شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمَة أخيرة...
توظيف الشاعر عبْد الله بلخير التاريخ العربي الإسْلامي في أعمال أدبيّة إبدَاعيّة ملحميّة
"ستظل السنَّة المطهرة قولاً وفعلاً وجواً وسلوكاً خير زاد فكري وروحي- بعد القرآن- للإِنسان. فهي متعطرة بعظمة الأنبياء، وقدوة الرجال، وصفوة الأعمال، وروحانية المثل والمبادىء والمواقف.. تمتلك الذهن والوجدان، وتشحن المشاعر والأحاسيس بفيض الإِيمان، وتغسل كدر القلوب مما علق بها من أطماع الإِنسان، وشغفه بمغريات الحياة المادية ونعيمها الزائل. ستظل سيرة الرسول العظيم أشرف السير، وأفضل الدروس والعبر، وخير ملهم لتجديد العزم واستمرار المثل والقيم، وأنقى مادة يستوحي منها الأدباء أعمالهم الإِبداعية.
وما أحوج القارئ العربي اليوم أن يستريح إلى السيرة النبوية، وسيرة أفذاذ تاريخنا العربي الإسلامي.. ويعيد قراءتها، ويقف عند حدودها المضيئة المشرقة.
وإذا كان القارئ أديباً مبدعاً - كشاعرنا الملحمي عبد الله بلخير- فستكون له تلك الوقفات دافعاً فياضاً لابتكاره، وألقاً ساطعا لفنه وعمله.. لأنه في وقفاته سيتمثل ما في إشعاع التاريخ من حرارة وتوهج.. فتبعث فيه عالماً تمتد فيه الجذور، وتقام فيه الجسور، وتنصب في عروقه وشرايينه القنوات والترع، لتوصله أخيراً إلى عالمه المعاصر، وحياته المعاصرة، وواقعه الحالي. فيبدأ ببناء هذا الواقع مشيداً أسسه؛ وقد تكامل ذلك البنيان، وشمخ وتحدى كل الأعاصير، وحقق غايته التي من أجلها أقيم وأشيد. وما مرد ذلك الكمال إلاَّ لمحافظته على الاتصال والامتداد، بين الجذور المتغلغلة في أعماق التاريخ والتراث المضيء.. وبين أرض الواقع، وما ينز بين ذرات ترابه من سبخ وشح وجفاف.
لذلك تصبح الأسماء التاريخية ومواقفها وأحداثها وإشراقاتها.. رموزاً أصيلة، وتظل تفجر في وجدان المبدع - شاعرنا الملحمي عبد الله بلخير- أبلغ المعاني والدلالات الشعورية والفنية.. وسيتخلى المبدع المعاصر - كما تخلى شاعرنا- عن تلك الأسماء المستوردة التي ليس لها دلالات ومؤثرات إلاَّ في وجدان أهلها وتاريخهم وأرضهم.. لأنها تنبع من سحيق أساطيرهم ومعتقداتهم وأخلاقهم.
أجل سيتخلى المبدع العربي المعاصر الأصيل - مثل شاعرنا عبد الله بلخير- عن ذلك الإِغراق الرمزي الأسطوري الذي راح يعج به أدبنا العربي الحديث.. وسيتَّجه - في الوقت نفسه- إلى الرمز العربي الإِسلامي المنير، ذي الجذور المتنامية في الأعماق.
ولو كان للمبدعين الغربيين ما للعرب المسلمين من تاريخ إسلامي صاغ صورته المتألقة ربُّ الكون، لأقاموا الدنيا وأقعدوها.
ونحن في هذا المقام لا ندعو إلى الانفصال عن الحضارات الأخرى، أو ندعو إلى نبذ تمازج الثقافات بين الشعوب -لأنَّ من سمات العصر اليوم هي سرعة ذلك التمازج والتقارب- ولكن على أساس ألاَّ تكون ثقافة الآخرين ومصدر فكرهم وإبداعهم ورموزهم وأساطيرهم وحضاراتهم.. هي في المقام الأول، وشؤوننا وممتلكاتنا الثقافية والحضارية في المقام الثاني. بل الأصالة والحق والصواب أن تكون رموز مقدساتنا وسيرة نبينا وصحابته وأعلام تاريخنا الفذ هي في المقام الأول، وما عداه يكون في المقام الثاني.
وإني لأدعو دوماً إلى مثل هذه الدعوات في توظيف التاريخ العربي الإسلامي الملحمي، وبكل ما يتضمنه من رموز وإشارات ودلائل، في أعمال أدبية إبداعية. وإن حَسُن مثل ذلك التوظيف على يد أقلام أصيلة مبدعة -كصنيع شاعرنا الملحمي عبد الله بلخير- فسيكون عاملاً مشجعاً لكل المبدعين الآخرين، بصرف النظر عن اتجاههم الفكري والأدبي والفني، وبصرف النظر عن انتمائهم المرحلي لجيل من الأجيال.
وإذا كنا نرى صفوة من المفكرين والأدباء العرب عامة، والسعوديين خاصة، يتجهون اليوم في مؤلفاتهم وإصداراتهم ومقالاتهم صوب السيرة النبوية وأعلام الصحابة وأحداث التاريخ الإسلامي، فإنه ليس ذلك الاتجاه الأمثل الذي نريده، مثلما وجدناه عند شاعرنا الملحمي عبد الله بلخير.. الذي يملك القدرة العجيبة على توظيف التاريخ العربي الإسلامي الملحمي في عمل إبداعي فني أصيل.
وإننا لنرجو في إحيائه للأصالة الدينية والتاريخية أن يدفع ببعض المبدعين إلى النهل من أغنى وأثرى نبع روحي وفكري ووجداني في عملياتهم الإِبداعية والفنية " (1) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :617  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.