شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ عزيز ضياء ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ عزيز ضياء، فقال:
- أكاد أقول إني حرمت من حضور اثنينيات الأستاذ عبد المقصود أسابيع كثيرة، ولكني لم أحرم منها راضياً أو راغباً في هذا الحرمان، وإنما لأن ظروفي الصحية - وأنا في طريقي إلى الثمانين من العمر - تحتم علي أن أقتصر أو أن أقتصد في رحلاتي أو في زياراتي، أو في حضور مثل هذا الحفل؛ ولكن عندما قيل لي.. أو قال لي مندوب الأستاذ عبد المقصود إننا نحتفل الليلة بالأستاذ قنصل، وجدت نفسي أكاد أطير فرحاً بهذه الليلة.. وأحرص كل الحرص على أن أحضر، ليس احتفاءاً بالأستاذ قنصل.. وإنما لأقول كلمة قصيرة عن شعر المهجر، وعن علاقتي به منذ كنت في الخامسة عشرة من عمري.. وتلك قصة ربما سمعها بعضكم، وباختصار: إني كنت في مدرسة ما لا حاجة للتفاصيل عنها، ولم تكن لي علاقة بالشعر أو الأدب أو الكلمة على الإطلاق، ولكن الَّذي حدث: أنَّ زائراً ما زارنا في تلك الليلة ونحن صغار.. أو نحن تلامذة، في هذه السن المبكرة، ونسي كتاباً اسمه: "العواصف والعواطف" لجبران خليل جبران، أخذت هذا الكتاب، ورغم أني قليل القراءة.. أو لم أكن أحبها هذا الحب، لأني تلميذ وصغير، ولكني لم أستطع أن أترك الكتاب من يدي في تلك الليلة، فأتيت على كثير مما فيه.. ثم حاولت أن لا أعيد هذا الكتاب إلى صاحبه - وذلك نوع من السرقة المشروعة بالنسبة للكتب - ومع ذلك فقد بعثت إليه من يستأذنه في أن أحتفظ بالكتاب فأذن.. فاحتفظت بالكتاب، وكانت هذه أول خطوة خطوتها نحو الكتابة والتعقل بالقراءة، وبعد ذلك أخذت أحاول أن أقلد جبران في ما كتب.. في رسائل أكتبها لإخواني وأصدقائي في المدينة المنورة.
- وقد ذهلت وفرحت وسعدت لأن أجد في ردود الرسائل إعجاباً شديداً في ما كتبت إليهم؛ وأصارحكم بأني لم أكن أعرف من النحو أو من اللغة العربية إلا القليل.. ولكن القراءة، قراءة جبران في كتابه هذا، ثم في كتب أخرى.. جعلتني قادراً على أن أعبر عن نفسي تعبيراً ما، ولا بد أن أقول أنه كان تعبيراً رومانسياً على حد تعبير النقاد في هذه الأيام، وفي غيرها.. وكان إخواني من سني رومانسيين بطبيعتهم، يحبون ويعشقون.. ولا أدري من يحبون ومن يعشقون؟ ولكن الرسائل التي كانت تأتيني.. كانت تعبر عن إعجابهم وعن رغبتهم في المزيد، فواصلت مسيرتي في هذا المجال، إلى أن أخذت أقرأ المنفلوطي.. ثم طه حسين.. ثم غيره.. ثم غيره.. وكانت هذه هي البداية.
- وتعلقت شعر المهجر عهداً طويلاً من حياتي، وعندما أقول طويلاً أعني سني الشباب والمراهقة.. وما بعدها قليلاً، ولكن بعد مضي سنوات كثيرة أخذت أراجع نفسي.. ترى هل هذا الشعر وهل هذا الأدب المهجري.. أدب يستحق أن أقلده وأن أسايره، وأن أعيشه؟ وتكوَّن لدي رأي قد لا يعجب الأستاذ قنصل، وهو أن هذا الأدب المهجري - وبالأخص أدب جبران، وقد قرأت ما كتبه بعد ذلك باللغة الإنجليزية - وجدت أنه يتلاءم مع مشاعر الإنسان في سن معينة، إلى العشرين أو إلى الرابعة والعشرين من العمر، ولكن بعد ذلك لا يجد له مردوداً في نفسه، وإني لآسف أشد الأسف.. لأن أدب المهجر أخذ يتضاءل ويختفي ويتلاشى، ليس في نفسي فقط وإنما في الحياة كلها، وما أقل ما نقرأ من خلال عقدين أو ثلاث عقود من الزمان من شعر المهجر، ولعل ذلك لأنني كسلان ولا أستطيع التتبع الَّذي ينبغي أن يكون حافزي لقراءة شعر المهجر.
- وأكتشف الليلة أن الأستاذ قنصل يعطينا لمحة من أن شعر المهجر ما يزال هناك، ما يزال موجوداً، والموضوع الَّذي أحب أن أتطرق إليه الليلة هو كلمته عن الشعر الحر، ولعل الحضور قد سمعوا الأستاذ باعطب وهو يلقي قصيدته الرنانة الطويلة بقوافيها وأوزانها، ثم بما فيها من المعاني؛ ثم سمعنا الأستاذ قنصل وهو يقرأ علينا شعره.. وكله شعر عمودي أو تقليدي كما يسميه النقاد هذه الأيام؛ ولكن كلمة الأستاذ قنصل أنصفت الشعر الحر أو أنصفت الشعر عامة، عندما قال: أن المسألة لا تتقيد بالثوب الَّذي هو قافية أو وزن، إنما تتقيد بالمعنى الَّذي يهزك.. أو الَّذي يشعرك أنك تقرأ شعراً، حتى ولو لم يكن منظوماً ولو لم تكن فيه قافية، أو عامود أو وزن، الخ.. إخواننا الَّذين رفعوا راية الحداثة أو صوت الحداثة في العالم العربي - وليس عندنا في المملكة فقط - أسرفوا على أنفسهم وعلى الناس في أن يقدموا الغوامض والمعوقات في فهم الشعر، وزعموا أن ذلك هو الشعر الحر.
- وأنا مع الأستاذ في أن الشعر الحر هو المعنى الَّذي يهزك، والَّذي تشعر معه إنك تقرأ شيئاً يتسلل إلى نفسك.. وإلى ضميرك.. وإلى قلبك، وكثير جداً من الشعر الحر الَّذي قرأناه في العقدين الأخيرين من هذا القرن يهز النفس ويداخلها، ويجعلك تشعر أن الشاعر أراد أن يقول شيئاً وأوصله إلى مشاعرك.. ووجدانك.. وقلبك؛ وهذا هو الشعر – أيَّاً كان قافية ووزناً أو شعراً – يهز نفسك ويصل إلى قلبك، فلا حاجة لهذا النزاع بين أنصار الشعر الحر وبين أنصار الشعر القديم، وتلك مشكلة ما تزال قائمة.. ولا بد أنَّ عندنا في هذه الليلة من يقول شيئاً أكثر مما قلت عن الشعر الحر؛ ومرحباً بالأستاذ قنصل، وشكراً للأستاذ عبد المقصود.. الَّذي أتاح لنا أن نعيش هذه الليلة الشاعرة.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :545  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.