شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأندلسيَّات
إن أندلسيات بلخير السبع -والتي ظهر منها ثلاث: قرطبة وغرناطة وطارق بن زياد- ستشكل عملاً ملحمياً متكاملاً، ولا سيما الملاحم التي تتضمن معاني البطولة الحربية. وهذا ما يظهر من عناوينها: طارق بن زياد، بلاط الشهداء، المعتمد بن عباد.. فهي شخصيات ومواقع توحي بالبطولة والحرب، والنصر أو الهزيمة. لأن تصوير المعارك والأبطال والحروب والحماسة من العناصر الهامة المشوقة في الملاحم. وقد افتقدت ملحمة الرسول تلك المعاني كما رأينا، وربما سنتلمسها في تتمتها المقبلة (1) .
وإذا كانت ملحمة الرسول يغلب عليها الطابع الديني الروحي، وملحمة الأعشى الطابع الأدبي الفكري، وملحمة مؤتة الطابع التاريخي فإن الأندلسيات تجمع كل ذلك مع تميز الوجه التاريخي فيها.. وإن كان التاريخ هو العالم الكبير الذي يسبح فيه كل شعر عبد الله بلخير. لأن التاريخ رفيق حميم له.. فهو يلامسه دائماً، بل يلاصقه، بل يحتضنه.
يتغلغل الشاعر عبد الله بلخير في أعماق التاريخ: مطلعاً، قارئـاً، باحثـاً.. شغوفاً بكنوزه ودرره وإشراقه.. يتنفس فيه، ويعوم في بحوره، ويخرج من شواطئه، وقد تشبع بروحه، وتجددت طاقته وحيويته، واتقدت مشاعره بألقه.. فيمارس -على ضوئه- رحلات ليراه بأم عينه الحسية، وبصيرته الخلاقة.وما زالت ممارساته الرحلية منذ أكثر من عشرين عاما وإلى اليوم. ولذلك فلا غرابة إن أصبح شاعرنا الناطق الرسمي لشرف التاريخ وعظمته وبهائه. بل حُقَّ له أن يكون أبا التاريخ، بل التاريخ نفسه.
وقد عبَّر مراراً عن شغفه بالتاريخ والرحلات، وذكر محطاته التاريخية الميدانية عبر العالم، وبخاصة العربي في مشرقه ومغربه وأندلسه. قال في معرض حديثه عن شعره: "إن بقية قصائدي في فاس وتونس وجبل طارق وسبتة.. كلها تدور على نفسي وتقوم على الوصف التاريخي، لأني آخذ من التاريخ وأعب منه عباً" (2) كما كتب لي في هذا شيئاً مدهشاً. يصف خطوط رحلاته عبر العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. ويخص رحلتي عام 1959 الرحلة البحرية حول العالم بالباخرة والقطار، ورحلة عام 1969 حول العالم الغربي وأمريكا بالطائرة، التي تمخض عنها قصيدته (ركبت الهوى من أجل عينيك) (3) ثم ركوب (غوّاصة بركانية) مع الملكين فيصل وخالد عام 1943 وله فيها قصيدة.
إذاًً فقد ركب في رحلاته القطار والباخرة والطائرة والغواصة.. فكأنه يمتطي صهوة حصان عربي.. وإن سمع- عبر الارتحال- أصوات تلك المطايا الحديثة، فإنه يسمعها من خلال رغاء ناقته وسفينة صحرائه فكانت المعالم والآثار والشخصيات الإِسلامية والعربية، تجذبه بشكل عجيب.
ومن هنا كانت أندلسياته تزخر بالأصالة والعمق التاريخي. ملاحمه الثلاث: ملحمة قرطبة وملحمة غرناطة وقصور الحمراء وملحمة طارق بن زياد.
من الصعب أن نفصل بين الملحمتين الأولى والثانية فموضوعهما، وجوهما التاريخي، وانطباعاتهما، واحدة. وإذا حاولنا- تجاوزاً- محاولة تقليدية أن نقسم ملحمة (قرطبة) إلى أجزاء وأقسام، تسهيلاً للدراسة فإنه من المستحيل أن نجري التقسيم نفسه على ملحمتي (غرناطة) أو (طارق) لأن- نسيجهما متين لا انفصام بين خيوطه وأجزائه المصبوغة والممزوجة بعواطـف وانطباعـات
ورؤية الشاعر. وإن موضوع غرناطة يكمل ما انتهى إليه -في ملحمة قرطبة- من المأساة العربية في الأندلس.. من خلال الوقوف على آثارهم وأطلالهم. على أن الملاحم الثلاث كلها امتداد ورحيل في أعماق التاريخ، وعودة إلى الحاضر.. برؤية جادة، وإسقاط المأساة والعبرة على الواقع العربي المعاصر. فقد صبَّ جهده وفنه وشاعريته لإِبراز صورة المأساة، والتركيز على أسبابها وآثارها وآلامها المغروسة فينا إلى اليوم.
* وإن ملحمة (قرطبة) هي كذلك مترابطة متداخلة في أجزائها وأقسامها ومشاهدها، في تسلسل موضوعي، يصعب علينا أن نفصل تلك الأجزاء عن بعض. ولكن ربما وجدنا في التقسيم التالي -كتقسيم تقليدي كما قلنا- بعض الصور التي تساعدنا على جمع كل المشاهد المتعددة وتقربها من الذهن.
 

طباعة

تعليق

 القراءات :1144  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.