شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خامساً: الحسّ الفَنِّي
سنعرج على هذا الجاذب الفنِّي من ملاحم الشاعر عبد الله بلخير وشاعريته في القسم الأخير من الكتاب. ولكننا نقول في ملحمة مؤتة: لقد كان الشاعر في بعثه للتاريخ الإِسلامي الأول، يعيش في قلب هذا التاريخ.. فقد تقمص كل أبعاده وأجوائه، وحلت في نبضه وحسِّه، فأفعمت روحه الشعرية بلهيب ملحمي.. كان الشاعر بارعاً في تحويل تلك اللحظات التاريخية المتأجِّجة إلى حسّ فنِّي جميل، يستوعب كل آمادها، لتحتويها صياغات فنِّية، ترسم الجو الملحمي بالغمر العاطفي حيناً، وبالصورة الأدبية المجنحة حينا آخر؛ وقد تندغم العاطفة بالخيال لتشكل إطاراً فنياً يتوج عمله الإِبداعي.
فإن أراد الشاعر أن يعبر عن اللحظات التي استجاب فيها المسلمون لدعوة الرسول إلى الجهاد، وتجمعهم في ضواحي النخل في تلال الجرف وقد غصَّ بالرايات.. فإنه يقول عن هذا المكان:
كأنه أفق بالنـور قـد عُصبـت
ذراه عند بزوغ الفجـر فابتسمـا
أو حين يصور تمركز جيش زيد بن الحارثة في أرض مؤتة بعد أن رمى راياته وشيَّد عليها الخيم فيقول:
فأصبحت وعوادي خيله حلق
من حولـه جعلتهـا للربى حزمـا
كأنها عارض سدت غياهبه
آفاق مؤتة في رعد قـد اضطرمـا
أو يقول وقد سقط جعفر بن أبي طالب شهيدا:
فخر كالكوكب الهاوي على أفق
ليلا ينيـر على أرجائـه الظلمـا
وقد وردت مثل هذه الصور في مواضع عديدة من الملحمة، كمـا وردت مثلها فيما مرَّرنا به من خلال استشهادنا ببعض النماذج الشعرية، وكلها صور واضحة غير معقدة تلمع مدلولاتها في الوجدان سريعا لمعان البرق:
بدا يكبر كالرعد المجلجل في
سحابه يتوالى برقه زخما
ومهما تعقدت الصورة، فإنها لا تتعدى مثل قوله في المقطع الأخير من الملحمة وهو على تلال مؤتة حين زارها، وقد بدت له مشرقة بنور آثار الفاتحين:
وقد أعارت روابيها مجرتها
شالاً على كتفيها بالسنا نجما
كما أن حسّ الشاعر الفني يتبدى لنا من خلال تعامله مع أسماء أعلامه من رجال وأماكن، كما بيَّنا ذلك، وفيها الكثير من الرموز والدلالات التي تضيف الكثير من المعاني لعالمه الملحمي..
بالإضافة إلى ما يدبج شعره بها من قبسات قرآنية وشعرية.. كاقتباس وتضمين وتلويح.. وكلها سيكون لنا وقفة عندها في دراسة الرسم الفني والشاعرية لدى عبد الله بلخير.
وهكذا فإن ملحمة مؤتة لشاعرنا، فيها الكثير من الخصائص الفكرية والموضوعية والتعبيرية الأخرى التي لم نقف عندها، وتحتاج منا ومن غيرنا إلى وقفة طويلة.. فيها على سبيل المثال لا الحصر: موضوع دور السفراء في رسالة محمد. وموضوع دور المرأة في غزوات الرسول، أو موقفها من الرجال في الحروب، وحكمها على مواقفهم البطولية أو الانهزامية.
على أن أبرز فكرة أو موضوع ساد الملحمة هو: بطولة الرعيل الأول من الصحابة، واستبسالهم في سبيل الله، وتساقطهم شهداء.. من جراء دور الرسول الأعظم في تربيته التربية الإسلامية المثلى؛ وليكونوا جديرين بأبطال الملاحم الإسلامية الخالدة.
وإذا كانت غزوة أو ملحمة مؤتة قد أثارت في الماضي شعراء الرسول كحسان وكعب بن مالك وغيرهما.... وقالوا فيها شعرا.. إلاَّ أنه لم يرق أحد منهم في الماضي أو الحاضر إلى المستوى الملحمي- كما صورناه- الذي بلغه شاعرنا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1022  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج