فهارس الكتب عناوين الكتب محتويات الكتب أسماء المؤلفين الكل          البحث   

مكتبة الاثنينية
الرئيسية > كتاب الاثنينية > عبدالله بلخير شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية > القِسْمُ الأول: المَوضُوعَاتُ الشِّعريَّة > الأفكار والأحداث العامة لملحمة مؤتة > ثالثاً: الحس الديني
ثالثاً: الحسّ الديني ويتصل القارىء مع ملحمة مؤتة، أو مع عالم الشاعر عبد الله بلخير الملحمي، بدنيا معطرة بأريج المثل السماوية، وسمو التعاليم الدينية، وإشراق المواقف النبوية. ويتم ذلك الاتصال الروحي من خلال حس الشاعر الديني الذي ينفذ إلى صميم السيرة النبوية، ويمتص أصفى معانيها المشرقة.. وإن كان كل ما في السيرة النبوية مطهراً مشرقاً جليلاً. وفي ملحمة مؤتة تتألق شخصية الرسول لتمتد عبر الآماد العريضة، والآفاق البعيدة، ولتنشر كل ما تحمله من مبادىء السماء، وتعاليم رب الكون لتنظيم شؤون العباد في الأرض قاطبة. وكانت هذه الشخصية النبوية تنشر ظلالها وسرها العظيم على كل من حولها من شخصيات أخرى تؤازر النبي، وتحمـل معه أعباء المهمـة الكبرى، وتنصاع برضى عجيب وتلقائيـة محببة لكل مـا يأمر به ويوجهه ويرتئيه. ومن هنا بدت شخصيات الملحمـة الأربعة -زيد وجعفـر وعبد الله وخالد- مفعمة بوميض المثل، وألق المبادىء، وإشراق المواقف.. التي تستمدها من ذات المثل والمبادىء والمواقف التي يدعو إليها قائدهم الأول ومعلمهم الفذ. ولذلك كله فقد كان شاعرنا منقاداً- هو الآخر- إلى تلك الأجواء في ملحمتـه، فلا يقـوى إلا أن يرسـم أجواء ملحمته مضمخة بذاك الوميض والألق والإشراق الرباني.. إذ استطـاع بما يتحلى به من حس ديني نافـذ أن يستوحي من الله ورسوله قيماً مثلى في بلورة الإطـار الديني، والتعاليـم والمبادىء الإسلامية. فمرة نراه يستخـدم أذان الله مرسـلاً من السمـاء إلى أرض العرب، إلى مكـة، كدوي موقف من السبـات، وإعـلان لبـدء الإِحيـاء والبعـث. ومـرة أخرى يستخدم آيـات القرآن ومضامينـها كسِـرٍّ وسحرٍ كبيرين على العباد والجماد.. وفي الأذانين تتعالى دعوة التوحيد، وتعاليم القرآن: وأذن الله للعرب الأباة بأن يكون دورهم الموعود قد حتما دوَّى الأذان على أم القرى فإذا أصداؤه هزت الصحراء والقمما كأنه (الصور) (إسرافيل) ينفخه في الأرض يملؤها بعد الموات نما تقاطرت قطرات الوحي فوق (حرا) ثم انجلت (سوراً) مجموعة نظما في أمة قد أراد الله بعثتها إلى الورى لتقود العرب والعجما تنزلت فوق أكناف السراة بها (آي الكتاب) على شوق بها وظما فاهتزت الأرض بالخير الذي هطلت به عليها وفاضت في الورى ديما ثم يعود الأذان مرة أخرى- كما قلنا- ليثير العزم واليقظة في نفوس كل العرب ويؤدوا دورهم في الحياة: قـد أذن الله من عـرش الجلال بـأنَّ الـدور في الأرض للإِسلام قد حُتما وأنـه دعـوة للخـلـق جامـعـة إلى السلام فأرض المسلمين حمى الناس فيهـا عبـاد الله وهو علـى عباده خير راع قـد رعى وحمـى فليزحـف العرب بالأعـلام خافقـة مكبريـن هـداة.. قـادة.. رُحمـا يدعون للعـدل بين النـاس قاطبـة أيَّان ساروا ومن لبَّـى الندا عُصمـا جماع دعوته (التوحيد) يرفعه الـ .. أذان تصغـي له آذاننـا نغمـا والكـون لله والإسـلام شرعتـه والحكم (شورى) تضمّ الشعب والعُلما ومن بغى أو طغى في الأرض كان له (الـ .. قرآن) في ما أتاه الخصم والحكما وتتوالى مثل هذه السبحات الإلهية، والدعوات السماوية، والتعاليم الدينية في كثير من مقاطع الملحمة فلا يمر بنا مقطع إلاَّ ونستشف ذلك الحس الديني الذي يشحن به الشاعر أحاسيس قارئه وبخاصة وهو يظهر أثر الدين الجديد في نفوس الصحابة الفرسان الذين أقدموا بكل حماسة وصدق وإيمان واندفاع لتأكيد صدق العقيدة التي يحملونها، وصدق وعد السماء بنصر المؤمنين الصادقين الذين يندفعون بجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا. وليصبح دوماً قرآنهم وآياته أكبر عامل للعزم والشجاعة والإقدام: لولا الذي حفظ القرآن مـذ نزلـت آياته وحمى الإِسلام حين حمى لما تبدَّل خوف المسلمين إلى عزم، لو انتصر الرومان ما انثلما وكثيراً ما يضمِّن الشاعر ملحمتَه بعضَ ألفاظ وتعابير القرآن وسوره (1) ومعانيه، كما هو واضح فيما تقدم من نصوص، لأنه – بالإِضافة إلى ثقافته التاريخية – مشحون بالثقافة الإِسلامية والدينية.. وهذه حال شعراء الأصالة، وبالأخص شعراء الملحمة العربية الإِسلامية.   [1] كأن يقول مثلاً في جعفر وهو أمام نجاشي الحبشة: [ لما شرحت له الإسلام ملتزماً به وفسـرت من (طه) الـذي فهمـا ] وربما كانت سورة مريم (كهيعص). [ سير أعلام النبلاء- للإِمام شمس الدين الذهبي ص 216مؤسسة الرسالة].
طباعة تعليق  القراءات :864  التعليقات :0
صفحة 21 من 36

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان

هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع
	تسجيلات كاملة
	مقتطفات لتسجيلات مختارة
	لا أؤيد
النتائج