شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة معالي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان))
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا الجنة دارك دار السلام تحيتهم فيها سلام
أحيي راعي الاثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجه وأحيي والدي معالي الأستاذ الدكتور الشيخ الحبيب محمد الحبيب الخوجه وأستاذي الجليل الشيخ عبد الله بن بية وأصحاب المعالي والأساتذة الكرام والسيدات الكريمات اللاتي يشاركننا هذه الندوة.
أيها السادة.. ما زالت الاثنينية تمنحنا الناضج من الفكر وهي في صفحاتها التليدة وتاريخها المجيد ستكون إنشاء الله أقوم منهجاً وأسد مسلكاً مشرقة بالنور والمعرفة بارك الله في راعيها والمتعاونين معه، والعاملين والحاضرين تحيتهم فيها سلام.
أيها السادة أيتها السيدات.. مكة أم القرى الأم المباركة الأم الودود الولود المنجب خرجت رجالاً ونساءً صنعت التاريخ في القديم والحديث لا يصيبها عقم مهما طال بها الزمن وتقلبت وانصرفت عنها الأيام، كل جزء في مكة يحكي حدثاً وكل حدث يحكي حديثاً باب السلام عنوان أمة ورمز حضارة أسهم في حراكها الحضاري وتقدمها العلمي الحاضر فيها المواطن والمجاور، إنها بركات السماء تحفها من أطرافها، باب السلام نسيج فريد في التاريخ يفتح الليلة في هذه الندوة عبارته ومن باب السلام ننفذ إلى بوابة الاثنينية، باب السلام نسيج فريد في التاريخ يفتح الليلة صفحاته المطوية في إضاءات كاشفة وتلميحات خاطفة، عنوان الكتاب الذي مضى على تأليفه أربعة عشر عاماً متوالية من غير انقطاع كانت هناك عدة عناوين وخيارات ولكن باختصار كما يكون المناطقة لا بد من أن تكون عنواناً كاشفاً عن مضمونه وإلا فكان عدة عناوين تراءت أمامي أثناء التأليف، فباب السلام في المسجد الحرام حتى يتميز عن باب السلام في المدينة المنورة وهذا هو الجزء المهم، الجزء الثاني وهو أيضاً مقصود بالإصالة دور المكتبات وأصحاب هذه المكتبات الذين هضموا في كتاباتنا وفي دراساتنا وسيأتي الكلام عن هذا، ناشر هذا الكتاب ابن بار من أبناء مكة المكرمة يمثل الجيل الثالث في أسرة عريقة من أسر مكة التي تحملت أعباء إحضار الكتاب للساحة العلمية انتقل إلى رحمة الله، بعد سبع سنوات من بدء العمل عن 1421هـ، وأصر على أبنائه الكرام المهندس عبد الفتاح فدا ثم الأخ العزيز الأستاذ إبراهيم فدا ثم أخيهم الأصغر محمود فدا، أصر عليهم أن يتبنوا هذا العمل مهما كلف والواقع أنهم قاموا بهذا العمل خير قيام، بذلوا من وقتهم وجهدهم ومالهم ما أخرج الكتاب بما يرضي أباهم في قبره وبما يرضي أبناء مكة وكل من يحب مكة، جزاهم الله خيراً.. لا شك في أن الكثيرين منا يعرف باب السلام ولكن فقط من قبيل إحياء الذاكرة، باب السلام يقع في أقصى الشمال الشرقي من المسجد الحرام في بناء محمد المهدي العباسي الذي وضع أسس هذا الباب عام 160 من الهجرة.
الآن خريطة باب السلام كاملة موقع عليها المكتبات كافة هذه الكتابات السوداء التي تبدو كتابات سوداء.. هذه المجموعة مجموعة الخطوط تمثل المرافق الحضارية والمكتبات المنتشرة التي تزيد على أربعين مكتبة، هذه المكتبات هي رمز حضارتنا فما الحضارة إلا العلم.. لدى تأليف هذا الكتاب حاولت أن أتصور الشخص الذي لا عهد له بهذه المنطقة بتاتاً ولذلك لا أكتمكم القول أني أعدت كتابة هذا الكتاب ثلاث مرات، بغرض تسهيل التصور للأشخاص، وأعتقد أن الأعداد الكبيرة لا عهد لها بهذا المكان، ولهذا تصورت أولاً خروج الشخص من المسجد الحرام، هذا أيسر وأسهل طريق وأسهل واقع لتصور من لا عهد له بهذا المكان، فالآن هذا هو رواق أبواب السلام، وأبواب السلام الثلاثة فالخارج من الحرم الشريف إلى باب السلام، باب السلام له أبواب ثلاثة، وهو أكبر أبواب الحرم، بعض المؤرخين يسميه الباب الأعظم فإذا خرج الفرد من باب السلام قابلته الرحبة الرخامية والرحبة الحجرية وهي التي تمركزت فيها مكتبات كبار آل فدا، الشيخ عبد الفتاح فدا والشيخ عبد الصمد فدا والشيخ محمد سعيد فدا والشيخ عبد الله فدا والشيخ عبد الكريم الخطيب والشيخ عبد الشكور عبد الحكيم فدا، والجانب الأيسر أيضاً مكتبات وفي الصدر أيضاً عدة مكتبات، هذا هو القطاع الأول حين يخرج من المسجد الحرام تظهر له مجموعة هذه المكتبات، الرحبة الرخامية هذه معروفة تاريخياً عندما بنى المهدي المسجد الحرام الآن في بنائه القديم هذه توسعة المهدي، ولذلك بقاء هذا الأثر مهم جداً بالنسبة إلى أكبر توسعة وهي التوسعة الثالثة في التاريخ الإسلامي، بعد ذلك إذا خرج الخارج من الحرم فشاهد الرحبة الرخامية أمامه والرحبة الحديدية على يساره ينتقل إلى الجهة اليمنى وهو ما يسمى باب السلام الصغير ترون هذا في بدايته هذا الخط العريض، كان أهل مكة يسمونه الصنم وكذلك سنأتي أيضاً لباب السلام الكبير ويقودنا له الصنم هبل، والقصة أن هذين الحجرين الكبيرين هما صنمان، قال أبو وليد الأزرقي لجده أبي الوليد، هل هما صنمان كما يقول الناس، قال لا يا بني: إنهما صخرتان عظيمتان كانتا في حديقة خالد القسري أمير مكة الذي كان له بستان كبير عند جبل ثبير في المكان الذي نسميه الآن جبل الرخم، القطاع الرابع وهو الأعظم والأكبر باب السلام الكبير، يبتدئ بما يسميه أهل مكة، حتى الوقت الحاضر البعض وقر في آذانهم أنه صنم، وهو ليس صنماً، هذا القطاع كبير جداً وحوى مكتبات كثيرة سيأتي ذكر بعض أصحابها، أيضاً ليس هذا الباب باب السلام أو قطاع باب السلام بأكمله لا يحتوي فقط على المكتبات بل هناك مرافق حضارية. بعد ذلك قطاع باب السلام له مخرجان إلى مشعر المسعى، إلى سوق المسعى السوق العظيم في مكة أحدهما من جهة باب السلام الصغيرة وآخر المكتبات فيه مكتبة الشيخ عبد الله عرابي حفظه الله، ومن المكتبات ذات النكهة الخاصة وذات النشاط الخاص وهناك أيضاً باب السلام الكبير وفي نهايته مكتبة السيد النهاري، باب السلام بجميع قطاعاته يشتمل على مرافق حضارية.
