شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
الأستاذة آمال عبد المقصود خوجه: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. معكم أمال عبد المقصود خوجه نظراً لاعتذار الأستاذة نازك وعدم قدومها لظرف طارئ.
نرحب بضيفنا الكريم فارس اثنينية اليوم الشاعر سيف الرحبي، من سلطنة عمان ونبدأ الأسئلة، حبذا لو تقرأ علينا أجمل الأبيات من أشعارك ـ نبيلة سنبل.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أنا دائماً هذا السؤال أعتبره سؤالاً لغير هذه الأمسية، لأن الضيف الذي نحتفي به المفترض لمن يريد أن يقرأ شعره يرجع إلى دواوينه، ماذا سيقرأ المكرم والضيف وما لا يقرأ، فإحراج كبير وكم كبير ودواوين كثيرة أعتقد أن هذا السؤال دائماً وأنا أترك الرأي لراعي الأمسية، دعونا نقوم باستفتاء صغير ما رأيكم في حجب هذا السؤال، لأنه ماذا يعني كل مرة نطلب من الشاعر أن يقرأ من قصائده هل ترى أن هذا شيء طبيعي، أنا أحب أن أسأل الأساتذة الدكتور مناع والدكتور القحطاني رئيس النادي الأدبي الثقافي، أسألكم جميعاً، وباعتبار هؤلاء أساتذة فبدأت بهم لكنني أنتهي بكل فرد موجود معنا من سيدات وسادة.
الدكتور عبد الله مناع: الاقتراح بأن يوضع الأمر بين يدي الحضور، الاثنينية وأعضائها، بأن يقولوا نعم لمثل هذا السؤال أعتقد أن هذا منطقي جداً، لكن هناك ملحوظة جانبية، الشعراء الذين أشار إليهم الشيخ عبد المقصود وأنا أسأل بين الحين والآخر أن تقدم بعض النماذج، أنا أعتقد أن السائلين على كثير من الحق، فليس الشعراء جميعاً، معذرة مع احترامي لشاعرنا الأستاذ سيف وتقديري له وتقديري لعطائه، لكنني أقول إنهم ليسوا جميعاً كشوقي ليسوا جميعاً كالمتنبي، يعني هناك شعراء الناس كلهم قرأوا قصائدهم، لكن هناك شعراء يأتون بين حين وآخر، والمجتمع المثقف ليسوا كلهم دارسين وباحثين لكن هناك أطيافاً فيه، أنا أعتقد أن السؤال يظل منطقياً وعلى الشاعر أن يختار أسطراً أو جزءاً من قصائد حتى على الأقل يقدم نفسه شاعراً، الأستاذ سيف أنا شخصياً لم أتعرف عليه إلا هذا المساء، قد تكون مفاجأة لكنها الحقيقة.
الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني: السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته معروف أن الليل خديم الشعر والنهار ربيب النثر وحبذا في نهاية المطاف وقد أومأ إلى ذلك الشاعر سيف الرحبي أن يلقي شيئاً من قصائده ليستمع الجمهور إلى هذا الشاعر المتحدث عنه لأن السماع إليه قد يكون أجمل من قراءة المكتوب، فنريد أن نستمع إليه في آخر الجلسة وقد أومأ إلى ذلك أو حبذه هو ودمتم سالمين؟
الدكتور جميل مغربي: ليسمح لي الأستاذ عبد المقصود أن أخالفه الرأي في هذه القضية، لأسباب عدة، أولاً أنني أعرف الأستاذ سيف الرحبي وهو ربما لا يعرفني، لكنني أتابع ومن خلال متابعتي أعرفه جيداً، لكنني أود أن أشير إلى مسألة هامة أنا شخصياً أحبذ أن يتحدث الشاعر في كل دعوة هاهنا شعراً ولو أن يقدم نماذج من الشعر لسبب أولاً نود أن نرى هذا الشعر من خلال إحساس الشاعر به، أيضاً من يفد إلى أمسية كهذه تؤرخ لحياته سيقول استمعت إلى سيف الرحبي وهو ينشد شعره في اثنينية عبد المقصود خوجه في التاريخ المحدد وهكذا، يعني أن تصبح تاريخاً أنا شخصياً ربما لم أكن من هذه الفئات ربما كنت انعزالياً ربما نشأت على شيء من البعد والنأي عن بعض المسائل لكن كثيراً من زملائي وأصدقائي كان لديهم الحرص حتى على معرفة بعض الشخصيات الأدبية والفكرية والثقافية لكننا جميعاً نحب أن نستمع إلى شيء من شعر الشاعر بصوت الشاعر وبإحساس الشاعر ولذلك لم نعدم أن نسمع نماذج قصيرة تمنحنا صورة لسيف الرحبي مكثفة من خلال أبيات شعرية وشكراً.
الأستاذ عبد المقصود خوجه: أعلن فوزكم بالرأي على رأيي ولذلك هذا السؤال سيبقى مطروحاً دائماً طالما طلب كل منكم أن يستمع إلى شعره وهنا لفت نظري ومن الأساتذة الدكاترة الكرام وهم يتكلمون نقطة هامة جداً كانت تغيب عليّ وهي السماع غير القراءة، وقول الشاعر لقصيدته غير قول أي شخص آخر لهذه القصيدة فمن طرحت السؤال لها الشكر وأنا أعتذر وأعتبر هذا هو الرأي السديد.
الأستاذ سيف الرحبي: أنا يسعدني القراءة شعراً ونثراً وصمتاً وأنا بينكم يعني أنا سعيد بينكم في كل الأحوال فالمسألة إجرائية قبل النقاش أو بعده فأنا سعيد في كل الأحوال، كل ما في الأمر أن عندي ديوان وهو نص طويل سأقرأ قليلاً منه، لأن طبعاً القراءة مجتزأة، يعني القصيدة طويلة القراءة بعضها نوع من التجزيء لمناخاتها وبناها الدلالية لو قرئت متكاملة ولكن لا بد من أن أقرأ قليلاً منها، وهي بعنوان : الجندي الذي رأى الطائر في نومه:
عليّ أن أبعثر الجهات والمرايا كرجلٍ ينهض من نومه بطيئاً متكاسلاً الجهات التي تطوّقني بألسنة اللهب فلا أستطيع الوقوف متعثراً بصخور البارحة ووجوه تتقاطر في نومي، برؤوس مقطوعة وقامات مديدة تشبه النخل الذي خلّفه أبي تشبه المغيب الناضج كثمرة.
عليّ أن أبعثر الجهات جميعها كي أستطيع أن أتبيّنك قطرة في ظلام الصحراء وهذه الحشود التي تحصد رأسي بمناجلها المثلمة.
أن أتبين الضوء القليل الراشح في ليل القوافل ذؤابة الحقل الدامي وهذا الخلاء الطافح بالأشباح والبداة وزئير الحيوانات المنقرضة أن أتبينك، ربما في آخر محطة لقطار ودّعتك فيها، من آخر مدينة للأقوام الثاوية في نومي.
تشيرين إلى البعيد. باليد الهائمة في الهواء تمتمة الشفاه التي تشبه الثمرة الناضجة في المغيب حركة الأصابع المثنية في وحشة الجسد.
عليّ أن أبعثر أشلاء اللحظة وأسوق الجيوش إلى حتفها كجندي يستعد يوم حربه، الجندي الذي رأى الطائر في نومه فانتشله من بركة الدم ومضى كان يجري في حقول الظهيرة في يده الطائر على جسده زرد المعدن الثقيل باحثاً عن مكان عن سراب استراحة.
الجندي الذي رأيناه معاً على منعطف الطريق بين الشمال والجنوب هو هو أو يشبهه كان يتحدث مع عمال القمامة بستراتهم السميكة لم يكن لابساً سترة المعدن بعد بماذا كان يتحدث ويحلم؟ بماذا كان يومئ إلى رفاق الحانة؟
كان ليل ينكسر على رؤوسنا كانت مدينة بشرية كاملة من النمل تسرح في جروفه ذا النمل الذي بنى عرشه على الأرض وليس على الماء.
