تلك الفترة في ثلاث كتيبات بعنوان "أحاسيس اللظى".. وحمل الجزء الأول عنوان "خميس الكويت الدامي"، والجزء الثاني عنوان "تداعيات الغزو العراقي الغادر"، والجزء الثالث بعنوان "جزازات خليجية محمومة".. صدرت عن دار المنهل بغرض توثيق تلك المرحلة شعراً. كما تشرفت بالمساهمة مع الأخ الأستاذ محمد البرجس في نشر كتاب بعنوان "حتى لا ننسى جريمة العصر" وهو كتاب مصوَّر سجَّل بالعدسة والكلمة أحداث تلك الأيام البشعة في حياة الشعب الكويتي وكل شعوب المحبة للسلام.
وبانتهاء الأزمة، فتحت "الاثنينية" ذراعيها مجدداً لتستضيف عمالقة الفكر والأدب والشعر، ويتحلَّق حولهم المريدون لينهلوا من فيض علمهم وسابغ فضلهم، وتنثال معارفهم لتغمر النفوس طلاوة وأَلقاً وعطراً.. فبهؤلاء الأفاضل تحلو الأوقات، وتزدان الحياة، ويجد المرء متنفساً لهمومه وآلامه ومشاكله التي لا تنفك عن صخب وتوتر تعاقب الأيام.. وكان لنا نعم المتكأ بعد تلك النكبة التي حطت من جسم الأمة العربية، فالحمد لله على كل حال الذي لا يحمد على مكروه سواه.. سائلا الله سبحانه وتعالى أن يزيل الغمة عن الشعب العراقي الشقيق الصابر، بإزالة النظام الجاثم على صدره ليعود عامل أمن واستقرار في المنطقة وعنصراً فاعلاً من أجل عزة الأمة العربية الإِسلامية.
وهكذا فتحت "الاثنينية" صفحة عام جديد بعد عام الكارثة، وتشرفت باستضافة العديد من الشخصيات الكبيرة التي عطرت أجواءها، وخرجنا منهم بحصيلة طيبة من حصاد الذكريات، وتجارب الماضي الذي يصنع الحاضر.. ليقف عليه المستقبل.. مستشرقاً المزيد من التطلع نحو غدٍ واعد، وأيام أفضل.
فكانت لنا لقاءات متنوعة بتنوع ألوان الطيف.. حيث يمثل كل محتفى به جانباً أو جوانباً من بانوراما العلوم والمعارف الإِنسانية.. وتفضلوا بسرد ذكرياتهم العبقة، وتجاربهم التى تنبض بالحياة وتفيض بالود والحب والعطاء المستمر.. وآمل أن تجدوا في الرصد الذي بين دفتي هذا الجزء من سلسلة "الاثنينية" ما يروي الغليل، ويلقي الضوء على مختلف المسالك التي طرقها هؤلاء الأفاضل ليضعوا لنا علامات مضيئة في دروب الحياة، متَّعهم الله بالصحة والعافية، ونَفَع بهم وجعل أعمالهم في ميزان حسناتهم.
هذه اللقاءات التي سعدنا بها تضمنت أجمل ذكريات معالي الدكتور محمد معروف الدواليبي، ذلك العَلَم الكبير، الذي أمتع الحاضرين بحديث عذب رصين.. ثم كان لنا لقاء مع معالي الأستاذ الكبير الفقيه مصطفى الزرقا، الذي عرفناه في مصاف أفاضل أهل العلم، ولكن قليل منا يدرك أنه شاعر مطبوع، له باع طويل في عالم الشعر والكلمة المموسقة، وكشأن بعض العلماء، يضن بإنتاجه الشعري، ولا يطلع عليه إلاَّ خاصة الخاصة، ولكنه تفضل مشكوراً وقدَّم لي نسخة من شعره المخطوط ليتم نشرها قريباً بمشيئة الله ضمن إصدارات [كتاب الاثنينية] الذي انبثق عن هذه الندوة ليدعم قدر المستطاع مسيرة الثقافة، ويشارك بجهد متواضع في نشر بعض الأعمال ذات المستويات المميزة.
كما تضمنت اللقاءات الاحتفاء بسعادة الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة صاحب الرصيد الكبير في مجال التعليم والثقافة.. وسعدنا باستضافة الشاعر المهجري الأستاذ زكي قنصل، الذي أحسبه آخر شعراء المهجر، وقد توفي بعد سنتين تقريباً من تشريفه لهذا المنتدى، فَقَدِم من الأرجنتين، حيث أقام مغترباً طوال حياته، متغنياً بأمجاد أُمة العرب وسط عالم لم يأبه به كثيراً بدرر بيانه ولطيف شعره الذي يحتفظ بخصائص الشعر المهجري الأصيل.. وكان الفضل لقدومه من تلك الأرض البعيدة ضيفاً على الرئاسة العامة لرعاية الشباب معالي فقيدنا الكبير الأستاذ عبد العزيز الرفاعي.. وقد تفضَّل شاعرنا المهجري مشكوراً ووافاني قبيل وفاته بجميع ما لديه من أشعار، وتبنى [كتاب الاثنينية] طبعها في ثلاث مجلدات سترى النور قريباً إن شاء الله.
وسيجد القارئ الكريم في هذا الجزء من سلسلة "الاثنينية" الكثير من المعلومات التي تم استقاؤها مشافهة من هؤلاء الأساتذة الذين نكن لهم كل تقدير وإكبار وإعزاز.. راجياً المولى سبحانه وتعالى أن ينفع بها، وأن تكون زاداً لمن يرغب الاستزادة من هذا المعين الصافي.. وتبقى نبراساً يضيء للسالكين في درب الفكر والأدب.. آملاً أن تجد منكم القبول الحسن.. وأن تعين الدارس والباحث في الحصول على المعلومة الموثقة التي قد ينشدها، كما تمثل جانباً من المتعة الأدبية التي تنبعث من مجالسة هؤلاء الأفاضل الذين لم يبخلوا علينا بعلمهم ووقتهم وجهدهم وتكبدوا مشاق السفر في كثير من الأحيان استشعاراً منهم لواجبهم نحو العلم والثقافة التي وهبوا لها أنفسهم.
سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يكتب لهم الأجر والثواب، وأن يبارك في علمهم وجهودهم.
ولكم محبة وتقدير..
عَبد المقصُود محمّد سَعيد خوجَه.
 
طباعة تحميل
 القراءات :1917  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.