ننتقل إلى أمر آخر وهو بعض الشخصيات الكبيرة في باب السلام فعندما أذكر بعض هذه الشخصيات لا يعني أنني أقلل من قيمة الآخرين ولكن لا أظن أن الوقت يتسع للحديث عن الجميع.
الشيخ عبد الفتاح فدا رحمة الله عليه أحد مشيخة الكتبية كان رجلاً مشهوراً برجاحة العقل وكان مشهوراً بفض النزاعات حتى اتخذت منه المحكمة شخصية تلجأ إليها لفض المنازعات في المجتمع المكي، وهو الرجل الوحيد الذي تولى عمدة حيَّيْ أجياد والمفسلة، من أجل أن نكمل إلى النهاية أظن أننا نحتاج إلى الاختصار وإلا سيضيع علينا الوقت.
الشيخ أحمد باز من الشخصيات الكتبية الكبيرة التي تكلم عنها الشيخ الأديب الكبير عبد العزيز الرفاعي، قال كان له أسلوب في استدراك الزبون لشراء الكتاب وقد اشتريت منه كتاب الأغاني ولم يكن لدي المبلغ الذي أستطيع أن أقدمه لهذا الكتاب فتكرم علي وأخذ ما هو موجود ودينني الباقي على أن أرد إليه ما تبقى.
الشيخ أحمد الباز أيضاً من الأسر العريقة في المكتبات.
الشيخ حسن نوري أحد مؤسسي مطبعة مكة المصحف الذي دونه بخطه أول مصحف كتب بخط يد مكي وطبع بخط الشيخ محمد طاهر الكتبي الخطاط وهو رجل مثقف وله مؤلفات ومشاركات مع العالم الجليل السيد علوي المالكي.
الشيخ عبد الحفيظ فدا من المربين القدامى والمدرسين في مدارس الفلاح العريقة يتميز بهدوء وحكمة فإذا تكلم تكلم بالمفيد وتكلم بالحكمة كثير الصمت قليل الكلام كثير التأمل.
الشيخ حسن سندي صاحب مواهب عديدة، وكان خطاطاً وكان مجلداً وكانت مكتبته أنيقة جداً جداً، بحيث إن مكتبته تتميز في أناقتها عن مكتبات باب السلام ومازلت أحتفظ بتجليده لكتاب شرح مراقي السعود وقد دونته بخط يدي وأتيت به إليه فجلده أحسن تجليد وتكرم علي وتنازل ببعض قيمة التجليد.
الشيخ عبد الكريم فدا هذا من الأعلام البارزين في باب السلام وصديق العلماء إذا خرجوا في تنزهاتهم، وكثيراً ما كانت هذه، لا بد من أن يدعوه العلماء وكان طباخاً ماهراً خصوصاً المبشور يفرم اللحم بالسكين وليس بالمكينة.
الشيخ أحمد السناري من الأعلام البارزين من أصحاب العقول الراجحة يلجأ إليه المكيون في حل نزاعاتهم، مكتبته مليئة بالكتب المترجمة والقصص الحديثة له الفضل على الأستاذ الأديب الكبير عبد العزيز الرفاعي والزميل الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم علي فقد كانوا رواد مكتبته يأخذون منها ما يريدون ويبذل كل ذلك في سماحة حتى إن بعض طلاب العلم يأتي إليه وليس لديهم نقود فيطلب منه ترتيب رف من الرفوف أو تنظيف مكان من الأمكنة في سبيل أن يعطيه كتاباً، الكثيرون سألوا هناك أبواب كثيرة في مكة تاريخية لها ماضيها ولها حاضرها على سبيل المثال شعب بني هشام حي أجياد حي المعابدة هذه الأحياء التي امتلأت برجال مكة وامتلأت بالأحداث والأحاديث لماذا باب السلام وباب السلام فقط، لم تكن فكرة تأليف هذا الكتاب خاطرة عابرة، لكنها كانت تخامر العقل وتخامر النفس في سنوات طويلة نظراً إلى المعايشة فقد عشت هذا الباب ولما لم أحف شاربي وكنت طالباً من طلاب الحرم الشريف وكان فضيلة الشيخ حسن مشاط إذا احتاج كتاباً أرسلني مرة إلى الشيخ عبد الفتاح فدا فيقابلني بتلك البشاشة، والشيخ عبد الصمد فدا فيتحدث معي باللغة العربية الفصحى أو يبعثني للشيخ أحمد الحلواني وهكذا فما زالت تلك الصور المجيدة حية في نفسي وهؤلاء أحن إليهم وأشعر بالوفاء وخصوصاً حين أقرأ عن الحركة العلمية في مكة المكرمة إذا تحدث الأدباء وتحدث المؤرخون عن الحركة العلمية في مكة، يتحدثون عن الحرم الشريف وعلماء يتحدثون عن المدرسة الصولتية يتحدثون عن الفلاح يتحدثون عن المؤسسات العلمية، أما باب السلام فرجاله وجهادهم وتكبدهم لمشاق السفر إلى جميع نواحي الدنيا التي يمكن أن يجدوا فيها كتاباً أو مطبعة تطبع الكتب الإسلامية أو التراث الإسلامي ويذهبون إلى ذلك، هؤلاء غصن من تاريخنا تماماً وكان لا دور لهم، وهذا لا شك جحود وهو جحود الأبناء، ما رضيت بنفسي وأنا عايشت هؤلاء ولهم الأيادي علي وعلى جيلي وعلى أجيال من بعدي وأجيال قبلي أن يكونوا غصناً من تاريخنا. أما الناحية التاريخية، باب السلام الذي لم يعط حقه في البناية الحديثة، وللأسف فصلت هندسة البناء عن تاريخ الموقع، يفترض أن يكون باب السلام شكلاً وهندسة في الحرم الشريف، لأنه الباب الذي دخل منه الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مطأطئ الرأس حتى كاد يقع، كما عبر المؤرخون عرنون أنفه على سرج فرسه تواضعاً لله عز وجل، وكذلك عندما فتح مكة دخل من باب السلام، باب السلام باب الولاة باب السلاطين باب العظماء باب الفقراء ما من شخص يفد إلى مكة حاجاً أو معتمراً إلا ويلج من باب السلام، ونحن هذه الليلة نلج هذه الاثنينية من باب السلام، شرعية الفقهاء في كتب المناسك يؤكدون ويسنون لمن قدر للمعتمر أو للحاج، أن يدخل من باب السلام وأول من يدخل من باب السلام يقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام)، يحكي لي زميلي الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم علي عافاه الله ومن أبناء ذلك المكان يقول كنا لا نشعر أن الحج وافتنا أيامه إلا إذا دخل الحجيج المصري، يهللون ويكبرون أما السيدات فالغطاريف يغطرفون والرجال يكبرون، اجتماعياً لا تنسوا أن أكبر أسواق مكة كانت في الشمال، سوق المسعى ومشعر والرحالة والمؤرخون يقولون لم يكن في مكة سوق منتظمة إلا سوق المسعى وسوق العطارين ويقصدون بسوق العطارين باب السلام، إذا ولد المولود وبلغ الأربعين أتى به أهل مكة ووضعوه على باب الكعبة تيمناً وتبركاً، وإذا توفي المتوفى لا بد من أن يمر من باب الخلود باب السلام، لم يكن منفذ للخلود إلا باب السلام، كل الباعة وكل الزبائن والعملاء إذا أرادوا دخول المسجد الحرام باعتبار أن أسواق مكة الكبيرة المدعى فالجودرية فسوق المعلاة فسوق الخضار فسوق الليل كلهم يمرون من باب السلام، باب السلام منتدى سيأتينا الكلام عن هذا عبارة عن مكان اجتماعي كل من مر يرد السلام على أصحاب المكتبات، من جملة القصص، يقول الشيخ الأديب الكبير عبد الله فدا إذا مر بنا فلان نقول يا فلان تفضل فنجان شاي، فالشاهد أن هناك أسباباً مهمة جداً لا يمكن أن تسمح لنا بجيلنا لمن قبلنا لمن بعدنا أن يتجاوز الكتابة عن هذا المكان الطاهر، باب السلام باب عريق لعل بداية تاريخه منذ توسعة محمد المهدي عام الستين الهجري لأنه قبل ذلك لم يكن للمسجد الحرام أبواب وإنما هي بيوت ومنافذ وهذه التوسعة تعتبر من أكبر التوسعات، هذا محمد المهدي اشترى المساكن كافة التي تطل على الحرم والمساكن الشارعة على المسعى ثم بعد ذلك هدمها وجعلها رحبة كبيرة بين باب السلام وبين المسعى وآخر المسعى إلى الموقع الذي نراه اليوم لما كانت رحبة وجاءت خلافة هارون الرشيد، اقتطعها جعفر البرمكي وبنى فيها داراً للقوارير حماد البرهمي، وسميت بدار القوارير لأنه زينها من الداخل بالمرايا والزجاج ومن الخارج بالرخام ثم اختصاراً لهذا التاريخ لم يقر في القرن الثالث الهجري، جاءت خالة الخليفة هاجر فبنت ما يسمى برباط السدرة، وذلك عن يمين، ودائماً عندما نتحدث عن باب السلام أو لو هيئ لنا قراءة الكتاب دائماً اتجاهنا الخروج من الحرم الشريف وليس الدخول إلى الحرم الشريف، وأول ما يخرج.. من اليد اليمنى هناك كان من