لم يكن لدينا بيت، باحثين عن مستقر بين جبال ومدن وقرى ضربها الإعصار ذات مساء كنا نرقب طلائعه البهية من شرفة تهتز عمارتها رأيتها البارحة في نومي لكن بصورة أكثر قتامة وذعراً ورأيت أني ذاهب إلى نفق أبحث عن محفظتي التي نسيتها في المقهى كان الإعصار يلتهم كلّ شيء كان يتلوّى كمن يفترس نفسه بعذوبة موجة هائلة من الزّبد والجنون معراج قيامة، قبلها أضاء المكان عبر بضع عواصف تائهة ما لبث أن دفع بأثقالها نحو الأعلى في هذه اللحظة تذكرت الطوفان نوح تذكرت لوتريامون تذكرت القبلة الأولى بعد الإعصار تذكرت الجندي تائهاً بين الصحاري في يده الطائر على رأسه خوذة المعدن يركض في الهاجرة يطارده شبح الأعداء تطارده الظلال والثكنات لم تكن الحرب التي كسرته وليس الأعداء الذين سكنوا تحت ضلعه طويلاً بجوار قلبه المرتجف، كان الطائر وهو يرفس في بركة الدم كان الإعصار وهو يلتهم الأعماق كان القبر المفتوح كنهر من عظام الهالكين مضى بصحبة الطائر في ليل وحدته بعيداً عن الثكنة بعيداً عن الجماعة.
قال: (يا ربي هؤلاء قومي وأنت أدرى بهم وأني لبريء من حربهم وسلامهم.. أيها الطائر امنحني قطرة من ماء روحك، امنحني السكينة.)
كنا نبحث عن مستقر وسط الضجيج والأزمات وكان الطائر قبل وقوعه في بركة الدم باحثاً هو الآخر وسط عذوق النخيل المتمايل بفعل العواصف في السحب الداكنة من غير مطر وسط الأكمات.
كان له فضاء يذرع تخومه النجمية جيئة وذهاباً متنزهاً بين جنائنه ذات المخلوقات الأثيريّة كأنما صنعت من قبلات ملاك.
فجأة ضاق به الفضاء ضاقت به أحلامه سقط في بركة الدم عوى كذئب لكن لم تكن له روح ذئب وما فائدتها في لجة المعدن الهائج ما فائدة الروح؟
في الفضاء رأى حروباً أخرى رأى ثكنات نسور وأوبئة شاهد المجرات تمخر ليلها السرمدي وتحتل مجرات أخرى أو تبيدها كرماد تسفّه ريح رأى العنقاء تحلِّق فوق المرتفعات وعلى مناقيرها الجثث لكنه لم يسقط ظل متماسكاً بقلبه وريش أحلامه البسيطة لم يسقط في بحر السلاح الهادر.
كان ضوء الدوار الحارق الذي سقط عليه من الأرض وهي تدور في جعبة كواكب أخرى، ضوء حارق اقتلعه من الجهات كلها طوّقه بألسنة اللهب ذاك القادم من جرح البشر السحيق دار حول نفسه كثيراً حلق في دروب جمجمته الصغيرة وكأنما في دروب مجرات تلك التي رآها في نومه.
ماذا يستطيع أن يتذكر؟ ربما أرى طيوراً أو حيوانات تسبح في الضوء نفسه والتي كانت أمه على مقربة من غدير أو مقصلة، كانت ذابلة وهزيلة، كانت رفات عظام شاهد اضمحلال الأمكنة غارقة في سديم الوجوه قال، هذا قدري.
قاتل عنقاء أيامه قاتلها بمخالب نسر سكنته روحها سكنته زعقة الذئب.
كان القتلة يصطادون الفراشات في الحديقة المجاورة الضياء الناعس يغمر الممرات والوجوه الضياء القادم من سماء مترفة.
كان القناصة على رؤوس العمائر والأشجار طار كفراشة وليدة حلَّق كزهرة شمس طاردته السهام والبنادق أصابت جناحه الأيسر (كان ذلك أول جرح في حياته بعد الولادة).
* * *
كان الطائر رسول الروح الهاربة من الأسر كان الجندي رسول حرب التقيا على منعطف القلب على منقلب الصدفة طائر جريح وجندي مهزوم لا لم يكن مهزوماً ولا منتصراً كان الضمير الخبيء لحروب البشر والآلهة النغمة الشاردة لناي مكسور حمل إرثها من بابل وفرعون حتى عصور الذرة كما تحمل السحب أثقالها في الأزمنة والمحيطات حمل سرّ الأمانة.
* * *
كان النيل يجري حاملاً الأبدية في خرجه وكان دجلة والفرات يوم لم يكن أنهارٌ على الأرض لم تكن حضارات الجفاف المطبق على العالم والخنجر في الوريد.
