شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ثالثاً (1) : ملحَـمة مؤتَـة
إن ملاحم الشاعر عبد الله بلخير تحتاج قارئاً مثقفاً ثقافة عامة واسعة، وبخاصة ثقافة تاريخية. أي قارئاً تاريخياً، قارئاً يحمل معه كل تاريخ أمته العربية والإسلامية.. تاريخ الأمجاد والبطولات والمواقف. قارئاً يتنفس في أجواء التاريخ، ويعيش معه بكل أبعاده ومراميه وأحداثه.. قارئاً يتمثل تاريخ أمَّته تمثلاً واضحاً، عميقاً واعياً، ذكياً.. قارئاً لصيقاً لشخصيات التاريخ ومعاركه، وغزواته، وانتصارا ته، واستشهادا ته.
إن لم يحمل قارئ بلخير كل تلك المعاني التاريخية، فالأجدر به ألا يقترب من ملاحم شاعرنا؟ لأن الشاعر عبد الله بلخير هو ابن التاريخ، وبطل التاريخ المعاصر. ولأنه دوماً يختار مادته الملحمية من التاريخ، ويعرف كيف يختار، وماذا يختار..؟ هو يعرف كيف يصوغ التاريخ صياغة جديدة معاصرة تحسم كل الملاحم وإشراقها وتألقها..
ولما كان التاريخ الإسلامي، وبخاصة تاريخ صدر الإِسلام الأول، قد كتبه كثير من أعلام التاريخ الإِسلامي.. وعبر روايات وأخبار وأحداث ومواقع ومواقف.. عديدة كلها تصب في البحر الإِسلامي الهائل، وتنير من سماء العروبة والإِسلام، وتشع بالمثل والمبادئ التي حملها الرسول إلى البشرية كدعوة أنزلت إليه من السماء..
لذلك كله فإن عملية التعامل مع التاريخ، واختيار أهم الأحـداث.. لهـي عملية صعبة عاناها شاعرنا لأن كل الروايات التي تروي أمجاد ومثل العرب المسلمين -في البدايات الأولى للدعوة والرسالة والصحابة- هي مادة شائقة ومغرية للباحث.. فكيف ونحن حيال شاعر وبطل ملحمي معاصر كعبد الله بلخير قد زها وتاه فخراً وكبراً وهو يعيش بكل جوارحه وفكره وأحاسيسه زخماً حضارياً وتاريخياً وملحمياً..؟!
ومن هنا تجيء "ملحمة مؤتة" تتويجاً لملاحمه الإسلامية.. وتعبيراً عن شخصية بلخير الشعرية والثقافية والملحمية التي وجدناها وسنجدها في سائر ملاحمه العربية والإسلامية.
ولكن "ملحمة مؤتة" تضيف أبعاداً جديدة لثقافة الشاعر واهتمامات الشاعر، ومنظوره الحضاري.. وبخاصة في مقدمة الملحمة التي أبرزت ذلك الصراع التاريخي بين الأمم، وبين الحضارات.. إذ تجاوزت أبعاد رؤية المجال التاريخي العربي الإسلامي، لتشمل مجالاً أوسع يدور في فلك الأمتين الفارسية والرومانية.
ولم يكن ذلك خروجاً عن أجواء الملحمة، وموضوعيتها، ووحدة مشاعرها وإيحاءاتها.. بل إن ذلك هو أشبه بقرع الطبول، والرعد المدوي.. الذي يسبق الحدث الجلل، ويمهد لانسيابية الفكر والعاطفة وهي تموج في خضم التاريخ، ودورانه الطبيعي، وتسلسله المعهود في ذهن القارئ المثقف الأصيل الذي لا بد أن يكون بينه وبين شاعره اتصال وجداني وثقافي وفكري.. على نحو ما. وسنجد في هذه الملحمة الكثير مما افتقدته ملحمته الإسلامية الأولى.
وإذا كان شاعرنا عبد الله بلخير -كما عرفنا- قد امتاز بطول نفسه الملحمي، فإنه في هذه الملحمة يبلغ قمة ذلك الطول. إذ تبلغ (323) ثلثمائة وثلاثة وعشرين بيتاً.
وقد استطاع الشاعر عبر هذه الأبيات، ومن خلال واحد وعشرين مقطعاً أن يصوغ ملحمة متكاملة. تنهل من تاريخ كبريات الأمم في العالم آنذاك -هما: الأمة الفارسية في الشرق، والأمة الرومانية في الغرب- ثم تنتهي عند أعظم أمة فتية، هي الأمة الإِسلامية.
وإن المقام الملحمي، يستوجب من الشاعر أن يقف عند سيرة شخصيات تلك الأمم الثلاث. فإن كان دارا وقمبيز وكسرى يمثلون الفرس، والاسكندر المقدوني وهرقل يمثلان الروم، فإن شخصية الرسول الأعظم تمثل الأمة العربية الإِسلامية.. وبالتالي فإن: شخصية نبينا محمد عليه الصلاة والسلام هي الشخصية المحورية والأساسية في ملحمة مؤتة.. ومنها تنبثق الشخصيات الإِسلامية الأخرى، التي تستلهم مواقفها وإشراقها وتألقها وبطولاتها من شخصية الرسول.. أمثال: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبى طالب، وعبد الله بن رواحه، وخالد بن الوليد، كما تبرز شخصيات أخرى عربية وغير عربية أمثال: دحية الكلبي، وشرحبيل، وثيودورس، وسدوس بن عمر وغيرهم.
وإذا كان لتلك الشخصيات التاريخية دور كبير في إثراء العمل الملحمي بما توحيه من معان وأفكار ومبادئ وأحداث ومواقف.. فإن لأسماء الأماكن دوراً آخر في تجسيد واحتضان تلك الشخصيات وما تنطوي عليه من قيم ومعان. وسواء أكانت تلك الأمكنة -صغيرة أو كبيرة في- الأراضي العربية والإِسلامية أم في أقصى الشرق والغرب والشمال.. مثل: آسيا الصغرى، سورية، بلاد الرافدين، مصر، طوروس، الفرات، الأورال، الصين، الهند، السند، الهمالايا، البلقان، أم القرى، حراء، السراة، المدينة، مكة، البلقاء، يثرب، الجرف، خيبر، تيماء، تبوك، معان، مشارف، عمان، مؤاب، الجولان، حوران، إيليا، بدر، الكرك، مؤته، الحبشة، البيت، الحرم، أحد.. وغيرها. بالإضافة إلى كثير من أسماء القبائل التي ترد في الملحمة، ولها دلالتها السياسية والإجتماعية والقبلية مثل: قريش، غسان، قحطان، بكر، لخم وغيرها.
إن قارئ ملاحم الشاعر عبد الله بلخير -وبخاصة هذه الملحمة- عليه أن يتزود الثقافة التاريخية الواسعة كما أسلفنا. وعليه قبل أن يلج عالم الشاعر الملحمي أن يعيد لذهنه ومخيلته تاريخ الفرس والروم، والصراع المرير بينهما إثر حروب طاحنة.. وأن يسترجع في الوقت نفسه تاريخ الرسالة المحمدية وتعاليم السماء، وكيف بلغها الرسول بكل أمانة وصبر ونجاح للعالم، وعلى من اعتمد من صحابته في تلك المهمة الربانية.. أي على القارئ أن يعيد ويسترجع في نفسه كل ما كتبه المؤرخون الإِسلاميون والعرب القدامى والمحدثون عن تاريخ الدولة العربية منذ صدر الإسلام وحتى الفتوحات الكبرى.. هذا ما يطلب -على الأقل- من قارئ ملاحم بلخير خصوصاً ملحمة مؤتة كي ينعم بما احتوته من أفكار ودلائل وحقائق ومعلومات ورموز تاريخية لا تُحصى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :825  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.