يسمى برباط السدرة هذا الرباط فيما بعد في القرن الثامن الهجري اشتراه قايتباي أحد الملوك ملوك مصر وكان الحجاز تابعاً في إمرته وولايته لمصر، فبنى في ذلك.. رباط السدرة ورباط المراغي وبنى أعظم مدرسة في مكة المكرمة، تدرس فيها المذاهب الأربعة، بنى مساكن للطلاب تأويهم ومساكن للعلماء فيما بعد أصبحت دار آل خضير، في الطرف الآخر ظهرت.. في الجانب الآخر.. ثم تتابعت المباني.. الأسواق التجارية التي تحف سوق باب السلام بداية بالمسعى بالمدعى سوق سويقة فالجودرية فسوق الخضر، هذه الأسواق كافة تحف بقطاع أو بباب السلام، باب السلام اشتمل على عدة مراحل حضارية. أولاً: في الجهة اليمنى للخارج من الحرم الشريف في الجهة الأخرى للخارج من الحرم الشريف التي هي ثلاثة أبواب، مدرسة قاتيباي في المخطط هو هذه الدائرة.. وصورة هذه المدرسة.. هو أبواب الحرم وذلك هو مدرسة قاتيباي التي تعتبر من أعظم المدارس في مكة.. هذا المرفق الحضاري الأول، المرفق الثاني مدرسة إقبال الشرامي، وهو أحد أمراء الدولة العباسية وقد بنى هذه المدرسة في القرن السادس الهجري، وزودها بمكتبة عظيمة وأوقف عليها أوقافاً كبيرة، أريد هنا أن أقف وقفة بسيطة هذه مكة التي كانت تفد إليها الأنوار ولذلك ازدهر العلم فيها، وازدهرت حلقات التدريس، حالنا اليوم العكس، مكة بقرة حلوب تستثمر وتخرج الأموال إلى خارجها دون أن تسهم في أي إصلاح أو في أي عناية بأي مرفق فيها تقام على الأبراج الكبيرة شوارعها الضيقة كما هي مرافقها المائية مرافقها الصرفية كل شيء كان حين كانت أبنية متواضعة والأموال الكثيرة التي تدر على أصحابها من داخل المملكة، من خارج المملكة، تخرج إلى خارج مكة دون أن تسهم بإصلاح فيها، أعرف مؤسسات علمية خارج مكة تستثمر أموالها في مكة وتنفق على تلك المؤسسات خارج مكة، ومؤسسات مكة في حالة سيئة، لا تسر صديقاً، المرفق الحضاري الثالث منارة باب السلام، كانت تعتبر منارة باب السلام هي المنارة الرئيسية، أول من يؤذن مؤذن منارة باب السلام وكان من وظائف هذه المنارة أن توقظ الصائمين للسحور، وكان من وظائف المؤذن فيها الترحيب وهو أن يقوم المؤذن قبل الصبح وينادي يا أرحم الراحمين أرحمنا ويكرر الدعاء ويصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام، المرفق الرابع: البيضأة والتي بناها السلطان قلاوون وهي بيضاء كبيرة ولا أريد أن أقف طويلاً عند هذه الأمور، أيضاً من المرافق الحضارية لباب السلام بئران بئر في مقابل هذه البيضأة وبئر كانت في مكتبة الأستاذ عبد الله العرابي. باب السلام تعددت وظائفه ولم تتبلور وتظهر صورته أنه سوقاً للكتبية إلا أخيراً فكان أولاً سوقاً للعطارين والبزازين ولهذا الرحالة يتحدثون عنه بأنه كان هو السوق الثاني المنتظم في مكة والسوق الأول الكبير العظيم الذي هو سوق المسعى فكان سوق للعطارين وسوقاً للبزازين، ثم أصبح مقراً للشهود العدول، من التقاليد القضائية في القضاء الإسلامي أن يكون للمحكمة وللقاضي شهود، يختارهم ويزكيهم من بين أفراد المجتمع وهم الذين يتقدمون للشهادة، وكان من وظائف .. كان باب السلام مقراً للشهود العدول كان من وظائفهم أنهم يذهبون مع رئيس القضاة يصعدون جبل أبي قبيس يتحرون الهلال للمناسبات الدينية. سوق الوراقة في مكة سوق قديم منذ القرن الأول الهجري لم يكن في الوراقة إلا باعة الكتب والأوراق.. وإلى ذلك.. كانوا في بداية المسفلة في ربع بني جمح ويقال له سوق المصريين وسوق الوراقين لأن البضائع في ذلك السوق كانت تفد من مصر، أول بداية باب السلام لأن يكون سوقاً للوراقين لم أعثر على ذلك إلا في كتاب مختصر نشر النور والزهر لمؤلفه الشيخ أبو الخير مرداد واختصره العالمان والأديبان الجليلان الشيخ محمد سعيد العمودي والسيد أحمد علي الكاظمي قال وهو يتحدث عن جده لأمه عبد الله بن أحمد الكناني المتوفى عام 1308هـ، قال وهو أول كتبي في باب السلام وكان هذا نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر ثم جاء بعده أحمد منصوري الباز، فأول من افتتح، وبعد ذلك تتابع الكتبية في ذلك المكان، الحقيقة المرة أني من حين ما بدأت العمل أنا واستعنت بكثير من الزملاء في داخل المملكة وخارجها من أجل أن نجد صورة واقعية لمكتبات باب السلام من خارجها، وكان الشيخ عبد الشكور رحمة الله عليه حريصاً على ذلك، فلما يئس استكتب رساماً لم أعرف اسمه أعطاه الأفكار ولا أدري إن كان من الداخل أو الخارج، فعمل هذه الصورة أو هذا الرسم التقريبي هذه الثلاثة أبواب لباب السلام وهذه المكتبات وأنت خارج من اليمين وهذه المكتبات آل فدا في الصدر وهذه مدرسة الشرابي على اليسار ثم تأتي الرحبة الحجرية على اليسار، فبداية باب السلام نهاية القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع الهجري، للأسف الرحالة الغربيون لم يتحدثوا عن هذا إلا ما وجدته في بيرك هارت فإنه قال أما الكتب فكانت تباع في المسعى قرب باب السلام يأتي العلماء والفقراء فيبيعون كتبهم هناك أو بعض الحجاج، فباب السلام لم يصبح بهذه الصورة إلا في نهاية القرن السادس عشر والرابع عشر، هذه نقطة، النقطة الثانية في هذا الكتاب في الواقع تحدث بالأصالة عن المكتبات التي كانت موجودة قبل الهدم والإزالة أما ما قبل الهدم والإزالة إن وجدنا معلومات عن صاحبها، كتبت الموقع سابقاً مثلاً الشيخ أحمد حلواني وهو من كبار الكتبية، وله ذكر طيب بين الأدباء حمزة شحاتة وعزيز ضياء وغير هؤلاء تحدثوا عن جهود الشيخ أحمد حلواني في إحضار الكتب الحديثة لهم، كان موقعه موقع الشيخ محمد ماجد كردي علمنا الموقع عند من كان سابقاً، فالأساس في استعراض المكتبات في هذا الكتاب المكتبات التي كانت موجودة بالفعل قبل الهدم والإزالة مثلاً الشيخ عمر عبد الجبار رحمة الله عليه، كانت له مكتبة في باب السلام ولم يجلس سوى عام واحد، المكتبة التي قبله كانت مكتبة الشيخ عبد الكريم فدا من كبار أصحاب المكتبات، أعطاه الشيخ عمر عبد الجبار خلو قدم ثلاثين ألف ريال فغادر الشيخ عبد الكريم فدا وجاء الشيخ عمر عبد الجبار وبعد عام كامل حكم على باب السلام بالإزالة ولذلك كان الشيخ عمر عبد الجبار هو الذي جرى الحديث عنه بالأصالة. الأسر العريقة في المكتبات، يأتي في مقدمتهم آل باز وهم الأوائل ثم آل فدا، وهناك عوائل عديدة الحقيقة أن الأستاذ عبد الغني فدا رحمة الله عليه، ذكر هذه الأسماء لأني عرضت عليه الكتاب في صيغته الثانية فكتب من التعليقات العوائل النهاري آل البوصي الحلواني إلى آخره عوائل الحقيقة لها جهادها ولها كفاحها الثقافي في هذه البلاد وفي البلاد الإسلامية. مشيخة الكتبية في باب السلام من التقاليد المكية أن كل أصحاب حرفة لهم شيخ، هذا الشيخ أرجحهم عقلاً وأرجحهم رأياً، وله كامل المسؤوليات، شيخ الكتبية حل المسائل حل أحد المشاكل وضع المقترحات، إذا وصل أحد في مأزق استطاع أن يخرجه، أول من تولى مشيخة الكتبية العالم الوراق من أبرز الشخصيات المكية التي لها دور في حركة النهضة الشيخ محمد ماجد الكردي ليس له قرابة بالشيخ طه الكردي، الشيخ ماجد الكردي رحمة الله عليه هو أول من أدخل مطبعة أهلية إلى مكة وفي الجزيرة العربية عام 1327 وهو عالم صاحب مكتبة نفيسة جداً نادرة الوجود تحتفظ بها مكتبة مكة الوضيعة شكلاً لا الوضيعة تاريخاً، الشيخ ماجد كردي كانت تهدى إليه كتب ومطبوعات العالم الإسلامي، لأنه فتح بيته بيت ضيافة للعلماء والأدباء حتى إن أحد أثرياء مصر عرض عليه شراء مكتبته فأبى، تتابع على مشيخة الكتبية أعداد عديدة، آخرهم كان الكاتب القدير الأستاذ الشيخ صالح محمد جمال رحمة الله عليه .
النشاط العلمي والأدبي بمكتبات باب السلام: نبدأ بمكتبات باب السلام مكتبات فقط لبيع الكتب لأن أصحابها كانوا علماء كانوا أدباء كانوا فقهاء كانوا أصحاب رأي ورجاحة رأي، فباب السلام خدم المملكة العربية السعودية، خدم مكة خدم العالم الإسلامي، ومن مظاهر هذه الخدمة أنه نشأ في حضن باب السلام أدباء رواد حمزة شحاتة، حسن فقي، عزيز ضياء، عبد العزيز الرفاعي، هؤلاء لهم قصصهم التي دونها بصدق وإخلاص عدد من الكتاب وفي مقدمتهم الأديب الكبير عبد العزيز الرفاعي، إسلامياً كان علماء العالم الإسلامي يأتون وفي يدهم قوائم الكتب لا يجدون تلك الكتب لا في مصر إن كان مصرياً ولا في الشام إن كان شامياً ولا في الشاشان إن كان شاشياً ولا في تركيا وذلك لأن أصحاب مكتبات باب السلام حركة دائمة طوال العام، يذهبون إلى البلاد الإسلامية التي يتوخون فيها أن تكون فيها مطابع ومطبوعات، ولذلك كانوا يجدون الكتب التي يطلبونها فقط أقص قصتين من ذلك: القصة الأولى: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمة الله عليه وهو من العلماء المعروفين وسعدنا أن يكون بيننا تلميذه الوفي العلامة الشيخ محمد عوامة، قال لقد أوصاني أستاذي الشيخ محمد زاهد الكوثري أن أحصل على كتاب فتح العناية لشرح كتاب الهداية، لملا عقاري وهو كتاب الفقه الاستدلالي، طلب منه أن يبحث عنه قال بحثت عنه في الشام، بلده الشام وكان هناك كتبي مشهور السفرجلاني، قال له هذا أندر من الكبريت الأحمر، بحث عنه في مصر فلم يجده جاء إلى باب السلام فسأل عنه، كان فيه من العلماء المتواضعين الشيخ محمد مصطفى العلوي الشنقيطي وهو صديق حميم للرجل الحكيم راجح الرأي رجل. رجل مكة الشيخ محمد لبني فما كان من الشيخ محمد لبني إلا أن شدد عليه أن يفتح مكتبته وأوجد له كشكاً في ركن الساحة الحجرية فكانت مكتبة الشيخ محمد المصطفى لتدريس بعض الطلاب الفقه المالكي، فجاءه فسأله عن هذا الكتاب، قال أنا البارحة بعت نسخة دهش الشيخ عبد الفتاح أبوغدة على من وما صفته وما اسمه وتحقق منه وكان واحداً من أعلام بخارى، يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وسجل هذا في مقدمة الجزء الأول الذي حققه قال فصرت أتصفح الهدوء في كل مكان أذهبه، فإذا وجد من سحنته من وسط بخارى، هل أنت فلان، يقول حتى ذهبت إلى باب الزيادة إلى سوق باب الزيادة، وكان هناك تاجر ثري من تجار الشام أقام في مكة، أبا عرب، فلما شاف سحنته ذهبوا قالوا أنت مين قال أنا كذا كذا وأبحث عن كذا.. قال له شايف هذا صاحب الدكان اللي أمامي قال هذا ابن أخته، الشيخ عبد الفتاح يقول ما ملكت نفسي من الفرح فذهبت إلى ذلك الرجل قلت له فين الشيخ فلان كذا كذا، قال أنا آخذك إليه .. فذهب إليه قال له عندك الكتاب الثاني قال نعم عندي هذا الكتاب واشتريته، لماذا تريده ؟ قال أنا طالب علم والشيخ الفلاني أوصاني كذا.. قال ولما تحقق أني طالب علم قدمه إلي. ففرحت فرحاً كثيراً.
القصة الثانية: بمنتهى الصرعة في رحلة الرحلة الكوازية وهي رحلة لمحمد بن عبد الواحد البصري الشافعي البصري الكوازي من علماء البصرة جاء إلى مكة مرتين مرة حين كان طفلاً ومرة حين كان يافعاً في عام 1292 فسجل رحلته إلى مكة، رحلته اليومية يوم الأحد زرنا فلان الكتبي واشتريت منه الكتاب الفلاني والكتاب الفلاني المهم وضع قائمة الكتب التي اشتراها وممن اشتراها واليوم والتاريخ الذي اشتراه فيه لكنه عندما عاد إلى بلاده وفي طريق المدينة، قاطعه قطاع الطرق وسلبوه كل ما لديه فحزن على ذلك حزناً شديداً، باب السلام وطنياً وإسلامياً أما وطنياً فقد كتب عن هذا من جيلنا بعضهم الآن الذين يتصدرون واجهتنا الأدبية والعلمية أمثال معالي الشيخ أحمد زكي يماني، معالي الشيخ عبد العزيز الخويطر، الكاتب القدير الأستاذ عبد الله عمر خياط، الأستاذ الكاتب الصديق محمد عمر العمودي، الأستاذ عبد الله الحبابي، كتبوا ذكرياتهم في باب السلام وما رأوه من حسن المعاملة سواء من أصحاب المكتبات كباراً وصغاراً، دارة النفائس الشيخ محب الدين الخطيب كان يوماً من الأيام رئيس تحرير مجلة القبلة، كان يبحث عن كتابين واعتبرهما من الكتب المفقودة، كتاب المواعظ والعبر لأبي العلاء المعري وكتاب الأمالي للقالي. قال كنت أمر بدار السلام وكان هناك كرتون فيه أوراق وكان يحرج عليه، فجلست أبعثر وأبحث في ذلك الكرتون وإذا بي أجد كتاب أبي العلاء المعري، فما تمالكت نفسي ولكن ضبطت أعصابي حتى لا يطمع في الشيخ أبو معرور أظن أنه كان دلال الكتب في ذلك الوقت فقللت من قيمة ذلك الكرتون، وأخذته بأبخس الأثمان، أما كتاب الأمالي لأبي علي القالي، فما وجدته إلا عند الشيخ محمد ماجد الكردي وكان ذلك فتحاً كبيراً، الواقع أن مما يجب أن نعترف به لباب السلام كما أنه خدم العلم والعلماء من الخارج فقد خدمه العلماء وطلاب العلم من داخله وهذه صورة داخل باب السلام درس فيه من العلماء الكثيرون الشيخ أحمد الحضراوي، الشيخ حسب الله الشافعي السيد علوي مالكي آخر شخصية علمية، السيد محمد علوي مالكي رحمة الله عليهم جميعاً الشيخ محمد مرداد الشيخ.. آخر العلماء السابقين كان الشيخ عبد الفتاح راوياً، فكانت هذه الرواء وهذه الساحة تعج بالعلماء وتعج بطلاب العلم حتى إن سلوك في رحلته يقول إن المسجد الحرام كان بعض العلماء لا يجدونهم خلال 24 ساعة، فكانوا يذهبون إلى منازلهم ويؤدون دروسهم هناك، فتصوروا أن هذا المكان كان يزدحم بالعلماء وبطلاب العلم وبالعامة لأنه كما قلنا إن عامة المكيين من شمال مكة يقصدون الحرم الشريف من خلال هذا الباب وكان من عادة عوام مكة أنه لا بد من أن يقضي بين المغرب والعشاء في حلقة من حلقات العلماء، ولكن بدون تحرج وبدون مبالغة أن عوام أهل مكة في ذلك الوقت كانوا علماء وقد عاصرنا بعض هؤلاء العوام يتحدثون حديث العلماء بل أنا أعرف رجلاً من عامة المكيين الكادحين كان يلبس العمامة والقميص والفوطة ويجلس في جلسة الشيخ أحمد مشاط رحمة الله عليه فكان الشيخ يقرر المسألة فيستدرك على الشيخ فيقول يا فضيلة الشيخ المسألة كذا وكذا وسمعنا منكم كذا وكذا.. فلذلك سموه شيخ العلماء، باب السلام منتدى العلماء السيد علوي مالكي كانت عبارة عن مجلس علمي خلال أربع وعشرين ساعة. كان الشيخ عبد الفتاح فدا رحمة الله عليه همزة وصل بين علماء من خارج مكة وعلماء مكة، يذكر السيد محمد علوي مالكي في طيات ذكرياته، أن السيد علوي مالكي كل ما مر لأنه دار السيد علوي مالكي فوق مكتبة السيد الشيخ عبد الفتاح فدا، كان السيد علوي المالكي يمر عليه يقول يا شيخ عبد الفتاح ما عندك تحفة ويقصد بالتحفة الكتاب، السيد علوي مالكي رحمة الله عليه، عندما يمر عليه أيام الحج لا يسأله هذا السؤال فيوم من الأيام كان ماراً السيد وهو جاي من مدرسة الفلاح خارجاً من الحرم .. قالوا يا سيدي وهذه عبارة مكية يا سيدي ما تسأل عن التحف، كانوا أيام الحج مشغولين، قالوا عندي تحفة التحف، قالوا مين قالوا الشيخ إسماعيل النبهاني، الشيخ السيد علوي مالكي لم يتمالك نفسه فقام وقبل الشيخ إسماعيل النبهاني لأن شهرة الشيخ إسماعيل النبهاني عالمية، وعلماء مكة يعكفون على قراءة كتبه لما تتميز كتبه وتتسم بالمحبة العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقام وعانقه وقبله ودعاه إلى بيته وهكذا كان السيد علوي مالكي وغيره من أصحاب المكتبات همزة وصل بين العلماء، أنا أعرف مثلاً الشيخ مصطفى العلوي الشنقيطي يجتمع به العلماء سواء من بلاده أو من مكة أو من غيرها وكان صديقاً حميماً للعلماء فكل صاحب مكتبة له رواده من العلماء وله أيضاً رواده من الآخرين، باب السلام مدرسة القراء، الشيخ عبد الصمد فدا رحمة الله عليه، من كبار القراء المكيين وكنا نستمتع بصوته الجميل بالإذاعة، لكن هؤلاء القراء الذين نعرفهم غابت أصواتهم عنا وكان لا يتحدث للعميل أو للزبون إلا بالعربية الفصحى وكان مجلسته لتعليم القراءات في المكتبة ولتعليم المديح النبوي ودار السيد علوي مالكي رحمة الله عليه أيضاً كانت مدرسة للقراء كل يوم جمعة صباحاً يجتمع القراء من جميع أقطار العالم الإسلامي وكل منهم يتلو آيات من القرآن، فباب السلام كان مدرسة للقراء وباب السلام كان ملتقى المفكرين كلنا يعرف هذا الكاتب الكبير والرمز الكبير الشيخ صالح كمال رحمة الله عليه، وكان أحد المجاهدين المكافحين الذين اخترقوا الساحة الثقافية بتوريدهم كتب الحديث ولكن ليس مكتبة الثقافة هذه الأولى التي جلبت الكتب الحديثة، يقول الشيخ السيد أحمد علي الكاظمي وهو من كبار أدبائنا ومؤرخينا، يقول إن أول من بدأ بإحضار الكتب الحديثة مكتبة الشيخ عبد الكريم الخطيب وابنه ذلك الأديب عبد الله عبد الكريم الخطيب، صاحب كتاب ((كيف كنا))، وكتاب ((كدا وكدلك))، بالدال وليس بالذال، الشيخ صالح جمال يجتمع عنده رجال الأعيان والأدباء والمفكرون فيتبادلون الأحاديث والمناقشات الفكرية، وكان نتاج ذلك جريدة حراء والإصدارات الأخرى.
باب السلام ملتقى الأدباء: الشيخ عبد الله فدا هذا الأديب الكبير والخطيب المصقع، كان يجتمع عنده الأدباء بل إن مكتبته كانت مدرسة، يقول عبد الله عبد الكريم الخطيب في سيرته الذاتية، تركت مدرسة الفلاح ولازمت مكتبة والدين وقويت العلاقة بيني وبين الشيخ عبد الله فدا، فتعلمت منه الأدب وعكفت على كتب الأدب وقد أثنى على أدب عبد الله عبد الكريم الخطيب في كتابيه ((كدا وكدلك)) و((كيف كنا))، وهو أدب شعبي رمزي أثنى عليه الناقل الكبير الشيخ عبد الله عبد الجبار في تقديمه لهذه الكتب التي استشهد به الشيخ ...
وَحْدَه وَحْدَه.. وقدر فيها أغواتها وليس أقواتها، السلطة من الصلطة فلفلها حار، الرقيق لا علمناه وهكذا على النمط نفسه ولذلك يقول الشيخ عبد الجبار لقد سجل هذا الرجل كثيراً من الصور الشعبية ما لو لم يسجلها لفقدتها الذاكرة الشعبية، التعالوم واحد من الكبار يتكلم أن التعليم عندما كذا، التعالوم كذا وكذا.. باللغة النحوية الفصيحة.
باب السلام مجتمع الحكماء: الواقع أن كل من كان في ذلك المكان قد عركته الحياة، ويأتي بين هؤلاء الذين يفزع لهم المكيون والضعفاء والفقراء، الشيخ محمد لبني كان محامياً بارعاً وكان يتبرع مجاناً لكيف لأن يدافع عن الفقيرات والضعيفات والفقراء والضعفاء حتى إن بعض الأمراء كان جالساً في دكانه في مكتبته قال إني أحسدك وأغبطك على هذه الروح. الشيخ أحمد علي والد زميلنا الدكتور محمد إبراهيم علي معروف بالحكمة ورجاحة العقل، يجتمع عنده أعيان المكيين الشيخ عبد الله كامل، الشيخ الدهلوي وغير هؤلاء، أيضاً الشيخ عبد الفتاح فدا، الشيخ عويض السناري هؤلاء كلهم كان يفزع إليهم المكيون في حل مشاكلهم فهذا مجتمع الحكماء وأخيراً فباب السلام كان دارة العلماء مسكن العلماء، سكن فيه عدد كبير من العلماء السيد علوي مالكي كان سكنه وروشان منزله يطل على باب السلام وعلى الحرم الشريف حتى الصلاة يمكن أن يصليها من داره.
باب السلام هناك له ذكريات، وأحداث فقط ليس أعظم من ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك الباب متواضعاً، ثم بعد ذلك دخل الأمراء والسلاطين والولاة على اختلافهم، يحكي قطب الدين النهرواني في تاريخ مكة، يقول إنه قدم إلى مكة قايتباي وهو أحد عظماء ملوك المماليك في أبهته بينه الوزراء لم يدخل مكة محرماً يقول عندما دخل باب السلام وكان بجانبه رئيس القضاة وشيخ العلماء إبراهيم بن ظهيرة يقول فجفلت به دابته عند باب السلام، فسقطت قلنسوته، قال فكان هذا تأديباً وعقاباً من الله عز وجل لهذا الملك، والقصص كثيرة ولأصحاب مكتبات باب السلام ذكريات عديدة، أما الأحداث فمنها الحدث الذي أنقذ الله به عدداً كبيراً من الناس بسبب عصا عالم من العلماء الشيخ عيسى رواس رحمة الله عليه، في عبارة مشهورة بينا أهل مكة فيك الجاوى، هذا إذا جاء واحد يريد أن يأخذك على غفلة، هذا أحد إخواننا المعتمرين والحجاج الجاوى يظهر لعبت به أخت راسو، وكان يحمل سكينا ً وكلما قابل شخصاً في الجزء الأخير من الليل قتله وقضى عليه، حتى إذا جاء إلى سوق الرمادة، وسوق الرمادة هذا له ذكريات بالنسبة إلى الطلاب والشباب في ذلك الوقت، المكان الذي يتصارع فيه الطلاب إذا خرجوا من المدارس التي حول ذلك المكان، فجاء وأشهر السلاح على الشيخ، فما كان من الشيخ رحمة الله عليه والناس ما هم قادرون أن يلحقوا ذلك الرجل، فما كان من الشيخ رحمة الله عليه إلا أن أخذ البستون وضربه في رجله وطاح ساقطاً على الأرض فألقوا القبض عليه، فأنقذ الله به العدد الكبير من الناس.
أيها السادة أيتها السيدات آتي إلى ختام هذا العرض الموجز فأقول موجز القول إن مكتبات باب السلام بموقعها وتاريخها ورجالها قد أدت دوراً تاريخياً حضارياً على مدى طويل من السنين نشأت في ظلها أجيال كان لهم الريادة العلمية والأدبية والاجتماعية في عصورهم ظلت آثارها باقية على القيادات الفكرية للجيل الحاضر انفرط ذلك النسي المكاني وتشتت أصحابه بكل معاني الشتات عام 1375 تشتتوا في أحياء مكة وتشرذم أصحابهم وحل بعضهم في شوارع ضيقة وأماكن بعيدة ليست ملائمة ولكنها الحاجة، تضاعفت مأساة غالبية هذه النخبة الذين بلغوا سن الشيخوخة المتأخرة. باب السلام بمكتباته ومبانيه كان الأول في مشروع الهدم والإزالة انتزع أصحابه انتزاع الروح من الجسد، فقد أصحاب المكتبات قربهم من الحرم الشريف يؤدون الصلوات الخمس جماعة يحضرون دروس العلماء وندواتهم، فقدوا شيئاً عزيزاً هو جزء من حياتهم اليومية وتكوينهم الفكري ناهيك باللقاءات الفكرية والعلمية والاجتماعية التي اعتادوها لرحاب ذلك المكان الطاهر، أصبحت مكتبات باب السلام وأصحابهم قصة تروى ولسان حالهم يبدد قول الشاعر:
وقائلة والدمع سكب مبادر
وقد شرقت بالدمع منها المحاجر
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فقلت لها والقلب مني كأنما
يلجلجه بين الجناحين طائر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
صروف الليالي والجذوذ العواثر
إن ما يخفف الوطء ويكثف لواعج الحزن والأسى على هؤلاء أن يخصص مكان المكتبات في مكة المكرمة بباب السلام للعبادة والعبادة فحسب، ليصبح جزءاً من المسجد الحرام إذا كان في توسعته الشاملة المباركة التي قام بها آل سعود أيدهم الله فالمكان انتقل من شرف إلى شرف أعظم ومن هدف إلى هدف أسمى ليتسع لكل قادم من أطراف المعمورة حاجاً إلى بيت الله الحرام معتمراً.
أيها السادة أيتها السيدات يبقى سؤال ملح، أليس مهماً ومظهراً منسجماً ذا الطابع الديني والحضاري لمكة المكرمة أن ينشأ سوق خاص بالكتبية قريباً من الحرم الشريف لتستكمل الجوانب الروحية والحضارية في ساحاتها في تآخ تام تبدو مظاهرها واضحة للعيان كما حرس السلف الصالح في كل مظاهر الحياة بدلاً من أن تغلب الجوانب المادية كما هو مشاهد في الوقت الحاضر.
أيها السادة أيتها السيدات.. إن واجب الوفاء للعلم والتاريخ يقضي أن يذكر العلماء والأدباء والباحثون مكتبات باب السلام وأصحابها والدور الذي اطلعوا به في مدوناتهم إذا ذكر العلم ومؤسساته في البلد الأمين مكة شرف الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معالي الدكتور محمد عبده يماني: شكراً لمعالي أخي معالي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان على هذا الحديث الممتع عن هذا المكان الخالد في هذا البيت العتيق وجزاه الله خيراً عن البحث والتقصي، والحق أن هناك عدداً كبيراً من الإخوة طلبوا التعليق ولكننا في اضطرار اختصرناها إلى كلمة لقسم السادة وكلمة لقسم السيدات، لأن هناك أسئلة كثيرة وأسئلة ملحة وكأنها متممة لبعض البحث الذي ألقاه معالي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ، فنرجع من هنا للأخ الدكتور محمود سفر الذي طلب أن يعلق ونعطيه الفرصة ليكون أول المعلقين ثم نعود إلى قسم السيدات إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1734  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 236 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.