كان دجلة والفرات يحملان الزمن كأيقونة كان بردى كان النيل كان الحوار الأكثر ترفاً في الظلام وفي الأنوار الضاجة بالقرابين والآلهة كانت الآلهة والملوك كان الشعراء والكهنة الأكثر قدماً من الآلهة المواكب تمضي بالجنائز والمجد الآلهات يتحمّمن في بحيرات الورد يحلمن بالفتوحات.
كانت الأنهار في صمتها الأكثر هديراً من آلهة الجند الولائم تسفح تحت الأقدام أهرامات لا مرئية من الدم المواكب تمضي الغيمة ترحل عبر النهر ينشق عن قمرها طائر وجندي يرحلان عبر الأزمنة والمفازات.
* * *
تقدما في مشهد الحقيقة والأحلام أشرفا على عاد وثمود شاهدا الربع الخالي مظلة أوهام نحيلة في مخيّلة بدو رُحّل حتى أضاءت الشمس عرصاته الكثيرة فأطبق على رقبة العالم بقدم العملاق التائه بين القارات وتحت مظلته الرملية الضخمة تمور جنان الأقوام البائدة.
عريف الحفل: سؤال من الدكتور عرفه عباس من جامعة الملك عبد العزيز يقول:
كيف ترى واقع الشعر عبر اتجاهاته ومدارسه في سلطنة عمان؟
الأستاذ سيف الرحبي: أتصور الشعر في عمان يعني لا يمكن أن يقرأ إلا في مرآة الشعر العربي بصفة عامة، أما الاتجاهات الموجودة في العالم العربي وأنماط التعبير المختلفة هي نفسها موجودة عند الكتَّاب والشعراء العمانيين كما هي موجودة في المملكة العربية السعودية وفي مناطق أخرى، طبعاً هناك تمايزات من حيث كثرة الأسماء في مناخ ثقافي معين مدى تحققها الإبداعي، أتصور أن عمان على الصعيد التاريخي تمتلك شعراً كلاسيكياً بالغ المتانة والقوة، أتذكر على سبيل المثال الشاعر الكبير الذي عاش في الشرق الإفريقي أبا مسلم البهلاني وهو شاعر عاش في بدايات القرن العشرين ولكن طبعاً كأي شيء في المنطقة في عمان أو الخليج العربي بصورة عامة، ظلت هناك قدرات إبداعية وأسماء كبيرة لم يلق عليها الضوء النقدي أو الإعلامي فظلت مجهولة، هذه الوضعية نعاني منها حتى البرهة الراهنة، ليست هناك دراسات والتفاتات حقيقية كافية لما يتحقق إبداعياً وفكرياً وروحياً على صعيد هذه المنطقة بصورة عامة.
الأستاذة آمال عبد المقصود خوجه: سؤال من الأستاذة سارة بارك تقول:
بمن تأثرت من الأدباء والشعراء ومن هو مثلك الأعلى؟
الأستاذ سيف الرحبي: لا أستطيع أن أجيب إجابة حاسمة ونهائية أنني تأثرت بفلان أو غيره التأثر هو تاريخ من التأثرات، تأثرت بالشعر العربي بتاريخه كله بأسمائه ربما بأسماء قريبة إلي أكثر من أسماء أخرى، لكنني أتصور أنني تربيت في بيئة تقليدية دينية وقبلية تأثرت بالشعر الجاهلي بكل صوره، رغم كل التجديد والتحديث الذي عشت في خضمه، كانت صورة الشاعر الجاهلي وذلك الحنين وتلك النوستالجيا والوقوف على الأطلال على الوقفة الطللية الرهيبة ظلت تخترقني حتى وأنا أكتب ما يسمى بأقصى حالات التجريب الشعري، هذه كانت صورة الشعر الجاهلي أثرت فيَّ كثيراً.. تأثري بالشعر العربي بتاريخه والشعر العالمي على صعيد الشعر الذي نكتبه اليوم لا نستطيع أن نزعم أو ندعي الأصالة التي هي ليست حقيقية، ندعي الأصالة التي هي تخدم وتثري لحظتنا الراهنة، كتابة وفكراً وحياة فنحن تأثرنا بشعراء أيضاً من العالم كله من الغرب من أمريكا اللاتينية في القصة في الرواية طبعاً بعد قليل أريد أن أناقش وأحاور الصديق العزيز وواحداً من كتّاب الرواية العربية المميزين عبده خال والنقاط التي ذكرها. فالإنسان في النهاية يقول كلمة بأن الكاتب هو مجموع قراءات وتأثرات ليس أكثر، لا يدعي أنه مبتكر ومخترع بالمعنى النهائي للكلمة. كل ما يفعله أنه يقرأ الآخر ويقرأ الواقع والتاريخ ويعيد هذه القراءة يحاول أن يعطيه شيئاً من روحه ونفسه ومكانه وخصائصه الروحية والمكانية.
عريف الحفل: الأستاذ عثمان مليباري يقول:
عبد الله الخليلي، شاعر من مسقط عمان ماذا تعرف عنه؟
الأستاذ سيف الرحبي: الشيخ عبد الله كان من الشعراء الكبار في عمان وهو في نظري آخر شاعر كلاسيكي معتبر ومتين وعميق وهو من المنطقة التي ولدت فيها وأنا أتذكره منذ الطفولة وربما هو من الناس الذين أثروا علي في طفولتي. هو كان أيضاً الشيخ الأكبر في المنطقة منطقة سمائل وهي تبعد 40 كلم عن مسقط فأتذكر حلقاته الشعرية وأنا طفل في تلك الأودية التي كانت وارفة وخصيبة، الشيخ عبد الله الخليلي أنا قارئ له بشكل جيد وأعرفه.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ غياث الشريقي يقول:
مجلة نزوى الثقافية وبعد عدة سنوات من صدورها كيف تراها هل حققت نجاحاً في صفوف المثقفين العرب وأين موقعها من شقيقاتها المجلات الثقافية العربية؟
الأستاذ سيف الرحبي: يعني أتمنى أن تكون قد حققت موقعاً وهي في سياق المجلات التي تحاول أن تكون جدية ومتعددة وليس عندها العقدة الثنائية بين الأصالة والمعاصرة، لأني أعتقد أن هذا السجال يكون فارغاً بلا معنى فالمعاصرة هي الأصالة والأصالة هي المعاصرة، والكتابة هي لحظة أزمنة مختلفة تاريخية وراهنة سحيقة ومستقبلية، فأحاول بهذه المجلة أن تكون من ضمن هذه المجلات الجدية في ظل هذه الهجمة الاستهلاكية للمجلات والإعلام والمعلوماتية، وهي أشياء لا تخدم المعرفة الحقيقية التي تهيمن وتسيطر وتوجه الرأي العام وتوجه الشعوب والأمم في تصور الاتجاهات المهلكة والتدميرية، يعني تحاول طبعاً أنا شاهدت فيها وأتصور أن لها أصداء إيجابية على صعيد العالم العربي وعلى صعيد أيضاً مثقفي المملكة العربية السعودية الذين أحييهم دائماً على تشجيعهم وبالتواصل الإبداعي والأخوي الدائم بيننا.
عريف الحفل: الأخ خالد الحسين يقول:
هل قرأت للشعراء السعوديين وما هو الشاعر الذي أعجبت به.
الأستاذ سيف الرحبي: طبعاً قرأت أنا ذكرت في بداية حديثي أني على صلة دائماً بالجو الثقافي في السعودية شعراً ورواية وقصة، وأيضاً الوضع الأكاديمي والنقدي في المملكة العربية السعودية، وهو وضع طليعي متقدم مواكب للحركة الإبداعية، وهذا مجموع على السجال المعرفي شعراً ومناحي إبداعية أخرى، أتصور تقدم صورة مهمة كبيرة وما أستطيع أن أقول شاعراً واحداً ، هناك مناخ شعري في السعودية مناخ شعري متكامل بعناصره مختلفة بخلافاته أنا على صلة بهذا المناخ دائماً، وكثير من الأخوة ينشرون بالمجلة مجلة نزوى مشكورين، وعموماً أنا على صلة مباشرة ومتابع للثقافة في المملكة العربية السعودية شعراً وغير الشعر.
عريف الحفل: الدكتور عبد الغني أنس يقول:
كيف نعيد الرصانة والبهاء الذي استمعناه منكم إلى المحادثات حتى في بعض أجهزة الإعلام التي أوشكت أن تقضي على لغتنا العربية الحبيبة والجميلة؟
الأستاذ سيف الرحبي: أتفق معه في هذا الرأي يعني ما يحصل الآن من تطور تكنولوجي واختراعات تكنولوجية عظيمة كتلك التي اخترعها الآخرون طبعاً، نحن ليس لدينا يد في استهلاكها وعلى ما يبدو أن القيمين على أجهزة الإعلام والفضائيات النافذة والمهيمنة لا أعرف عن جهل أو وعي، يستهلكون هذه التكنولوجيا ويوجهونها في اتجاهات تنحى منحى تدميري وتدميري جداً، يعني الذي يحصل الآن هذه الهجمة السطحية والاستهلاكية على الوعي الفطري والمعرفة الحقيقية أتصور أن هذه هي التي تهدد الهوية الروحية واللغوية للأمة، وليس فقط الأعداء الواضحين وغير المحتجبين خلف ستار أو حجاب.
عريف الحفل: الأخ خالد بالي يقول:
كان أولاً الشعر العمودي ثم ظهر شعر التفعيلة أو ما يعرف بالشعر الحديث وبعده ظهر الشعر بالعامية وأخيراً أطل علينا الشعر المنثور أو القصيدة المنثورة ، فهل هذا إبداع أم عجز؟ وهل هذا تجديد أم خدمة للغة أم تهديم وتخريب لها؟
الأستاذ سيف الرحبي: في رأيي أنه تخريب وتهديم وفي رأيي أنه عجز وفي رأي أنه إبداع وإضافة إبداعية للمنجز الشعري العربي في تاريخه، أتصور أن يكون رأياً عنده مبرره في النهاية، في تاريخ الشعر العربي كله القديم والحديث، القديم تحديداً، هناك نقلات نوعية في التجديد والتجريب واقتحام مناطق كانت مجهولة في التعبير الشعري منذ أبي تمام وحتى شوقي يعني ليس التجديد بدعة في هذا العصر لكل عصر أدواته التعبيرية واختلافاته على العصور السابقة وهذا لا يعني القطيعة كما أشرت وإنما يعني التواصل بالمعنى الخلاق للكلمة، أيضاً إذاً هناك محدد في الشعر تتوافر فيه شروط معينة، فهذه المحددات تؤمن بها مجموعة معينة ولا تؤمن بها مجموعة أخرى، وترى غير ذلك يعني لكل مبرره في هذا السياق، ولكن أيضاً ما يسمى بالقصيدة الحديثة هناك كم هائل منها لا قيمة إبداعية له على الإطلاق، تبقى نقاط مشرقة في هذه المرحلة التي تمتد الآن لخمسين أو ستين سنة، في مناطق مشرقة وأصيلة وحقيقية في هذا السياق التجريبي والتجديد الإبداعي المخالف للقديم في مناطق مشرقة وفي مناطق أعتقد مصيرها إلى خارج التاريخ أو إلى مزبلة التاريخ. ولكن طبعاً في كل العصور هذا يعني ليس هناك شعرية مميزة للجميع، ليس هناك تحقق شعري وإنجاز إبداعي للجميع، هناك مجموعة شعراء مجموعة مواهب هي التي تؤشر وتترك بصمتها على صفحة التاريخ وتخترق الأزمنة اللاحقة، التي نقرأها كالمتنبي وأبي العلاء، أكيد عندهم معاصرون بالمئات أو الآلاف، يعني لم يصلنا شعرهم أو على الأقل بهذا العمق، وأتصور أن هذه مسألة صالحة لكل زمان ومكان.
عريف الحفل: سؤال من الأخ صالح متعب يقول:
أعتقد أن النصوص الشعرية العمانية تختلف في جرسها وإيقاعاتها عمّا نسمعه ونقوله في الجزيرة العربية عبر التاريخ هل هذا صحيح؟
الأستاذ سيف الرحبي: ما أتصور في العمق ما أعتقد أن هذا صحيح، خصوصاً أننا نحن في الجزيرة العربية وحدة جغرافية وروحية نتحدث عن الربع الخالي لدينا إحساس بالصحراء ببعده الواقعي والرمزي، أتصور أن السعودي أو الإماراتي أو القطري أيضاً يقطن على تخوم هذا الربع الخالي، وثقافتهم أيضاً مشتركة، الثقافة التاريخية، فهناك الكثير من المناطق المشتركة في الوعي وفي الشعر وفي الثقافة، أكثر من مناطق عربية أخرى بحكم أن هذه المنطقة هي وحدة جغرافية وتاريخية وروحية، ولكن تبقى يعني حتى الأشقاء أحياناً كل أخ عنده سيكولوجيته عنده مزاجه عنده رؤيته تختلف عن الشقيق الآخر، يعني هناك تمايزات لكنها قليلة فيما بيننا.
عريف الحفل: الأخ عجلان أحمد الشهري يقول:
فهمت من بعض المتحدثين أنك تعيش حالة ملل وضجر من الواقع العربي، ألا تمر بك حالات من الأمل والإضاءات في واقعنا ومستقبلنا وما أسباب النظريتين السلبية والإيجابية؟
الأستاذ سيف الرحبي: بالنسبة إلى الواقع العربي الذي نعيشه كما يقول النشيد القومي من المحيط إلى الخليج لا أعتقد أنه في حاجة إلى توضيح أو تفسير. وبطبيعة الحال إذا لم يكن علينا أن نخترع هذا الأمل لكي نستمر أيضاً في الحياة لكي نستمر في التاريخ لكي نستمر في الكتابة، الكتابة ممارسة الكتابة في رأيي، الكتابة الحقيقية هي نفسها ضمنياً ومن دون شعارات فيها نوع من الأمل في حياة مختلفة في مستقبل أفضل، أحياناً قصيدة حتى لما تذهب في تشخيص التاريخ لأقصى حالات الفجيعة والخراب تعطي نوعاً من البهجة والفرح، لأنها عبرت بصدق عن هذه اللحظة أو عن هذه الفكرة أو عن هذه الهواجس رغم أنني لا أميل إلى ثنائيات الأمل واليأس، الحياة لحظتها تحمل في أحشائها كل هذه المتناقضات ولحظة الأمل تنجب لحظة يأس والعكس، وبالتأكيد فالحياة الإنسانية والروحية البعيدة عن الطغيان وعن الهيمنة وعن اللاإنسانية وعن اللاأخلاقية أتمنى أن تكون هي التي تنتصر حتى ولو كحلم.
عريف الحفل: الأخ سمير خوجه، يقول:
بعد أن استمعنا إلى قصيدتك وأنت تلقيها ، ألا ترى أن إلقاء الشعر يشكل أكثر من 50% في إيصال شعر الشاعر للمستمعين وإقناع المستقبل بمستوى القصيدة؟
الأستاذ سيف الرحبي: هو الواقع هناك فن الإلقاء أتصور أنه بدأ ينحسر في البرهة الحالية في العالم العربي، نتيجة لتغير طبيعة التركيب الشعري، طبيعة الصورة الشعرية صار الإيصال المنبري العالي النبرة صعباً، كأنما يقول بنية القصيدة وتركيبها لاختلاق هذه النبرة التطريبية لتحاول أن ترضي الجمهور. صارت القراءة لهذا النوع من الشعر ربما تتخذ نوعاً من حيز مختلف، حيز يميل إلى الهدوء إلى العلاقة بالصوت بالجسد أكثر مما له علاقة بالمنبر والصراخ المنبري والشعاراتي الذي ألفناه في مرحلة سياسية معينة. في إشكاليات من هذا النوع صحيح.
عريف الحفل: الحقيقة الأسئلة كثيرة، بعض منها متشابه، طبعاً الأخ عبد الرزاق الغامدي، الأستاذ سيف قال: إحدى قصائده، هناك سؤال للأخ منصور أكرم يقول:
هل لك أي قصائد رثائية في إحدى الشخصيات المشهورة أو في أحد الزعماء أو الرؤساء أو الملوك.
الأستاذ سيف الرحبي: لي ديوان أو قصيدة طويلة بعنوان ((مقبرة صلالة)) وهو رثاء لأمي فقط.
عريف الحفل: الدكتور عرفه عباس طرح سؤالين وإذا كان هناك متسع من الوقت نقول السؤال الثاني، يقول:
كيف ترى مستقبل قصيدة النثر خصوصاً عبر هذا الاشتباك النقدي الذي قدم سعادة الدكتور جميل مغربي طرفاً منه؟
الأستاذ سيف الرحبي: السؤال مهم جداً، وهو عموماً ما طرحه الدكتور جميل مغربي ومن قبله طرحه سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، فيه نقاط كثير عميقة ورائعة، وفي حاجة إلى نقاش، بالنسبة إلى قصيدة النثر ومستقبلها هناك طبعاً عدد من السجالات اللفظية التي تجري في الساحة العربية حول أحقية هذا الشكل بالحياة أو هذا الشكل، وأتصور أن ليست هناك عصمة أو مستقبل بالمعنى المطلق لشكل دون آخر، المسألة تحسم في ساحة الإبداع ماذا يضيف هذا الشكل وماذا يعجز عن الإضافة وليس هناك كما أشرت مسألة إبدالات إنه هذه قصيدة تفعيلة جاءت لتحل محل العمود الكلاسيكي وتنهيه من الوجود، أو قصيدة النثر أو ما اصطلح على تسميتها قصيدة النثر وهي تسمية أيضاً رجراجة وحاسمة، لكنها تستعمل إجرائياً هكذا أنها جاءت لتحل محل قصيدة التفعيلة وهي قصيدة المستقبل، أتصور أن هذا ضرب وتجزيم ومقولة غير معرفية وغير علمية، لأنه لا يوجد شكل يرتهن بالمطلق، هذا الشكل يحمل الكثير من النسبية وما هو مسيطر الآن أو منتشر غداً ينحصر ربما انتشاره لصالح أشكال أخرى، أتذكر هنا وهذا عبده خال ربما يتذكر معي الروائي الفرنسي من أصل تشيكي ميلان كونديرا كان يناقش مستقبل الرواية، وهنا في العالم العربي يطرحون ثنائية الرواية والشعر وأن الشعر كديوان العرب انتهى، والآن حلت محله الرواية كديوان للعرب، ميلان كونديرا يقول إنه يشكك حتى في مستقبل الرواية لأن العالم الغربي الآن وبالضرورة العالم الآخر إذا كان الغربي هكذا، إنه يتجه نحو الجمعية والقطيعية والرواية ذات سمات فردية وروحية، تنأى بنفسها عن هذه القطيعية لذلك فمستقبلها مشكوك فيه، طيب إذا كانت الرواية التي يقال عنها هي ديوان العالم الآن أو ديوان له محل من الشعر إنه مفكر وروائي كبير يمتهنها ويحترفها وهو من أكبر رموزها في العالم يشك في مستقبلها، ونأتي نحن ونطرح شكلاً على أنه هذا هو شكل المستقبل بالمعنى المطلق والحاسم والنهائي، أتصور أن هذه مقولات على الطريقة القبلية وعلى الطريقة العصبية، أي نتعصب لهذا فمعنى أنه المطلق وهو الذي يحتل العالم والتاريخ ويقصي الآخر، وأتصور أن هذه الأشياء في حاجة إلى إعادة نظر، أريد أيضاً أن يستمر النقاش حول السرد، حتى الشعر استفاد كثيراً من السرد، يعني أنا لا أزعم الآن، أنا أكتب الآن نصاً يقع في شبهة التخوم لا يمكن تصنيفه إلى شعر بالمعنى الصافي للكلمة وكتبت كتابات من هذا النوع متعددة، ولا يمكن تصنيفها إلى رواية أو قصة بالمعنى المنجز والصافي للكلمة، شبهة التخوم هذه صار النص يستفيد الشعر من الرواية والرواية تستفيد من الشعر، والرقعة الشعرية اتسعت مساحتها بحيث تشمل مناطق كان الشعر ينأى بنفسه عنها، فهذه المسألة تجعلنا أيضاً نعترف ونستفيد من إثراء الفنون لبعضها من غير ذلك التحيز العصبي غير المبرر.
عريف الحفل: نختتم بسؤال للأخ سامي عوده، وهو يسأل عن موقع الإنترنت إذا كان لديك موقع إنترنت.
الأستاذ سيف الرحبي: نعم هناك موقع للمجلة ومواقع شخصية موجودة.
الدكتور جميل مغربي: يبدو أننا كالنوارس حططنا معاً على منطقة متقاربة، القصيدة تمليها لحظات الإبداع كما أنني مؤمن مع أخي الأستاذ سيف الرحبي بأن الشاعر لا يتجاوز أن يكون بوتقة تنصهر فيها كل تلك التراكمات والعطاءات الشعرية التي يحملها على مدى أزمنة سواء امتد رأسياً أو امتد أفقياً ، أكرر باسمكم الترحيب والشكر لأخي الأستاذ سيف على حضوره وعلى إتحافه لنا في هذه الليلة الجميلة، وأكرر الدعاء لراعي هذه الاثنينية على احتفائه بمثل هذه الشخصيات وأشكر لكم حضوركم ومشاركتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :635  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج