شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة - 1 -
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها زئير الرياح وهي تسفي والرعود والبروق والعواصف والزوابع وعويل النساء وبكاء الشيوخ والشباب وصراخ الأطفال ثم أصوات مدوية مخيفة مختلطة بأصوات وسقوط منازل.. وأخيراً نسمع صوتاً كأنه صادر من مكان سحيق).
الصوت: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (شماخ) يقول):
شماخ: يا قوم.. لعلكم سمعتم بالعذاب الذي صبه الرب على قوم (عاد) لما كذبوا ما جاء به رسولهم (هود)..
صرواح: يا ليت البلاء اقتصر على قوم (عاد).. ولكنه عم بلاد الأحقاف جميعها والبلاد المجاورة فزحفت الرمال فغطت المدن والقرى وأهلكت الحرث والنسل...
شماخ: هذا جزاء من يكذب أنبياء الله ورسله..
صرواح: نعم يا شماخ.. نعم.. ولكننا الآن في جهد وبلاء وكرب من القحط والجدب.. واستدامة الرياح الساقية والرمال الزاحفة..
شماخ: ما الرأي إذن... اشيروا علي..
صرواح: الرأي أن نرحل إلى الشمال حيث الكلأ والعشب والماء العذب...
شماخ: أتوافقون أيها القوم...
أصوات: موافقون.. موافقون..
* * *
(وأخيراً نسمع صوت الشيماء ابنة الشماخ تقول):
الشيماء: لا أدري هل يطول بنا السرى يا (زرود).. وإلى أين نحن ميممون؟؟
زرود: إلى الشمال.. إلى مواطن الخيرات والثمرات.. لقد سمعت أبي يقول هذا.
الشيماء: وصراخ الطفولة ومراتع الصبا.. والليالي الحافلة بالبهجة والطرب والأنس والصحب لمن نتركها؟ لمن يا (زرود).. لمن؟؟
زرود: قد يعوضك الله بأحسن منها في بلاد الشمال.
الشيماء: وهل هناك شيء أعز على المرء من وطنه.. قد تعوضين المال والمتاع ولكن الوطن لا شيء يسد مكانه...
زرود: إذا كنت حزينة بهذا القدر على وطنك فاذهبي لأبيك واقنعيه بالبقاء.. فربما تتغير الأحوال.. وتعود سنيَّ الخصب إلى سابق عهودها...
الشيماء: لقد قررت العشيرة بأجمعها الرحيل ووالدي واحد منها ولا يمكن أن يشذ عن رأي الجميع.
زرود: إذن فما قدر يكون...
الشيماء: أجل يا زرود.. أجل..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الحادي يغني..)
الغناء:
يا ساريا وسواد الليل يخفيه
وهائماً وبياض الصبح يغشيه
يستمطر الدمع من برح الفراق فلا
دمع يهدهد آلام الهوى فيه
حيران في مهمة الأقدار تنشره
بيد وبيد من الأشجان تطويه
لم تبق فيه تباريح النوى رمقا
إلا شعاعاً من الذكرى يناجيه
تبكي الشيماء بصوت مسموع فتقول لها (زرود):
زرود: سيدتي (الشيماء).. لم تبكين.. ماذا أصابك.. قولي بربِّك قولي...
الشيماء: لقد أهاج الحادي أشجاني وذكرني بالديار والمغاني فإذا بي - من دون وعي أبكي وسأظل أبكي.. حتى ينضب دمعي...
زرود: هوني عليك مولاتي فقد يغضب مولاي والدك إذا ماعلم بالأمر...
الشيماء: أني أكره الاغتراب (يا زرود)... ولا سيما ونحن نسير نحو مصير مجهول...
زرود: من يدري فقد يكون من حسن إلى أحسن...
الشيماء: وقد يكون من سيء إلى أسوأ...
زرود: أني لا أدعي العرافة أو الكهانة يا مولاتي.. ولكني دائماً متفائلة... لا يعرف التشاؤم إلى قلبي سبيلاً...
الشيماء: يا ليت لي مثل ما أوتيت يا (زرود)....
زرود: تستطيعين أن تكوني كذلك بقليل من العزم وقوة الإرادة..
الشيماء: سأجرب.. سأحاول.. وسأرضى بما قدره الله...
المنادى: يا قوم... يا قوم... أميركم الشماخ يأمركم بالنزول في هذا المكان.. فانزلوا على بركة الله....
* * *
(نسمع رغاء الإبل ووقع حوافر الخيل وأصواتاً تعلو وتنخفض ثم سكون يتخلله عواء بعض الذئاب ونباح بعض الكلاب... وأخيراً نسمع صوت اثنين يتحدثان هما: (جراد) و(قراد))..
جراد: انظر يا (قراد).. لقد أمتلأ سهلنا الفسيح بالنازلين فمن أين جاؤوا؟ ومتى أناخوا؟..
قراد: لا أدري وحق الآلهة.. ولكن منازلهم تدل على أنهم من عرب الجنوب..
جراد: لقد خرجنا في هذا الليل البهيم بغية السطو والنهب فما رأيك أن نعدو وننهب ما تصل إليه أيدينا من مواشيهم وأمتعتهم ولاسيما وقد خرجنا لهذه الغاية...
قراد: لست معك يا جراد.. إن هؤلاء أصبحوا ضيوفنا ولهم علينا حق الحماية والرعاية وفي الصباح نخبر شيخ عشيرتنا بأمرهم..
جراد: فليلكن ما تريد.. هيا بنا نلتمس صيداً آخر...
(نسمع صوت الديكة وزقزقة العصافير إيذاناً بطلوع الفجر كما نسمع ثغاء الماشية ورغاء الإبل.. وتحركات الصاحين والغادين والرائحين.. وأخيراً نسمع صوت (زرود) تقول):
زرود: أنعمت صباحاً سيدتي...
الشيماء: وصباحك يا زرود...
زرود: هيا بنا سيدتي نستمتع بجمال هذا السهل الفسيح وواديه الذي تنتشر على جنباته أشجار الأثل وتترامى على بساطه واحات النخيل...
الشيماء: ما هذا يا (زرود) ما هذا.. أرى المنظر راعك فهزك فانطلقت أحاسيسك من عقالها تجسد لك هذا الجمال وإذا بلسانك يستنطق هذه الصور الخلابة ببيان هو السحر الحلال...
زرود: وحقك يا سيدتي لا أدري من الذي استرقه هذا الجمال واستثاره فانطقه بهذه العبارات التي تسيل رقة وعذوبة... (تضحكان).
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الشماخ يقول):
الشماخ: صرواح... صرواح...
صرواح: نعم أيها الأمير...
الشماخ: لا مقام لنا في هذا المكان بعد أن أنذرنا أهله وخيرونا بين الرحيل أو الحرب والنزال..
صرواح: أنهم قوم أنذال.. لو أقطعونا هذا السهل لجاورناهم وكنا لهم خير الجوار..
الشماخ: لقد أمهلونا ثلاثة أيام... وأنها لأجل قصير.. أعلن الاستعداد للرحيل ليأخذ قومنا في أسبابه...
صرواح: وإلى أين نتجه يا مولاي؟؟؟
الشماخ: إلى الشمال.. إلى الشمال.. حيث يسكن بنو عمنا الكنعانيون الذين هاجروا إلى هناك واستوطنوا فيها منذ أمد طويل..
صرواح: يا قوم.. يا قوم... أميركم يأمركم بالاستعداد للرحيل إلى فلسطين.. صباح الغد...
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (زرود) تقول):
زرود: لعن الله أصحاب هذا السهل.. أنهم لئام أدنياء.. ما ضرهم لو أنزلنا وساعدونا في محنتنا هذه.. وهونوا علينا وعثاء السفر والانتقال من مكان إلى مكان...
الشيماء: ولكن المنادي عين المكان الذي سنرحل إليه أنه فلسطين.. اسم لطيف.. حبيب إلى النفس...
زرود: ولكن الوصول إليها شاق وعسير...
الشيماء: وكيف عرفت ذاك يا (زرود)؟؟
زرود: كنت قبل أن تشتريني يا سيدتي جارية لأحد التجار الذين ينقلون التوابل والعطورات الهندية من الجنوب إلى الشمال حيث تقع فلسطين...
الشيماء: حديث جميل أكملي يا (زرود)..
زرود: وكان هذا التاجر يتحدث عن المصاعب والمتاعب التي يلقونها من الأقوام التي تعيش على هذه الطريق فكم من مرة تعرضت قوافلهم للنهب والسلب..
الشيماء: إذن سنتعرض لمثل هذه المشاق والمخاطر...
زرود: أجل سيدتي.. أجل.. ولكن رجال العشيرة سيدفعون عنا هذا البلاء إذا ما تعرضنا له...
الشيماء: وسيكون الثمن غالياً.. وهل تستأهل فلسطين كل هذا يا (زرود)..
زرود: لا أعرف عن فلسطين شيئاً إلا عن طريق السماع يا سيدتي...
الشيماء: وماذا كنت تسمعين؟؟
زرود: كنت أسمع من التاجر وصحبه من التجار الذين زاروا فلسطين أنها بلد جميل، فيه الجبل والسهل.. والشجر والنخل والأودية السحيقة يتخللها نهر وفيها بحيرات حلوة ومالحة ولها ساحل طويل على البحر...
الشيماء: إذا صح ما كنت تسمعين فإن فلسطين بلد تشد إليها الرحال والمشقة تهون في سبيل الوصول إلى الشيء الجميل...
زرود: لو لم تكن فلسطين بلداً طيباً وجميلاً لما استوطنه أهلوك من قبل...
الشيماء: أتعنين الكنعانيين...؟؟
زرود: أجل سيدتي... أجل...
الشيماء: إن الكنعانيين هاجروا إلى الشمال منذ زمن بعيد.. والأخبار التي كانت تأتينا عنهم أنهم أسسوا ملكاً في فلسطين وجلق... ولكن..
زرود: ولكن ماذا سيدتي؟؟
الشيماء: كانوا في حروب مستمرة مع الغزاة التي يعبرون فلسطين في طريقهم إلى مصر أرض الفراعنة...
زرود: الحياة صراع يا مولاتي... ولذتها في هذا العراك المستمر، والسكون نذير الموت والفناء.
الشيماء: ما كنت أظنك بهذا القدر من المواهب والمعرفة الواسعة يا (زرود)...
زرود: شكراً لسيدتي على هذا الإطراء... لقد جمعت هذه المعرفة من مجالس سيدي السابق التاجر السبأي فقد كان مجلسه يضم أصنافاً مختلفة من الناس... منهم الهندي، والمعيني، والسبأي والفلسطيني...
الشيماء: إننا نحن عشائر ((اليبوسيين)) لم نمتهن التجارة كما يفعل المعينيون والسبأيون وعرب الشمال عُنينا بالزراعة وتربية المواشي.
زرود: هذا ما لاحظته يا مولاتي منذ وطئت قدماي أرض (اليبوسيين)..
* * *
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (الشماخ) يقول):
الشماخ: صرواح... صرواح....
صرواح: مولاي...
الشماخ: رأيتك تتحدث مع أناس يلوح لي أنهم رفاق طريق...
صرواح: بلى أيها الأمير..
الشماخ: من أي بلد هم؟؟....
صرواح: إنهم تجار فلسطينيون عائدون إلى بلادهم موسوقين بتوابل الهند وعطوره وخزه وحريره....
الشماخ: ومن أي الأقوام هم؟؟...
صرواح: يقولون أن أسلافهم من العرب...
الشماخ: ولكني لا أعرف فيما قرأت أو سمعت عرباً أسمهم الفلسطينيون...
صرواح: لقد سألتهم نفس السؤال فأجابوا...
الشماخ: وبماذا أجابوا؟...
صرواح: إن قوماً من سواحل البحر الأبيض يسمون بالفلسطينيين ينتمون إلى أصل يوناني احتلوا بلادهم التي كانت تسمى أرض الكنعانيين وصبغوا هذه البلاد بحضارتهم ومدنيتهم وعاداتهم وتقاليهم، ولما طردهم الكنعانيون منها ظل اسم فلسطين باقياً...
الشماخ: قل لهم يا (صرواح) أنهم في حمايتي.. وأننا نطلب مقابل ذلك أن يكونوا ولاءنا في طريقنا إلى فلسطين...
صرواح: بورك فيك أيها الأمير..
الشماخ: دع المنادي يعلن أننا سننزل في هذا المكان للراحة من وعثاء السفر...
* * *
نسمع بعده (جراد وقراد) يتحدثان:
جراد: لقد تبعنا قافلة التجار الفلسطينين ونحن نمني أنفسنا بصيد ثمين.. وها هم يريدون أن يفوتوا علينا الفرصة باحتمائهم (بالبيوسيين)...
قراد: ما العمل إذن يا جراد...
جراد: أرى أن تستعد القبائل المجاورة، ونغريهم بمهاجمة (اليبوسيين).. وعندما يحتدم القتال بين الطرفين نركز هجومنا على مكان بضائع الفلسطينيين..
قراد: فكرة جهنمية يا (جراد) هيا بنا نستعدي القبائل المجاورة...
الشماخ: الليلة بردها قارس يا بنيتي ورياحها لها زئير وعويل...
الشيماء: أننا ندخل المناطق الشمالية والبرد بها قارس كما تعلم يا ابتاه...
الشماخ: لا أدري يا بنيتي كيف يستطيع قومنا الاستيطان في هذه البلاد الباردة...
الشيماء: في سبيل الحياة تهون الصعاب يا أبتاه، وقد سبقنا أبناء عمك إلى سكني هذه الديار...
الشماخ: بلى... بلى... سيعتادون هذا الزمهر على مر الأيام كما اعتاد أسلافهم اذهبي بنيتي إلى فراشك وسأوقظ صرواح كي يرافقني لتفقد أحوال العشيرة في هذه الليلة القاسية..
الشيماء: حرسك الرب ووقاك...
الشماخ: صرواح! صرواح! قم معي.. قم معي...
صرواح: إلى أين أيها الأمير...؟؟؟؟
الشماخ: لنتفقد العشيرة فالليلة شديدة البرودة وقد يكون بين العشيرة من هم بحاجة إلى عناية ومساعدة...
صرواح: ولكن حراسنا يقومون بواجبهم خير القيام....
الشماخ: صحيح.. ولكن الحراسة في هذه الليلة تختلف عن بقية الليالي.. فربما ترك بعض حراسنا مراكزهم وآووا إلى منازلهم خشية البرد وهم مطمئنون من عيون الرقباء..
صرواح: ما الأمر يا مولاي...
جراد: يا قوم أمامكم منازل عرب الجنوب.. وهذه مواشيهم وركائبهم تملأ هذا السهل الفسيح...
قراد: إني أخشى أن يوقظ نباح الكلاب أفراد العشيرة فنبوء بالفشل يا جراد..
جراد: إنهم يرقدون في فراشهم الوثير وقد غطوا آذانهم من شدة البرد ولكن لن يعرفوا بما يحدث إلا بعد أن نكون قد أخذنا نصيبنا وافراً مما لديهم...
قراد: إذن فلتكن المباغتة السريعة سلاحنا الفتاك في هجومنا ولاسيما ونحن قلة بالنسبة لعديدهم...
جراد: هيا يالقوم... استعدوا وانتظروا مني إشارة الهجوم...
الشماخ: صرواح... صرواح...
صرواح: سيدي...
الشماخ: إن نباح الكلاب غير عادي...
صرواح: لعلها احست نبأ اقتراب بعض الذئاب...
الشماخ: ولكن للذئاب عواء قبيل هجومها...
صرواح: سيدي... ستخبر الأرض أذني إذا كان هنالك ذئاب أم قطاع ليل...
الشماخ: أفصح بسرعة فقد اشتد النباح يا صرواح...
صرواح: مولاي... إني أسمع دبيب أقدام كثيرة... ليست على أي حال دبيب أقدام حيوانات....
الشماخ: أيقظ من يكون في جهتك من الرجال وسأتولى أنا إيقاظ رجال الجهة الأخرى وأفهمهم ألا يأتوا بأية حركة إلا عند هجوم المعتدين...
صرواح: أمرك يا مولاي..
الشيماء: زرود... زرود...
زرود: مولاتي...
الشيماء: خرج أبي لتفقد أحوال العشيرة ولما يَعُدْ بعد... إني أخشى أن يصيبه مكروه في هذه الليلة الباردة ونباح الكلاب فيها شديد...
زرود: لا تخافي مولاتي إن (صرواح) معه وهو من الشجعان المشهورين...
وأخير نسمع صوت ((جراد)) يقول:
جراد: هيا يا قوم... هيا...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1139  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.