شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
أحمدك اللَّهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين.
الأستاذات الفضليات، الأساتذة الأكارم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يسعدني أن تكون اثنينيتكم الليلة معبر محبة ومودة بين موئل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق (العلق: 1) حاضنة الحضارات والثقافات عبر القرون، وأرض الكنانة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، لأرحب باسم جمعكم الكريم بالمؤرخ الباحث الأكاديمي سعادة الدكتور رأفت غنيمي الشيخ الذي حرص على هذا اللقاء مستسهلاً مشاق السفر ليكرمنا بعلمه وفضله ويمتعنا بصحبته الماجدة، أهلا بك سعادة الدكتور فأنت أهل لهذا التكريم بين أهلك وعارفي فضلك.
إذا ذكر الأستاذ الدكتور رأفت غنيمي الشيخ، تبادر إلى الذهن ((علم التاريخ))، فهو عالم موسوعي، وأستاذ جامعي، وكاتب كبير، أثرى المكتبة بأكثر من عشرين مؤلفاً في مختلف أبواب التاريخ والعلاقات الدولية.. وربط كل ذلك بحضور عشرات المؤتمرات، والندوات، والمقالات التي نشرت في دوريات محكمة.. ولا أقول هذا للتعريف به، بل لأؤكد حقيقة قد تغيب عن بعض الأذهان وهي أن كتابة التاريخ لا تتوقف بموجب خيط رفيع يفصل الحاضر عن الماضي.. فكل يوم هو جزء من التاريخ، وكل حدث يشكل جانباً من منظومة تاريخية قد يتم تدوينها أو تدخل في تاريخ ما أهمله التاريخ.
وبالتالي فإن الاهتمام بمتابعة مجريات الأحداث، والمشاركة في الوهج اليومي للعمل الأكاديمي، والشأن العام، كلها عناصر لا غنى عنها لمن أراد أن يفسر التاريخ بمنهج علمي، بل يسهم حقيقة في كتابة التاريخ.. فمن المقولات التي أرددها كثيراً: ((إن أمة لا ماضي لها، هي أمة لا حاضر، ولا مستقبل لها)).. وهي عبارة لا تحتاج إلى شرح أو توضيح، وأحسب أن الإضاءة التي ينبغي التركيز عليها هي تعريف هذا العلم، وماهية التاريخ؟ هل هو النصوص المنهجية التي يقرؤها الطلاب وغيرهم من المهتمين بهذا العلم؟ أم هي التفسير الفلسفي للحدث، وإسقاطه على الحاضر، ومن ثم قراءة المستقبل في ضوئه؟ سؤال كبير يحتاج إلى إجابة، ولست مختصاً في هذا الجانب، لكني فقط أطرح السؤال.. ولنا خير إجابة من أستاذنا الكريم.
من ناحية أخرى لاحظت أن مؤلفات ضيفنا الكريم قد تناولت بكثير من الاهتمام مسألة العلاقات الدولية وقراءتها في ضوء منظور التطورات التاريخية، وأحسبه من الجوانب المهمة التي تسهم في وأد بعض الصراعات، أو الإسهام في إيجاد الحلول المناسبة، يداً بيد مع الفعاليات الدبلوماسية، حتى لا تكون لغة السلاح فيصلاً في أمور يمكن التعامل معها بشيء من العقلانية والروح العلمية.. فالتاريخ والسياسة بينهما نسب وروابط لا تخفى على كثيرين، ومن المستحسن دائماً استثمار هذا الرافد العلمي في تكريس الجهود السلمية بين بعض الدول أو المجموعات العرقية التي قد يحتك بعضها مع بعض لأي سبب من الأسباب.
هذا الدور المحوري للتاريخ كعلم وأسلوب حياة يتطلب عمل المختصين، ومن بينهم فارس أمسيتنا، على ضرورة تأهيل، وإعادة كتابة مناهج التاريخ في المدارس والجامعات، لاستيعاب الفكر الفلسفي، بدلاً من حشو الرؤوس بمعلومات عن الحروب، والقادة، والآثار المترتبة على عمليات الاحتلال، والتبادل السلمي أو غير السلمي للسلطات خلال مختلف الحقب التاريخية، فهذه من المسلمات التي أصبحت متاحة لكل طالب علم، من خلال الإنترنت أو الكتب والدوريات وغيرها.. لكن الأمر الذي يحتاج إلى عمل دؤوب هو إيجاد كوادر مؤهلة قادرة على استقراء التاريخ وليس قراءته، مهمتها البحث بين السطور، وبين الوثائق السرية والمعلنة بشأن الأحداث التي رسمت ملامح الحاضر، وحتماً سوف تؤثر في مجريات المستقبل.. إذ من الحكمة في كل الأحوال التعامل مع هذه الوقائع، بكثير من الشفافية والمصداقية، وصولاً إلى ما يخدم الكيانات القائمة، وبما يسهم في رخاء الأمم والشعوب.
إن إشكالية كتابة التاريخ، أو إعادة كتابته، أو إعادة قراءته، أصبحت من الأمور المتشعبة التي أولاها المختصون والمتابعون الكثير من العمل والقلق.. فعلم التاريخ إذا أراد له المهتمون أن يعيش ويصبح قادراً على أخذ مكانته اللائقة في منظومة العلوم الإنسانية، فلا أقل من أن تعاد قراءته وفق نظريات حديثة، والعمل على تحديث قواعد بياناته بما تيسر وما يمكن التقاطه وتسجيله من أفواه بعض المعاصرين، بالإضافة إلى حفظ ونشر ما أمكن من وثائق تاريخية قد تكون مهملة هنا أو هناك.
وفي هذا السياق، يسعدني أن أشير بكثير من الشكر والعرفان، إلى دارة الملك عبد العزيز، ممثلة في رئيس مجلس إدارتها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، وأمينها العام الأخ الدكتور فهد السماري، مثمناً الدور الريادي الذي يطلعون به لإثراء تاريخ المملكة، الذي يعتبر بدوره جزءاً مهماً ومكملاً لتاريخ منطقة الشرق الأوسط.. وهي تجربة علمية ناجحة بكل المقاييس، وأرجو أن تعمم على جميع الدول العربية، حتى تؤتي أكلها وتسهم في إعادة قراءة التاريخ، ولا أقول كتابته، مع إتاحة الفرصة لكل باحث جاد ومتخصص لكي يدلي بدلوه، ويسهم في النهضة المرتقبة لعلم التاريخ وتعميق دوره في المجتمعات العربية والإسلامية.
إن العمل الذي سطره ضيفنا الكريم بأحرف من نور، أعني إنشاء معهد البحوث والدراسات الآسيوية، يشير إلى العمق المعرفي الذي يواكب حياته الأكاديمية، فقد كان الفكر العربي بصفة عامة، يتسم بانجراف واضح نحو العلاقات الغربية في أوروبا وأمريكا، بحكم العلاقات الاستعمارية التي عاشتها معظم الدول العربية والإسلامية خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين الميلادي تقريباً، وما أعقبها من حركات تحرر أفضت إلى الخريطة السياسية الحالية، وفي غمرة هذا المشوار الطويل نسي أو تناسى بعض علمائنا الأجلاء مكانة آسيا، أو الشرق بصفة عامة، في رسم العلاقات الدولية الوليدة، والتي بدأت تتبلور في ظل النظام العالمي الجديد.. ومن حسن الطالع أن ضيفنا الكريم قد فطن مبكراً لهذه النقلة النوعية، والدور الفاعل الذي يمكن أن يلعبه التنين الصيني، والدب الروسي، وشمس اليابان المشرقة، والنمور السبعة، بالإضافة إلى مهد الحضارات في الهند وإيران، ودورها الملموس في مجمل العلاقات الدولية، وما يكتنفها من شبكة اقتصادية ومنافع متبادلة، وموقع الشرق الأوسط الملتهب وسط هذه التفاعلات، وهي مسائل تحتاج فعلاً إلى معهد متخصص لدراساتها وتقديم توصيات بشأنها، تكون نبراساً ورافداً مهماً لصناع القرار، وأرجو مخلصاً أن نسمع عن دور فاعل لمثل هذا المعهد، وغيره من المراكز العلمية التي نحن في أمس الحاجة إلى تكريسها لخدمة واقعنا ومستقبلنا.
إن الحديث عن التاريخ لا يكتمل حتماً دون التعريج على المستشرقين، ودورهم في السابق واللاحق، وما يلتبس مكانتهم من تطرف يدمغ عملهم بالتشكيك الكلي، أو الوقوع في أحضانهم دون تمحيص، وكلا الأمرين بطبيعة الحال يحتاج إلى تناول جريء، وقرار حاسم، حتى يمكن الاستفادة من موروثهم الكبير، ما ظهر منه وما خفي، لخدمة مناهج دراسة التاريخ التي نأمل أن تشق طريقها وترى النور قريباً بإذن الله.
وعلى هامش هذا الحديث، يسرني أن أشير إلى التعاون الذي تم بيني وبين السيدة الدكتورة سلمى الجيوسي لإنجاز مشروع مهم بعنوان ((عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين)) الذي يدور حول رؤية العرب والمسلمين في القرون الوسطى للآخر، كما يتناول أيضاً مناحي مختلفة من تاريخ ثقافات إنسانية متعددة تعرف عليها رحالة العرب والمسلمين.. ولم ينجز منه سوى مؤلف واحد هو ((أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك))، وكم كان بودي أن يستمر هذا العطاء الكبير، إلا أنه أجهض ولما يبلغ أشده وقبل أن يرى النور لأسباب تتعلق بالطرف الآخر لا أود ذكرها، فتأخر كثيراً وبالتالي انتفت الأهداف التي قام من أجلها.
وأخيراً.. لا يفوتني في هذه السانحة أن أحيي إخواننا الأساتذة الأفاضل الذين يجتمعون الآن تحت مظلة النادي الأدبي الثقافي في جدة بمناسبة اللقاء السابع لقراءة النص.. متمنياً لهم دوام النجاح والتوفيق بما يعود بالخير على الساحة الثقافية، وكم كان بودي أن يكونوا معنا في هذه الأمسية ليسعدوا بجمعكم، ونشرف بمشاركتهم في عملهم المبرور، في غير هذا التلازم الذي واكب فعاليات قراءة النص، ولكن يبدو أن قدرنا أن نُحيي بعضنا بعضاً من بُعد رغم القرب.. وتبقى القلوب عامرة بالمحبة أبداً.
أتمنى لكم أمسية ماتعة مع ضيفنا الكبير، وإلى لقاء يتجدد إن شاء الله مساء يوم الاثنين القادم مع الأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين، الأديب، والأكاديمي، والناقد المعروف، صاحب كتاب ((الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية)) والذي أعيد طبعه أربع عشرة مرة، وكذلك كتاب ((مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني)) الذي طبع أيضاً أربع عشرة مرة، وكثير من مؤلفاته طبع أكثر من سبع مرات.
فإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير.
عريف الحفل: أنقل لاقط الصوت الآن إلى صاحب المعالي الأستاذ الدكتور سهيل قاضي راعي هذه الاثنينية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :904  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 121 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.