شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رابعاً: الحسّ الوجْداني
إذا كان الشاعر عبد الله بلخير لصيقاً بأحداث مؤتة بحسه التاريخي والملحمي والديني.. فإنه في الوقت نفسه يحتضن بحسه الوجداني كل أحاسيسه التاريخية والملحمية والدينية.. أي أنه كان يتعامل مع التراث التاريخي والحضاري بقلب ينبض بشتى العواطف الحارة، وبوجدان ذاتي يسحّ بفيض المشاعر الصادقة.. لذلك فلا بدَّ من القارئ أن يشعر بتلك الهزة الوجدانية التي تنتابه وهو في حمى الانفعال التي تصيبه بسبب عدوى انفعال الشاعر مع المواقف التاريخية والبطولية الرائعة.. وحينما يستوعب الشاعر كل أحداث التاريخ وحقائقه، ويستحضر كل عظمته وبهائه وروعته.. فلا بدّ إلاّ وأن يصب فيضاً من أحاسيسه الذاتية وزخاً من عواطفه الدينية فكان في سياق تسجيله غزوة مؤتة من بدايتها وحتى نهايتها يشرك مشاعره الوجدانية بطريقة غير مباشرة عبر منظوره للأحداث والوقائع وعبر تجلياته الروحية والبطولية.. فتحس بأن روح الشاعر، ووجدانه، وحسه.. ترافقك من خلال مسيرة الملحمة وعلى نحو ما. ومن خلال تصويره ذروة المواقف، وقمة المشاهد، وانتقاء كل ما هو رائع وعظيم.
وقد ينسى الشاعر طبيعة السياق الملحمي، ليتدخل في سير وقائعه وأخباره بشكل مباشر، ليكون واحداً من شخصيات عمله البطولي، وليكون -كما قلنا عنه- بطلاً ملحمياً معاصراً. وكأن روعة المشهد، أو عظمة الموكب الجلل، أو سمو موقف شخصياته.. تحتم عليه بالرغم عنه أن يشرك وجدانه، ويقدم انطباعه، ويصوغ منظوره، ويفيض بمشاعره؛ وتتبلور تلك الوجدانية على شكل نداء أو خطاب منه إلى أبطاله، وهم في أسنى المواقف البطولية والملحمية. كما في ندائه لجعفر بن لأبي طالب بعد أن مزقته المواضي والنبال، وخرَّ شهيداً بلا يدين وراح يبكيه الرسول:
يا ذا الجناحين في الفردوس قد نشرا
ورفرفا في سماها يقطران دما
حفَّت ملائكة الرحمن حولهما
وقد تضوَّع مثل المسك عرفهما
صلَّت وسلمت البيض الصفاح على
ثاوٍ بمؤتـة أمسـى قبـره حرمـا
على ابن عم رسول الله من سفحت
عليه عيناه دمعاً إذ نعاه حمى
ولا أخصك بين(القائدين) بما
يزيد قـدرك يا أزكاهمـا رحمـا
إلاَّ المودة في القربى فأنت بها
قبل الشهـادة أحـرى أن تفوقهمـا
وإن الشاعر في نقله لأحاسيس الرسول حيال شهادة ابن عمه لهي غاية التأثير والتوصيل الوجداني. ويتجه نداء الشاعر مرة أخرى صوب خالد بن الوليد وهو في حومة الوغى يصول ويجول.. فيصبح كلامه لخالد نوعاً من المشاركة الوجدانية، وواحداً من الأبطال، أو من المعاصرين للغزوة وملهبي الحماسة والتشجيع للقادة على الأقل إذ يخاطبه قائلاً:
يا(خالد بن الوليد) اليوم يومك في الـ
..إسلام فانهض بما وليت مغتنما
كفَّر عن (الغارة الشعوا)على (جبل الـ
ـرماة) في (أحد) بالشرك معتصما
فقد تنبأ رسول الله أنك (سيـ
ـف اللَّه) بعدهم للمسلمين حمى
وأنك اليوم واليهم ومنقذهم
وكنت منذ شهور مشركاً أثماً
ولكن مساهمة الشاعر في تتويج العمل الملحمي، لا تبرز لنا بشكل فعلي إلاَّ في نهاية الملحمة.. حين رحنا نبصر شاعرنا عبد الله بلخير في ذات المكان من مؤتة الذي شهد الملحمة العربية الإِسلامية، إذ طفق يتنفس في أجواء الصحابة وبطولاتهم وأمجادهم.. ليعيش هو من جديد بطلاً معاصراً يعانق التاريخ الملحمي؛ ويلثم أبطاله:
وقفت أمس على أكناف ساحتها
على مصارع من أمسوا بها قمما
مساحب الخيل ما زالت تفوح شذى
فيها يضوع على أرجائها نسما
نزلتها والدجى في سهلها حـَلَك
على هلال ربيع.. حيثما ابتسما
وقد سجا الليل وارتدت جوانبه
فوق المزار بأردان الدجى التثما
فخلت تلك التلال السمر مشرقة
بنورها حول مثوى الفاتحين سما
وقد أعارت روابيها مجرتها
شالاً على كتفيها بالسنا نجما
لولا التقى واتباع الشرع طفت بها
سبعاً وقبلت ما ضمته مستلما
يدق بين ضلوعي من مهابتها
ما خلت دقاتها في خفقها كَلِما
كأن تكبيرهم ما زال مضطرباً
يثير في المسلمين العزم والهمما
وليس هذا بغريب على الشاعر عبد الله بلخير.. إذ رأينا صنيعه هذا يتكرر في كل قصائده أو ملاحمه لأنه كان في رحيله دوماً يقصد الأماكن التي شهدت تاريخ العرب والمسلمين، وعاشت بطولاتهم وأمجادهم.. ومن تلك الأماكن التاريخية يطل علينا بملاحمه.. وليُسقِط من خلالها الماضي المشرق على الحاضر الأليم:
تهتز منها قرى (الجولان) و(القدس الـ
ـعلياء) و(الضفَّة الدنيا) بها ألما
مضت عليها قرون وهي داوية
[دق الطبول لخيل تعلك اللجما]
 
طباعة

تعليق

 القراءات :971  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 22 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.