شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(الحلقة الرابعة)
الاتفاق الدفاعي:
- قلنا إن حكومة جلالة الملك كانت لها مقاصد حسنة نحو اليمن، فكانت تتجنب معه كل ما يحدث منه شقاق أو نزاع أو تكدير في الخواطر، فلذلك أخذت تسعى لعقد اتفاق دفاعي مع اليمن فأوفدت لهذا الغرض محمد بن ضاوي يحمل كتاباً من جلالة الملك إلى سيادة الإمام يحيى تاريخه 8 جمادى الثانية سنة 1351هـ يتضمن أربع مواد:
1- تثبيت الحدود بين الجانبين بشكل واضح.
2- عقد اتفاق دفاعي للمساعدة في جميع المواقف العدوانية الداخلية والخارجية.
3- يكون هذا التعاقد ساري المفعول على الحكومتين وورثائهما.
4- تحديد صلاحية أمراء الجانبين ومساعدة بعضهم البعض فيما هو ضمن صلاحياتهم -وصل الرسول إلى صنعاء ورجع منها يحمل جواب سيادة الإمام، وتاريخه 7 رمضان 1351هـ ومضمونه استعداده بقبول المفاوضة في الأربع المواد وطلبه إيفاد من يبحث معه في ذلك.
الوفد إلى صنعاء:
وفي أوائل صفر عام 1352هـ سافر وفد الحكومة من جيزان ووجهته صنعاء فوصلها في السادس منه، وعقد عدة جلسات مع مندوبي اليمن أولها يوم الاثنين 17 ربيع الأول 1352هـ فكانت مطاليب اليمن تلقى فيه كالقنابل الأمر الذي أدَّى إلى حبوطه..
وإلى القارئ الزوبعات التي أثارها مندوبو اليمن في صنعاء:
1- أنكروا تصديق معاهدة 5 شعبان 1350هـ في أول الأمر ثم قالوا مرة ثانية إنهم أحرار إن شاؤوا اعتبروها وإن شاؤوا رفضوها (1) .
2- طالبوا بإعادة أملاك الإدريسي وأمواله.
3- طالبوا بإعادة مقاطعة عسير بحجة أنها يمانية، وأن الإدريسي كان مغتصباً لها، وقد زال، وزواله يقضي بإرجاعها (2) .
4- طالبوا بإعادة نجران لأنها يمانية ويحكمها أئمة اليمن (3) .
5- طالبوا بمن قتل من اليمانيين في تنومة (4) .
- هذه بعض الزوبعات التي أثار رياحها مَنْ في اليمن، حالة كون وفد الحكومة العربية السعودية لم يخرج في مفاوضاته عن بحث الأربع مواد التي جاء من أجلها والتي على أساسها حصل الاجتماع، وسنتكلم عن كل قسم بمفرده بعد أن نذكر ما عومل به الوفد من معاملات لا ترضاها شيمة العرب، ولا يقرها القانون الدولي العام، ولا تتفق ومجاملات الضيافة.
معاملة الوفد:
المجاملة من حيث هي شيء قضيت به المصالح فإذا جاملتني وجاملتك فمعناه أنك تريد أن يكون حبل الود بيني وبينك متصلاً، والعكس بالعكس؛ ومجاملة الدول بعضها البعض أمور ضرورية قضت بها مصالحها السياسية، فمجاملة وفد مرسل من دولة مستقلة ذات سيادة أمر ضروري وبالأخص إذا كان يسعى لغاية شريفة ولكن مَنْ في اليمن تعمدوا إهانته وحجروه كمن ارتكب جريمة وحكم عليه بالقصاص. إن أول صدمة صُدم بها الوفد هي أنه ما كاد يخرج من حدود حكومته ويدخل حدود اليمن من جهة ميدي حتى شاهد معالم الزينة قائمة ابتهاجاً باحتلال نجران. فوفد أتى من حكومة تسعى لغاية شريفة ضحَّت لليمن من أجلها بكثير من حقوقها، وغضَّت عينها على كثير من أذاه أملاً في التقرب منه، لا نظن أنَّ من اللياقة أن يجابه في أول مقدمه بمثل هذه المجابهة. أثَّر ذلك في نفس الوفد أشد التأثير ولكنه سار في طريقه نحو الغاية التي يرنو إليها مؤملاً أنه متى وصل إلى صنعاء يسعى في حل المشاكل بروح الود والإخلاص ولكنه ما كاد يصل إلى صنعاء حتى وُضع تحت المراقبة الشديدة التي لا يوضع تحتها إلاَّ من ارتكب جرماً. لم يقتصر الأمر على هذا بل تعداه وبقي الوفد محروماً من المفاوضات التي جاء من أجلها أربعين ليلة (وصل الوفد 6 صفر وبدأ في المفاوضة 17 ربيع الأول). وزاد الطين بلَّة أنه مُنع من رفع برقياته إلى حكومته من حيث لا يدري. والغريب أن حجة مَنْ في اليمن في هذا العمل الأخير أن طائر هواء الحديدة غير صالح، وقد جاء هذا العذر صريحاً في برقية سيادة الإمام يحيى لجلالة الملك تاريخ 13 ربيع الثاني 1352هـ. وإلى القارئ ما جاء بهذا الصدد: ((أمَّا ما أشرتم إليه من شأن تأخر تلغرافات وفدكم إلى حضرتكم فذلك واقع، وكان قد رفع إلينا الوفد، وكان منا سؤال القاضي عبد الله العمري فأفاد أن طائر هواء الحديدة غير صالح)) (5) .
أنقل عذر من في اليمن والحزن يقطع فؤادي لأنه عذر احتمال ويا للأسف:
1- إذا فرضنا أن طائر هواء الحديدة غير صالح فقد كان في إمكان حكومة اليمن أن تخبر الوفد بذلك بدلاً من أن تحجز برقياته وهو لا يعلم ذلك.
2- لقد كان في إمكان حكومة اليمن إرسال برقيات عن طريق الحديدة.
3- إن حكومة تريد أن تعاون حكومة تسعى لغاية شريفة لا يعجزها أمور كهذه ويمكنها أن تتداركها بتدبير بسيط.
رجوع الوفد:
رأى الوفد ما رأى وسمع حديث الرجال المسؤولين في اليمن وعرف مطالبهم الأشعبية، وعومل بأقسى أنواع المعاملة وأُمطر بقنابل المطاليب الغير منتظرة فعلم أن الغاية التي يسعى إليها من في اليمن يبتعدون عنها وأن الأمور على أشدها، وأن بقاءه لا يزيد الأمور إلاَّ تعقيداً، والرأي العام العربي السعودي إلاَّ هياجاً واضطراباً، فرأى أن أحسن حلٍّ للموضوع الرجوع إلى بلاده وترك الموضوع لحكمة العاهلين، فطلب السماح له بالعودة بكتاب تاريخه 26 ربيع الأول، فلم يُجب عليه إلاَّ في 2 ربيع الثاني ومضمونه ضرورة الانتظار، وهذا شيء جديد في تاريخ علاقات الدول السياسية. بقي الوفد في انتظار سماح العودة حتى 12 ربيع الثاني فسمح له بالرجوع فرجع وهو يحمل في حقائبه عكس ما كان يسعى إليه.. ففي ذمة التاريخ.
مطاليب اليمن:
يرجع حبوط مؤتمر صنعاء لما كان يثيره مندوبو اليمن من المطاليب، فقد طلبوا الخمس المطاليب المتقدمة سعياً لهبوط المؤتمر، ويجدر بنا ونحن ندوّن حقائق تاريخية أن نبحث مطاليب اليمن الخمس إظهاراً للحقائق لا أكثر ولا أقل.
إنَّ مطاليب اليمن في حدّ ذاتها بعيدة كل البعد عن المقاصد الأساسية التي ذهب الوفد من أجلها، ونخجل أن نقول إنها بعيدة كل البعد عن الحق والإنصاف أيضاً لأنه غير معقول تنازل حكومة ذات سيادة عن قسم من أراضيها -مثل عسير ونجران- بدون أسباب مشروعة تسوغ ذلك وتجيزه؛ ولما كان من في اليمن ذكروا المسوغات التي بموجبها طلبوا مطاليبهم، فقد رأينا أن نمحصها معتمدين في ذلك على الحقائق التاريخية، وللقارئ أن يقرأ ثم يحكم بعد ذلك.
1- المعاهدة:
أنكر مندوبو اليمن تصديق معاهدة 5 شعبان 1350هـ في الجلسة الثانية المنعقدة في يوم الأربعاء 19 ربيع الأول 1352هـ، وفي جلسة 24 ربيع الأول صرحوا بأنهم أحرار في اعتبار معاهدة شعبان أو رفضها.
هكذا أنكروا تصديق المعاهدة إنكاراً باتاً، وقد علم كل من تحت السماء بخبرها، ونشرتها أغلب الصحف العربية والإفرنجية، وبالطبع فقد اطلع من في اليمن عليها، وإلاَّ فأين كانوا؟!
بعد هذا الإنكار اعترفوا بها إلاَّ أنهم جعلوا هذا الاعتراف مبنياً على المصلحة.
قال مندوبو اليمن: ((المعاهدة التي تشيرون إليها لا نعتبرها معاهدة بل إننا عملنا بمقتضاها حسب المصلحة ونحن أحرار إن أردنا اعتبارها أو أردنا رفضها)) (6) .
هكذا المعاهدات في نظر من في اليمن قصاصة ورق، وتطبيقها يسير مع مصلحتهم، فاليوم الذي يكون من مصلحتهم قبلوها ونفذوها، واليوم الذي يكون من مصلحتهم رفضها وعدم اعتبارها رفضوها ولم يعتبروها، فليقرأ القارئ وليحكم، ويعلم الله أننا خجلون مما نسطره لأن من في اليمن منَّا وإلينا، ونحن وهم كما قال الشاعر:
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
2- أملاك الإدريسي وأمواله:
طالب مندبو اليمن بإعادة أملاك الإدريسي وأمواله وزيادة مخصصاته ولا نعلم ما هو المسوغ الدولي الذي يجيز لمن في اليمن مثل هذا الطلب، ولا نعرف ما هو القانون الذي يسوغ لمن في اليمن التدخل في الشؤون الداخلية، لا نعرف هذا، ولا نعلم ذاك، والقانون الدولي العام يحرم مثل هذه الأشياء. إن الحكومة العربية خصصت للمجرمين الهاربين إلى من حركهم على الانتفاض ((ألفين وخمسمائة)) ريال شهرياً حبًّا في التقرب من اليمن وسعياً لرتق شقوق الفتنة، لا لكون ذلك واجب عليها دفعه. والغريب أنه في الوقت الذي كان مندوبو اليمن يطالبون بمثل هذا الطلب كان الإدريسي يتجول في أطراف الحدود لإثارة الفتنة وإحداث الفساد. فهل من العدل أن يقابل مثل ذلك الإحسان بمثل هذا الصنيع؟
وهل هذا في خير العرب وقضيتهم؟
اللَّهم إن هذا باطل لا يرضيك.
للبحث صلة، مكة: متألم
 
طباعة

تعليق

 القراءات :429  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 153
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج