شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.. أصحاب السمو، معالي السفير، السيدات والسادة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكر لكم هذا الحضور المتميز في هذا المساء الذي يشرفني أن أقدم بعض قصائدي أو أقول بعض المقطوعات (اللي نقول عليها في السعودية النبطي).
ولكن في البدء اسمحوا لي أن أشكر معالي الدكتور غازي سفير المملكة العربية السعودية في لندن على هذه الدعوة الكريمة التي شرفني بها بأن أقف أمامكم في هذا اليوم المبارك إن شاء الله.
وفي البدء، الشعر اللي تسمعونه الليلة يسمى الشعر النبطي وأحب أقول كلمتين في البداية عن الشعر النبطي: (ما هو الشعر النبطي وليش سمي بالشعر النبطي؟) هناك أشعار كثيرة في العالم العربي باللهجة الدارجة العامية بمختلف البلدان العربية، ولكن خص هذا النوع من الشعر بالجزيرة العربية وبالذات في المملكة العربية السعودية والخليج بهذه التسمية، وبحثت عن موضوع هذه التسمية ووجدت أن هناك بعض الرواد في المملكة العربية السعودية بحثوا الموضوع وكتبوا فيه، ومن رواد البحوث في هذا النوع من الشعر الأستاذ عبد الله عبد الحميد، ووجدت أنه ذكر في كتاب له عن الشعر النبطي قوله: ((إذا جئنا نبحث عن الأدب الشعبي (وهو بفضل الله يسميه بالأدب الشعبي) في قلب الجزيرة العربية قديماً وحديثاً أنه أدب خصب ذو فعالية ونفوذ وأنه يكتنفه الغموض والإبهام حتى خفيَ علينا كثير من معالمه واشتبه علينا كثير من صوره وأسدل الستار على كثير من الآثار وظل مطموراً إلى أن قيض الله له من يبعثه من مرقده)) إلى أن يقول: ((إذا كان الأدب الشعبي في جزيرة العرب نسياً منسياً وعذر الأدباء والعلماء القدامى أنهم حتى في نظرتهم للأدب العربي الفصيح لا يرونه وينقلونه للدراسة والتحليل والنقد والوقوف من خلاله على البيئات وعادات أهلها ووصف أحوالهم وتصوير مشاعرهم)) إلى أن يقول: ((إن هذا الأدب كيف يعرف من أين أتى)) ويقول: ((إن المسؤولية في عدم الاهتمام بهذا الشعر، في هذا النوع من الأدب تقع على عواتق علماء الجزيرة الذين يدركون قيمة هذا النوع من الأدب في بلادنا)). الحقيقة أنا أشاركه في الرأي بأن المسؤولية تقع على عاتق الأدباء والباحثين في الجزيرة العربية وبالذات في المملكة العربية السعودية.
ذكر الشيخ عبد الله بن خميس بعض دراسات وأقوال أدباء مروا على هذا الشعر، ومن أشهرهم الدكتور طه حسين، وقال: إن الدكتور طه حسين في دراسته عن هذا الأدب أو في دراسته عن الأدب بالمملكة العربية السعودية بالذات قال: ((على كل حال فإن في جزيرة العرب أدبين مختلفين أحدهما شعبي يتخذ لغة الشعب أداة للتعبير لا في جزيرة العرب وحدها بل في البوادي العربية كلها في الشام ومصر وأفريقيا الشمالية، وهذا الأدب وإن فسدت لغته حسٌّ قوي فهو مرآة صافية لحياة العرب)) كذلك تطرق لما ذكره بن خلدون بهذا الخصوص ـ وللحقيقة أن ابن خلدون من الناس القلائل الذين بحثوا في الأدب الشعبي بالجزيرة العربية ولم ينظر له نظرة دُونية وقال: واعلم أن الشعر لا يختص باللسان العربي فقط بل هو موجود في كل لغة سواء أن كانت عربية أم عجمية ـ وقد كان في الفرس شعراء وفي اليونان كذلك. وذكر منهم أرسطو في كتاب (المنطق) وهوميروس الشاعر، وأثنى عليه. وكان في حمير أيضاً شعراء متقدمون، ولما فسد لسان مضر ولغتهم التي دوّنت مقاييسه وقوانين إعرابها وفسدت اللغات من بعد بحسب ما خالطها ومازجها من العجمة، كان للعرب لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللغوية وبناء الكلمات. وكذلك الحضر أهل الأمصار مشى فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الإعراب والتصاريف، واختلفت هي بنفسها غير لغة أهل المغرب وتخالفها أيضاً لغة أهل الأندلس. ثم لما كان الشعر موجوداً بالطبع من أهل كل لسان لأن الموازين على نسبة واحدة من آذان المتحركات والسواكن وتقابلها موجودة في طباع البشر، فلم يهجر الشعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر الذين كانوا فحولة وفرسان ميدانه بحسب ما اشتهر بين أهل الخليفة بل كل جيل وأهل كل لغة من العرب المستعربة والحضر أهل الأمصار يتعاطون منه ما يطاوعهم من رصد بنائه، فأما العرب أهل هذا الجيل المترجمون عن لغة سلفهم من مضر فيعرضون الشعر لهذا العهد على ما كان عليه سلفهم المستعربون فيأتون منه بالمطولات مشتملة على مذاهب الشعر وأغراضه من النسيب والمدح والرثاء والهجاء، ويستطردون من الحضور من فن إلى فن في الكلام وربما هجموا على المقصود في أول كلامهم. فأهل أمصار المغرب من العرب يسمون هذه القصائد (الأصمعية) نسبة إلى الأصمعي راوية العرب في أشعاره، وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحوراني والقيسي وربما يلحنون فيه ألحاناً بسيطة لا على طريقة الصناعة الموسيقية. ثم يغنون به ويسمونه غناء الحوراني نسبة إلى حوران من أطراف العراق والشام. هذا ما قاله ابن خلدون عن هذ الشعر.
وهناك دراسات أخرى وبحوث أخرى أذكر منها بحثاً للدكتور عبد الله بن عثيمين يتحدث عن الشعر النبطي ويقول: ((المقصود بالشعر النبطي ذلك اللون من الشعر العربي الذي لا يتقيد في غالب الأحيان بقواعد إعراب اللغة العربية وصرفها ولا ببحور الشعر. وهناك من يسميه الشعر العامي أو الشعر الشعبي وهناك من يدعوه بشعر البادية، والتسميتان الأوليان ترمزان إلى معنى واحد وهو أن ألفاظ هذا الشعر هي الألفاظ التي يتكلم بها عامة الناس أو سائر الشعب، لا لأن الذين يقولونه هم العامة وحدهم بل لأن ذلك خلاف الواقع، فهناك أناس من الخاصة ومن علية القوم قالوه. وهناك أفراد من المشهورين كتبوا الشعر المتقيد بإعراب اللغة، ولعلّ أول مثال على هذا شاعر نجد الكبير محمد بن عثيمين. وأما إطلاق شعر البادية عليه فتعبير قاصر لأن أصحاب الدواوين الكبيرة فيه من السكان الحضر. ويرى الأستاذ خالد الفرج أن في تسميته بالشعر النبطي دليلاً على أنه قد أتى إلى نجد من بوادي العراق أو مشارف الشام. لأن اسم الأنباط كان يطلق على فلاحي تلك الجهات، وقد يكون في هذا شيء من الحقيقة وقد يكون سبب التسمية أن قائله لا يتقيد بإعراب اللغة العربية لأنه لا يتقنه مثله في ذلك مثل رجل الأنباط فكان في تسميته أول الأمر نوع من الإزدراء ثم أصبحت التسمية علم عليه. ولهذا فهو شعر محلي لم يأت إلى المنطقة من الخارج. ويقول الدكتور عبد الله: إن أول ما روي لنا من هذا الشعر في القرن السابع الهجري، وأول ما طبع من الشعر النبطي ديوان صغير للشيخ قاسم ابن باني سنة 1328هـ. وهناك رأي آخر للشيخ عبد الرحمن بن عقيل يقول فيه: ((لعلّ هذا الاصطلاح صاحب نشأة الشعر العامي هو يقصد إصلاح الشعر النبطي)) ((فقد وصف أبو حمزة العامري في قصيدة له بأنها نبطية قبل أن يولد ابن بشر وابن سهمان وابن فرج بأجيال)) ويقول أبو عبد الرحمن كذلك: ((إن ما يميز هذا الشعر لغته وهي لغة عامية والعامية أعم من اللحن وأحق الأوصاف بالشيوع ما ميز الشيء عن غيره ولا شيء يميز هذا الشعر في بلاده عما سبقه من شعر فصيح غير العامية، وأما النبطي فالأصل فيه إضافة الشعر إلى الأنباط لا لأنهم قالوه بل لأنهم لحن وعامية، في تسميته نبطاً فيها خلاف، هل هي مشتقة من معنى لغوي أم إن المعاني اللغوية مشتقة من تسمية تاريخية))؟ ويقول أيضاً: ((لا أزال على ذلك اليقين بأن العامية هي التسمية الصحيحة لهذا الشعر وذكرت بأن من سماه نبطياً فلا وجه لتسميته إلا على أساس أن نبطية عرف على العامية لأن العرب الفصحاء يعيبون فساد اللغة بنسبته إلى النبط)).
هناك من يرى كذلك، مثل الدكتور أحمد أبي ضيف، أن التسمية الصحيحة لهذا الشعر هو الشعر البدوي.
مما سبق يتضح لنا أن كل الباحثين في هذا الموضوع اختلفوا على موضوع التسمية وهل هو نبطي أو ما هو نبطي.
الغريب في الأمر أن هذا الشعر ما سمي بالنبطي إلا في المملكة العربية السعودية والخليج، أما في البلدان العربية الأخرى كلها فله تسميات أخرى ومنها ما ذكره ابن خلدون أنه يسمى بالحوراني ومنها كذلك ما يسمى بالشعر الحميني في اليمن.
هذا النوع من الشعر هو في الحقيقة شعر عربي بكل معاني الكلمة ولا يختلف عن الشعر العربي في أي غرض من أغراضه إلا في النحو.
كذلك هناك بعض من يعتقد أنه شعر عامي، ويعتقد أن العامة، مثل ما ذكر الدكتور عبد الله بن عثيمين، من العوام، والعوام تطلق على الناس الجهلة، وتطلق على الأميين، في حين أن من يستسيغ هذا الشعر الآن في المملكة العربية السعودية ويقوله ويكتبه ويناقشه هم المثقفون.
أكثر الرسائل التي تردني في المملكة العربية السعودية وأكثر المناقشات وأكثر المعارضات التي تكتب عن القصائد التي أنشرها تأتيني من طلاب الجامعة أو من أساتذة الجامعة.
القصيدة النبطية الحديثة تعالج الموضوعات والأفكار نفسها التي تعالجها القصيدة العربية الفصيحة، والاختلاف الذي طرأ على القصيدة النبطية في السنوات الأخيرة أوصلها إلى مصاف القصيدة العربية المعاصرة. ليس هناك اختلاف إلا في النحو، ولذلك فأنا أعارض فكرة تسمية هذا النوع من الشعر بالشعر النبطي، لأن الموجود في كل البلاد العربية، وأضم صوتي مع صوت الشيخ عبد الله بن خميس، لحث الإخوان الدارسين والباحثين في المملكة العربية السعودية في التوغل لدراسة هذا الموضوع وألا يلتفتوا لما يقال: إن الدراسة في اللهجات الدارجة تضر أو ربما تفسد اللغة العربية لأن ما يحصل الآن للشعر النبطي في المملكة العربية السعودية هو أنه يتجه عاماً بعد عام إلى اللغة العربية الفصيحة والشعر العربي الفصيح.
لا أود أن أطيل عليكم في هذا الموضوع، نود أن نبدأ قراءة بعض القطيفات التي جلبتها معي من المملكة، وأبدأها ببعض أبيات كتبتها منذ ليلة أو ليلتين، والسبب فيها أنه في الأيام الأخيرة في وجودي في لندن، كثير من الأخوان من الذين تحدثت معهم وجدت موضوعهم كله واحد وهو السؤال عن الملك فهد وتحية للملك فهد. وأكثر شيء أثر فيّ أنه قبل يومين التقيت بأحد الطلبة ممنِ يدِْرسُون هنا أثناء سلامي عليه سألني قائلاً: (إِيش لون الوالد) أنا استغربت!! فقلت له مين الوالد قال: ((أبونا فهد)). الحقيقة أثرت فِيَّ تلك المشاعر.
فباسم الأخ الطالب وباسم الإخوان كلهم الموجودين في لندن المغتربين والمسافرين، (وأنا واحد من المسافرين) أنقل هذه التحية إلى والدنا وقائدنا الملك فهد بن عبد العزيز (المغترب واللي على الدرب رحال).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :690  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.