شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة المحتفى به الدكتور سعيد بن عطية أبو عالي.. ))
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد أشرف الأنبياء والمعلمين والمرسلين وعلى آله وأصحابه أطهر التلاميذ وطلاب العلم الذين سجلوا بحرصهم رضي الله عنهم نموذجاً لأفضل الطلاب وأفضل الباحثين عن المعرفة.
إخوتي وأساتذتي وأبنائي أعضاء الاثنينية، أخي الأستاذ الأديب الأريب عبد المقصود خوجه،
صاحب الاثنينية المشهورة والمعروفة، أستاذي سعد بن عبد الله المليص، إخواني الذين احتفوا بي وقدموا معي، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأسجل الشكر والتقدير لأخي الوجيه والأديب الأستاذ عبد المقصود خوجه على دعوته الكريمة لي كي أكون معكم وبينكم في هذا المساء المبارك، وأهنئ من صميم قلبي الأخ عبد المقصود على ما يتمتع به من يقظة الضمير وشفافية الرؤية وحسن تقديره للمال ووظيفة المال في الحياة، الأستاذ عبد المقصود في تقديري يمثل وفاء الابن لأبيه، ووفاء المواطن لوطنه ومواطنيه، فقد احتذى واتبع طريق والده في أسلوب عصري متميز تفوق به على نفسه، وهذا التفوق على النفس هو في نظري أعلى مراتب التفوق، أليس هذا التفوق من جهاد النفس، وأليس جهاد النفس من أعظم الجهاد، فلوالده مني ومنكم وأرجوكم أن تدعوا لوالده معي بأن يتغمده الله برحمته ويسكنه فسيح جناته.
لقد قرر عبد المقصود أن يكرم النابهين من علماء ومعلمي وأدباء ومفكري الأمة، فكرمهم من على شواطئ الأطلسي في المغرب العربي حتى شواطئ البحر العربي والبحر الأحمر في جنوب الجزيرة العربية، في أقصى جنوبها، وجاء هذا القرار الصائب لأن الحضارات لا تقوم في نظري إلا على هذا المربع المتساوي الأضلاع، المعلم والمربي والأديب والمفكر، وأرجو أن أكون واحداً من هؤلاء كما أكرمني بأن أكون بينكم وأنتم أهل العلم والحجا والنهي، إن حضوركم جميعاً لهذه الأمسية هو وسام يزين صدري وجميل يغمرني بالفضل لكم، فشكراً لكم على تكريمي بهذا الحضور.
أيها الحفل الكريم، إنني دائماً أشعر بأن فضل الله علي كبير، وأشعر في هذا المساء بأن أفضاله سبحانه وتعالى مضاعفة مرات ومرات، لأنني في هذه الليلة اجتمع مع من هم أفضل مني رؤية للحياة وطلباً للعلم وتقدير للناس ومنجزاتهم.. وفي مقدمتهم أستاذي الشيخ سعد المليص وهو أحد رواد التعليم في منطقة الباحة الذي كان له شرف الخدمة مع الملك المؤسس والزعيم العبقري عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله، ثم عمل مع أبنائه البررة إلى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله الوزير الأول للمعارف وأول من أطلق مسيرة التعليم الحديث في الجزيرة العربية، ومعي أيضاً في هذا الحفل شقيقاي علي بن عطية أبو عالي ومسفر بن عطية أبو عالي واعتبر أن الفضل في حضوري وحضورهما هذه الأمسية يعود لصديقنا الأستاذ عبد المقصود خوجه فله الشكر مرة أخرى، أما الأساتذة الذين تحدثوا عني الأستاذ سليمان الزايدي، والأستاذ مصطفى أبو الرز والأستاذ الشاعر أحمد سالم باعطب والأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني والأستاذ المربي الفاضل مصطفى عطار، والأستاذ عبد الله رجب، فإني أود أن أؤكد لكم حقيقة واحدة وأرجو أن تعوها معي جميعاً، إن ما سمعتموه عني من عبارات وقصيد المدح والثناء ما هو إلا تعبير من هؤلاء الأساتذة الأجلاء عما يظنون في، هو تعبير عن الظن فقط، وعن ما يرونه أو ما رأوه من ظاهر صورتي فقط، أما الباطن والنيات فتبقى بيني وبين الله الذي أسأله أن يغفر لي سوء ظني وأن يعفو عن زلاتي وذنوبي وهفواتي، وأنا إذ أشكرهم جميعاً على حسن ظنهم بي فإنني أكرر الدعاء المأثور فأقول اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون.
أيها الأخوة الكرام مهما اجتهد الفصحاء والأدباء والمنظرون على تعريف رسالة التربية فإنهم لن يستطيعوا الإلمام بكل مهام التربية وبالتالي لم يستطيعوا ولن - أعتقد - يستطيعوا وضع تعريف شامل كامل للتربية، والتربية في نظري بعد ممارسة ومطارحة هذا الميدان لأكثر من خمسين عاماً هي علم صناعة الحياة.. هذا العلم هو العلم الوحيد بين المعارف الإنسانية الذي يهتم بإعداد الإنسان للحياة ولكنه أيضاً يشكل الحياة نفسها ويحدد معالمها وأساليبها، وهو العلم الذي يعني بالماضي ويطور الحاضر ويستشرف ويرسم صورة المستقبل، وهكذا هي رسالة التربية هي مسؤولية كاملة تجاه الناس، كل الناس، الأسوياء وغير الأسوياء، الأصحاء والمرضى، النابهون والغافلون، القادرون على التعلم وغير القادرين، المتفوقون والمتخلفون، الأطفال والشباب والشيوخ، الرجال والنساء، ويمكن أن تتصوروا معي أهمية وخطورة رسالتها وصعوبة مسؤوليتها، وما دامت مهمة التربية هي صناعة الحياة، فلعلَّكم تمنحوني الإذن والعذر في أن أتحدث إليكم الليلة عن بعض جوانب حياتي التي لم يعرف عنها الكثيرون وسأكون صادقاً مع نفسي فأتحدث عما قد لا يتفق وما سمعتموه عني من مديح وما قد تخيلتموه من صورة مشرقة.
في هذا الصباح وأنا قادم من المنطقة الشرقية والتي أتشرف بأن أحمل إليكم جميعاً تحيات أدبائها ومعلميها ومفكريها ورجالاتها فكرت كيف عشت هذه الستين عاماً؟ ووجدت أن حياتي تشبه في مسيرتها خطاً مستقيماً لا يختلف عن حياة أي واحد من أبناء جيلي، إلا أن هذا الخط في النادر تعلوه علامات قد تكون علامات نجاح ولكن يسقط ويتمثل تحت هذا الخط علامات كثيرة هي كبوات منيت بها في الحياة.. أعددت في هذه الصفحة جدولاً أتحدث به إليكم الليلة ولكني عدلت رأيي الآن وسأتحدث من خلال الرد على ما سمعته من الأساتذة الكرام، وأرجو الله أن يعطيكم القوة والصبر على الإصغاء والاستماع بعدما سمعتم من الكلمات والقصائد ولكن هذا قدري فأنا معلم من يوم كان عمري 11 عاماً فقط، والمعلم صناعته الكلام، وعندما تخرجت بشهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية وعدت إلى القرية سألني العم سعيد بن عبد الله بن شويل، أمد الله في عمره عن معنى شهادة الدكتوراه؟ هل أنت طبيب؟ قلت له لا... ولا تستطيع أن تعالج؟ ولا أستطيع أن أعالج.. إذن ما هي الدكتوراه؟ قلت له هذه علم ودراسة وكتب وأساتذة ومحاضرات، قال: يعني دكتوراه في الكلام.
فأنا الليلة سأستعرض عليكم ما حققته وربنا يكتب لكم العون واستأذنت الصديق الأستاذ عبد المقصود خوجه في أن أتحدث إليكم الليلة وقد أطيل.. الأستاذ عبد المقصود خوجه وصفني بالعالم والمتعلم وأنا أقبل منه صفة المتعلم فما أزال أشعر أني أكثر جهلاً ممن يجلسون معي، وهذه حقيقة، ودعاني بالضيف الكبير لأنه هو كبير في نفسه ويرى الناس كباراً فله الشكر أما ما أورده عن قراءة ككتاب باللغة الأجنبية فأود أن أقول أنه عندما أصبحت القراءة - أنا لا أقول أدمنتها - ولا أقول أحببتها، ولكن عندما أصبحت القراءة واجباً علي أثناء الدراسة في الخارج، وجدت وخاصة في السنة الأخيرة في عام 1395هـ من الدراسة وجدت أن أفضل كتاب يمكن أن أقرأه وأن ينفعني في الحياة هو أي كتاب من كتب سلفنا العظام رحمهم الله.. أما مجلة الشرق فقد أجاب في تساؤلاته وتمنياته عن أنه قد يكون لديها خطة جديدة وآمال جديدة ونعم أقول في مجلة الشرق الآن مجلس إدارة جديد برئاسة الأستاذ زايد السكيبي وهو يبذل مع مجلس إدارته جهوداً كبيرة لرفع رأس المال وإخراج المجلة في ثوب جديد ومضمون جديد، يتمشى مع السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية.
عندما فكرت في أن أرد على من تحدثوا بصدق، فكرت في حماد، تلميذ أبي حنيفة، وفي الليث بن سعد، تلميذ مالك إمام المدينة، وفي غيرهم من التلاميذ الذين لا نستطيع أن نلم ولا بجزء من علمهم ومعارفهم، كان حماد وكان الليث لا يجرؤ أي منهما أن يتكلم أمام شيخه وأمام أستاذه، وهذا التكريم الليلة جمعني بأستاذي الذي أدين له بكل فضل في حياتي العلمية بعد الله سبحانه وتعالى، وأيضاً هذا التكريم وضعني أيضاً في موقف لم يعهده مني، فهو لم يعهد مني إلا نعم وحاضر وأبشر.. أما الليلة فأنا أود ألا تصدقوا شيئاً مما قاله عني، لقاء العودة من الحج لم أكن حاجاً في تلك السنة، أنا كنت عائداً من مكة حيث عملت أكثر من 14 شهراً لدى إحدى الأسر المكية جزءاً من ذلك الوقت كان في بيت الأسرة، أسرة آل خيرو المعروفين في حي المسفلة، جزء من الوقت في البيت وجزء من الوقت اكتشفوا أني أستطيع أن كون في الدكان في المدعي بعد أن غاب كاتبهم وقمت بالمهمة، هو التقاني في الواقع لأنني لم أكن أستطع في تلك الليلة أن أنام في موقع يقع الآن بين مطار الباحة ومدينة الباحة، نحن نسميها مدينة وأهل الباحة لا يحبون مني أن اسمي قراهم التي كبرت قرى يحبون أن تكون مدينة، فهي بين المطار ومدينة الباحة، لم أستطع أن أنام من شدة البرد، ولأنه لم يكن معي إلا شرشف، وتبرع لي جزاه الله خيراً بجزء من فراشه ولباسه ونمت نومة هنيئة مريئة أمرني بعدها أن قابله وهكذا كانت وجهتي عندما تركت مكة أن أراجعه يوم السبت في المدرسة، كان ذلك صباح يوم الثلاثاء، وأعتقد أنه كان من شهر ذي الحجة أو في غرة المحرم كما أشار إليه هو.. قررت أولاً قبل أن أترك مكة أن أترك الخدمة مع آل خيرو مع كرمهم علي، وأن اتجه لأعمل معاون سيارة لكي أصبح سائق لوري، ولكي أنافس اثنين من أبناء قريتي كانوا يجلبون البضائع من جدة إلى مكة في شارع المدعي والجودرية، وأغراني فعلاً احترام الناس لهم والتجار لهم ومن أولئك ابن عمي عبد الله بن سعد أبو عالي رحمه الله، لكن صادف أن التقيت يوم 6 من ذي الحجة عام 1370هـ في المدعى أحد زملاء الدراسة أيام 68هـ في القرية، واسمه علي بن عبد الرحمن بن دوسان من بني ظبيان وطبعاً الشيخ عبد المقصود خوجه تكرم علي الليلة بحضور جمع من أبناء القبيلة هنا ويعرفون القرى والطرق التي سوف أتحدث عنها، أقول قابلته وقال لي أين أنت يا أبو عالي؟ فتح عندنا مدرسة جديدة فيها دروس جديدة تصلح لك وأنت تصلح لها.. ما هي الدروس؟ قال قرآن وحساب، قلت هذه درستها، أنا ختمت القرآن ودرست، قال في دروس جديدة.. قلت ما هي؟ قال: جغرافيا. قلت: ما الجغرافيا؟ قال: قصص. وقال في أناشيد ندرسها ويسمعها الملك عبد العزيز بالتلفون، صار في تلفون في الديرة؟ قال والله الأستاذ سعد المليص أفادنا أن الملك يسمعنا ونحن نتلو النشيد.. كون الأستاذ المليص يقول لهم الملك عبد العزيز يسمعكم وأنتم تتلون النشيد كانت من ضمن الوصفات التربوية النادرة والغالية جداً التي يصفها مربي لطلابه لكي يقبلوا على العلم، لأنهم لا يقتنعون بجدوى العلم، لماذا يدرسون؟ لذلك صرفت النظر عن أكون سائق سيارة وقررت أن أعود إلى الديرة وأدخل المدرسة وصادفت الأستاذ المليص في السيارة وطبعاً هو كان راكب في الغمارة - الأستاذ سعد المليص ومعه الأستاذ أحمد الملص - كانوا راكبين في الغمارة وكانوا يلبسون ثياب فخر الموجود، وكان هو يرتدي فوق الثوب بالطو طويل وغترة بيضاء مثل غترتي الليلة ووجهاً أبيض ونضارة ونصاعة والناس كلهم كانوا يتحدثون عندما أقبل يركب السيارة.. على أية حال بتنا ليلتنا في السيل الصغير، والليلة الثانية كانت بين الطائف والعقيق، والليلة الثالثة كانت بين العقيق والباحة، ليلة السيل الصغير لم أستطع النوم وتعرفون رياح وبرد السيل الصغير، والليل دنا، ولكني نزلت عن الكرسي، كنا في فهوة، وحفرت حفرة أستطيع أن اختفي فيها عن الرياح ولكن يبرد الجزء الأعلى من جسمي فأنقلب لكي يدفأ البارد ويبرد الأخر، إلى أن أذن للصبح ودخلت المسجد بدون وضوء وصليت بدون وضوء وبقيت في المسجد إلى أن أمروا بالرحيل في السيارة، وعلى أية حال أنا أذكر هذه لا أذكرها لأن غيري لم يتعرض لها، ولا أذكرها لأني كنت بطلاً فيها ولكني أذكرها لأنها كانت جزءاً من حياة أبناء جيلي ولا أعتقد أن الكثيرين عاشوا عيشة مرفهة حتى أبناء مكة المكرمة الذين عرفتهم وتأسيت بهم حتى الآن كانوا أيضاً يعيشون في مكة المكرمة عيشة الكفاف والحاجة أحياناً أخرى.. قال إنه توسم في علامات النجابة والفطنة ولكن أثخن وأكبر وأشقى وأسوأ علقةً أكلتها في حياتي كانت منه ولم يمض علي في المدرسة سوى عشرة أيام، عندما راجعته يوم السبت أرسلني إلى السنة الثالثة الابتدائية وكان عنده سنة رابعة، ومكثت في السنة الثالثة السبت والأحد والاثنين.. في يوم الاثنين جاءنا أستاذ نبيل أمد الله في عمره ونفعنا بعلمه وبعقله، وهو الأستاذ صقر بن سعيد بن صقر، أعطونا في ذلك اليوم كتب ومنها كتاب الأصول الثلاثة.. وسألت أحد الطلبة جنبي ماذا نعمل؟ قال نحفظه غيب، كتاب الأصول الثلاثة في ذلك الوقت لا يتعدى 15 صفحة ومكتوب بحروف بارزة وأسطر جيدة، يعني كتاب مدرسي، وفي الواقع جلست وبسم الله الرحمن الرحيم أعلم رحمك الله تعالى أن كذا وكذا.. وحفظت الكتاب كله في أقل من ساعة.. سمعتها على الذي جنبي وجاء الأستاذ صقر بن سعيد وطلب من الطلبة أن يسمعوا وأنا كنت أعتقد أننا نردد الكتاب كله فبدأت أنا لما الصفحة الأولى والثانية والثالثة.. استوقفني وسألني متى حفظت أجبته اليوم، متى وصلك الكتاب قلت اليوم، قال هل رأيته قبل اليوم؟ طبعاً لا.. قال اجلس.. وخرج هو من الفصل، وفصل السنة الرابعة، كان عبارة عن عشرين طالب وأقل من ذلك في السنة الرابعة، أما الفصول الأخرى فهي بالعشرات المكررة والمضاعفة.. فقط المدرسة كان المدير سعد المليص، الأساتذة صقر بن سعيد، مثلاً.. خرج وعاد بعد برهة واستدعاني إلى الإدارة، دخلت على ذلك الرجل، وأعطاني ورقة وقلم رصاص، وطلب مني أن أكتب خطاباً موجهاً إلى مدير مدرسة بني ظبيان أطلب فيه قبولي طالباً بالمدرسة.. فكتبت الخطاب، وأعطيته له، وقرأه هو والأستاذ صقر، فقال المليص للأستاذ صقر.. لا يوجد غلط إملائي، الجمل جيدة، أنقله للسنة الرابعة ونقلت للسنة الرابعة، عندما نقلت للسنة الرابعة بدأ الأستاذ سعد المليص يعرض علينا أو يفرض علينا، أو سموها ما شئتم، درس النحو.. النحو!! حقيقة لم أعلم ما هو النحو، ما هي فائدته لماذا ندرسه؟ إذا درسناه كيف نفيد منه؟ فبدأ: الاسم والفعل والحرف، وأمرنا بحفظ القاعدة (الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع) انصرفنا من المدرسة وصرفت بعد العصر إلى المغرب في الوادي جيئة وذهاباً أحفظ ولم أستطع أن أحفظ سطراً واحداً من القاعدة وهي ثلاثة أسطر، بعد المغرب طلبت لأول مرة من أمي أن تسمح لي بأن أحصل على لمبة لها فتيلة وفيها كيروسين وهي سراج أقل من القمرية وأقل من الفانوس، وكانت تعمل من علب صفيح، فطلبت أن تبقى لأنني لا بد أن أحفظ وأمرتني بإطفائها وأن أذاكر على نور القبس، الضوء الموقد داخل البيت، على أي حال أذن العشاء ولم أحفظ شيئاً، نمت واستيقظت صبيحة اليوم الثاني وفي الطريق إلى المدرسة، وتأخذ الطريق من قريتنا إلى قرية عرا مقر المدرسة حوالي ساعة إلا ربع بالرجل، لم أستطع أن أحفظ السطر الأول، وجاءت الحصة الثانية وجاء الأستاذ المليص، والأستاذ المليص على أية حال عندما كان يأتي إلى المدرسة، حقيقة، ما أدري لماذا هل هي الحاسة السادسة عندما كان يخرج من بيته في قرية عرا والمدرسة في قرية الحوصان بجوار المدرسة بين القريتين على الأقل 500 متر يعني نزول وطلوع ليست مستقرة ولكن أنا أجزم أننا كنا نسمع حفيف ثوبه عندما يخرج من بيته على بعد 500 متر أو أكثر ويأتي إلى المدرسة، يتحدث اللغة العربية الفصحى، له عبارات لا نعرف معناها يوجهها إلى بعض الطلاب الذين لا يرضى عن تصرفاتهم، يا خارم، يا بارم الخ.. فأتى إلى الفصل وبدأ يستمع إلى القاعدة ويطبقها مع طلابه، الأول الثاني الثالث، طبعاً أنا كنت في الأخير لأنني جئت يوم أمس إلى السنة الرابعة، فجاء دوري ووقفت مثل الخشبة، لا أقول شيئاً ولا أنبس ببنت شفه، فسألني فأجبته أنني لم أستطع أن أحفظها، ما فهمتها، قال لي أنا طلبتك تأتي إلى المدرسة لكي تكن من خيرة الطلبة وأعتقد أنك تصر على أن تكون من أردأ الطلبة، أمسك الجدار، يعني أوقف، فوقفت، انتهى من طلابه ومن تطبيقاته وطلب من اثنين من زملائي أن يمسكوا بي وأن يكشفوا غترتي ويطوفوا بي على الفصول ويقولون يا بليد، طبعاً كان في الفصول الأستاذ عبد الرزاق الغامدي من ضمن الحاضرين في السنوات الدنيا الأولى والثانية ولكن كانت في الواقع بالنسبة لي مثل الصدمة فعلاً.. لم أغضب منها ولكني لم أستحسنها وقررت مع هذا أن أتحداه، وأطلق صفارته، كان في المدرسة صفارة، لأنه من خريجي الفلاح وتحضير البعثات، والرحمانية في مكة، ورجل متعلم ويحمل فكر غير الموجود في القرى، أثناء الفسحة جاء الأستاذ صقر بن سعيد وكأنه كان يعاتبني بلطف لماذا، فقلت له أنا حفظت، قال سمع.. سمعت.. قال انتظر... ذهب للمليص وأعتقد أخبره بأنني حفظت وجاء الإفراج بأن أخرج مع الطلبة في الفسحة الكبيرة.
استمرينا في الدراسة ثلاثة أسابيع ولكن بقي في عقلي الباطن، عندما كبرت وبدأت أحاسب نفسي على ما حصل أعتقد أنه في عقلي الباطن بقيت بيني وبين الأستاذ المليص شيئاً لا بد أن أنفذه، حول مبنى المدرسة مزارع للناس وهي مدرجات صغيرة المساحات، وفي كل مزرعة عدد من أشجار اللوز، فأنا وصلت إلى اكتشاف أني أدرب الطلبة أن يركبوا على اللوز ويستخدموا اللوزة سيارة، وجاء من بيته يوماً ووجد أن على الأقل ثلث الطلبة.. نحن نزيد على 600 طالب في ذلك الوقت، ثلث الطلبة يمتطون صهوات أشجار اللوز، فهو رجل مربي وفهم، سألهم ما هذا؟ قالوا أبو عالي.. جيبوا أبو عالي.. هنا بدأت الأهرام والفلكة والفرش، وكان التصميم بعدها ألا أتشاقى إلى اليوم، أبشركم أني وديع ومع أطفالي ومع إخواني، حتى عندما كان الأستاذ أبو الرز يتكلم عن المعشوقة كان كل منهم ينظر إلي بأكثر من عينين، منهي المعشوقة؟
المدرسة الريحانية، مدارس محو الأمية هو الأستاذ المليص أجبرنا على أن ندرس في المدارس الليلية، وندرس آباءنا وإخواننا وأخوالنا وأبناء عمومتنا، وكان لتوجهه هذا ثمرة كبيرة جعلت الكثيرين يقبلون على تلاوة القرآن من جديد بشكل صحيح، وجعلت أيضاً بعضهم يطلب العلم من جديد وبعضهم أصبح مدير مدرسة ومدرس ومربي من هذه المدارس ولكن أيضاً قبلاً وبعداً بتوفيق الله سبحانه وتعالى ثم بإرشاد الأستاذ سعد المليص، فلذلك المدارس كانت مدارسه وعلى نفقته الخاصة والسرج التي حملناها والبسط من جيبه الخاص، ولا بد أن أذكر هذا أمامكم.
المدارس الريحانية فتحها في بيته ليقوم بمساعدة أولئك الذين قرروا أن يواصلوا دراستهم المتوسطة والثانوية وهم يؤدون وظائفهم كمدرسين، أكثرنا كان مدرساً، كان لديه مكتبة في بيته كبرى، وتوزعت بالاستعارة، كلما استعار لم يرجع إليه الكتاب أو الكتب التي استعارها، أنا أرجعت إليه واحداً من هذه الكتب بعد أن عدت من الولايات المتحدة الأمريكية وكان النحو الواضح، ولما أرسلت له النحو الواضح لعلي الجارم الجزء الثالث، كتب لي وقال أين الجزء الأول والثاني؟!! ولم أجبه حتى الليلة.. لأنها ليست عندي، لم أستعرها.
هذا التكريم حقيقة فوق حقي، الأستاذ سليمان الزايدي، مبدع كما سمعتموه، ومربي ناجح كما عرفته أنا.. قال إنني كنت إماماً وخطيباً، نعم، أنا كنت أنوب عن الإمام أحياناً وإمامنا كان فضيلة الشيخ صالح بن محمد المقحوي، يرحمه الله، وابنه معنا الآن الأستاذ عبد الرزاق وهو من رواد الاثنينية باستمرار، فله رحمه الله الفضل في هذا ولكن هذا الخطيب وهذا الإمام كان يخطب ويؤم الناس لثقتهم فيه، ولكنه كان يلعب أحياناً، مثلاً.. ليلة من الليالي خسف القمر، طلب مني الشيخ صالح أن أصلي بالناس.. وتقدمت.. أنا كنت خاطب في تلك الأيام.. خاطب بنتاً من القرية، من العبالة، هذه التي لم يعرف عنها شيئاً الأستاذ أبو الرز، فبدأت الصلاة، وتعرفون في القرى الهدوء، لا صوت إلا صوتي حتى كنت أرفعه لأزيد به على أصوات الطيور والضفادع التي في الأودية، فاستمريت، بدأت سورة البقرة الم. ذَلِكَ اَلْكِتَابُ َلا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ليست غيباً طبعاً من المصحف، واستمريت في الركعة الأولى والركعة الثانية لما قرأت آية الكرسي - رقم 256 - أحسبها كذلك في سورة البقرة، لم أدر ماذا حصل خلفي في الصفوف، لكن سمعت حسيساً خفت منه، طبعاً كانت بيوتنا في القرية، والمساجد، تتكون من أربعة جدران، وسقف، ونافذة نسميها بداية، ونافذة في السقف تدخل الشمس وأيضاً جزء من الهواء، ولكن النافذة التي من السقف في المسجد لها وظيفة أخرى للخطيب يوم الجمعة يقرأ بها كإضاءة، فكانت مفتوحة وأنا سمعت أصوات إس إس إس.. فتصورت أنه حنش أو حية تسقط فتأخرت خطوتين لكي تسقط أمامي ولا تسقط فوقي، وعندما وصلت إلى آخر السورة مديت آخرها عشان أوقف وأسمع.. لما مديت آخرها سمعت زميلي الأستاذ أحمد التابعي وهو الآن محاضر في جامعة أم القرى، يقول: سعيد.. سعيد.. سعيد.. هو ينطق السين بشكل جيد.. الهلال صفا.. يعني خلاص الناس.. هو قد أدى الصلاة جماعة في قرية عرا ومشى ساعة إلا ثلث وأنا ما أزال أصلي لكن أنا حقيقة أنني أود أن أسترسل في الصلاة تلك الليلة لكي تسمعني الخطيبة، لما قرأنا التحيات وسلمت.. وعدت للمأموين فإذا بأحد الشيوخ في القرية متمدد على الأرض وقال لي: الله لا يجزيك بالخير - هذا أول مأموم يدعو على الإمام - الله لا يجزيك بالخير قطعت ظهورنا.
بالنسبة للأستاذ الشاعر أحمد سالم باعطب هو كما تعرفون مبدع وأديب مؤدب لا أستطيع أن أجاريه لا في الفصاحة ولا في الأدب ولا في التواضع ولا في طلب العلم، أما العصامية التي أشار إليها الدكتور عبد المحسن القحطاني فما أخاله هو ولا غيره إلا أولئك العصاميين، وقد تمنى علي لو كنت بقيت في الجامعة، وأقول أن رحلتي من الجامعة إلى التعليم لم تكن بغرض الإدارة ولكنه كان لغرض نشر التعليم، وعندما تركت وظيفة مدير عام التعليم في المنطقة الشرقية تركتها عن اقتناع بأنني مارست من الصلاحيات ما فيه الكفاية ويجب أن أخلي المكان لغيري وأن أتفرغ لشيء آخر. الشيء الأخر هو مثل ما أجبت شيخنا وأستاذنا الشيخ حمد الجاسر، سألني لماذا تركت التعليم؟ قلت له يا شيخ حمد لم أترك التعليم ولكني تركت الوظيفة، فأنا فعلاً لا أزال وسوف أظل مع التعليم ولكن مع طلب العلم.
الأستاذ الكبير مصطفى عطار، طبعاً أنا أقول أستاذ كبير لأنه كان مديراً لي وكان عميداً للكلية، لا يعني ذلك حساب الأعمار والسن، فالعمر هو في نظري ما يؤديه الإنسان من أعمال فطالما يستطيع أن يؤدي عملاً ويستفيد علماً فهو ما يزال في ريعان الشباب وهذا ما يجعلني دائماً أشعر بأنني مثل ابني محمد في الشباب، على فكرة أيضاً من أفضال الله أن معي أبنائي الثلاثة محمد وعبد الله وأحمد، هم حاضرون هنا، الأستاذ مصطفى عطار كان عميداً للكلية، وعندما تولى عمادة الكلية كان لدينا بعض الفسحة، يعني تخرج بعض الحصص ما كنا نسميها محاضرات، نسميها حصص، نخرج بعض الحصص إلى عرفات، نخرج إلى قهوة الشربيني في الحوض، يعني نفرك بالمعنى الصحيح، الأستاذ مصطفى عطار قفل الباب في الكلية، واستفدنا كثيراً أثناء الفترة التي رأس الكلية فيها لأننا التفتنا إلى دروسنا.
أما الركوب على التندة الذي وصفه عنا فهو استثار في ذاكرتي عندما كنت مدرساً في مدرسة بني سالم بالباحة، اتفقت أنا وزميل الدراسة معي في الفصل، مدير المدرسة، الأستاذ فيصل بن سعيد بن صقر، اتفقت وإياه على أن ندرس الطلاب تدريساً جيداً ولكن لا ننسى أنفسنا من اللعب، فاتفقنا أن يقضي كل منا نصف الحصة يدرس والأخر يلعب خارج المدرسة، والثاني يأتي بعده، وما هو اللعب؟ اللعب خارج المدرسة كل واحد فينا عنده علبة مربى أناس.. الحق طويل أطول من الكأس هذا.. ونخرقها من تحت وبحبل نجرها ونضع فيها تراب وهي سيارة، هذا هو اللعب، من مكان إلى مكان يخلص ويرجع الواحد إلى المدرسة، اليوم واحد من الأخوان من كرم الأستاذ عبد المقصود خوجه أكلنا ثم أخذنا حلاً ثم رجعنا أكلنا في الغذاء ثم أخذنا حلاً، فقال يا جماعة اذكروا الله، تأكلون وتحلون وتأكلون وتحلون هذه ما صارت يعني - الأستاذ عبد الله غريب - من نادي الباحة، وذكرني على الركوب على التندة، في يوم من الأيام وصلت سيارة بن صقر، هذه المدرسة كانت في قرية الشيخ بن صقر، وأنا كنت من الحفاوة بأسرتي أن الشيخ استضافني في بيته أيام تدريسي في مدرسة بني سالم، وصلت سيارة الشيخ بن صقر عليها بضائع وتذهب من بني سالم إلى بلجرشي، فركبت أنا والمدير، كل واحد على دعاسة، هو جنب السواق وأنا على الجنب الأخر، إلى بلجرشي، والطلبة تركناهم كما هم، في المدرسة، لا ندري ماذا صار لهم بعدنا، ومكثنا في بلجرشي إلى أن أقبل المغرب وعدنا إلى بني سالم وعندما وقفت السيارة أمام بيت الشيخ سعيد بن صقر رحمه الله أدركنا أننا أخطأنا، على أي حال في تلك الليلة المدير الأستاذ فيصل أكل علقة كبيرة جداً من أبيه ولكني أنا الذي عملتها على نفسي بالماء فقط، يعني شخيت على نفسي من الخوف، حقيقة، ويذكرها الشيخ رحمه الله إلى أن مات.
قاعات الدرس في أمريكا ذكرها الأستاذ مصطفى عطار، أنا أود أن أذكر أول درس سجلت فيه في أمريكا كان الأدب الأمريكي وأول اختبار حصلت فيه على صفر، معالي الشيخ حسن آل الشيخ رحمه الله هذا الرجل له فضل على كل بيت في المملكة العربية السعودية لأن التعليم انتشر وتطور في عهده - سوف أحاول أن أختصر - تطور في عهده ولكنه كان يغمرني بفضله الذي لا أستطيع أن أقوم بأي جزاء له، لدرجة أنه كان يسألني عن نتائج أبنائي عندما يلقاني في المدارس ونتائج البنات أيضاً، وقد شملني العطف وضم ابن محمد بعد أن بقي على حسابي في الولايات المتحدة الأمريكية أحد عشر يوماً، ضمه إلى البعثة دون أن أدري واتصل بي يعاتبني ويؤنبني.
تكلم عن الجائزة، جائزة سمو الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز، أنا لن أتحدث عنها لأننا كتبنا عنها كثيراً وهي تتحدث عن نفسها وصارت معلم من المعالم الثقافية والحضارية في المنطقة الشرقية ولكن اكتشفنا فيها أن جدة تفوقت في المرحلة الابتدائية، وحفيدتها تفوقت في المرحلة الجامعية، كذلك اكتشفنا عن طريق الجائزة أن أماً لتسعة أطفال حصلت على الأولى في مدارس محو الأمية، وأيضاً اكتشفنا أن ثلاثة أشقاء نالوا الجائزة ثلاث مرات متتالية في المراحل المختلفة.
الأستاذ مصطفى أبو الرز هذا زميل وصديق ومدحه لي مجروح على أي حال ولكنه يبقى مصطفى أبو الرز ذلك الأديب المبدع والشاعر القوي وابن القدس التي نسأل الله تعالى أن يفك أسرها وأن يمنحنا شرف الصلاة فيها والزيارة إليها. وهو تكلم عن الحبر والقرطاس وحقيقة أنا كنت أول مرة قبل أن أسافر مكة عام 67 و68 في المدرسة كان يعطي لي فرخ ورق، في المنطقة الشرقية يسمونه فرخ حجازي، فهنا نسميه فرخ ورق، كنت كتب في قفاه وفي وجهه لمدة شهر، إذا جئت قبل الشهر ما يعطوني شيء، وفي نفس الوقت عندما عدت إلى المدرسة ودرست ووظفنا بجاهه وتدبيره الأستاذ سعد المليص، وظف الأطفال ليكونوا مدرسين وأنا واحد منهم، نحن كنا ثلاثة، بدأ أمامنا تحدي أيضاً وخال أولادي محمد سعيد أبو الريش وهو نقيب سابق في الجيش، واللواء طيار الركن علي بن أحمد الغامدي، متقاعد وهو موجود الآن وهو ابن خالي، واللواء ركن عبد الجبار بن عبد الله الغامدي وهو ابن ابن عمتي، هؤلاء في الواقع بعثوا في نفسي شرارات وأضاءوا وأوقدوا في عزيمة قوية وأنه لا بد أن أشق الطريق، قررت أن أترك الوظيفة والتحق بالمعهد العلمي السعودي في الرياض لأننا سمعنا من الأستاذ المليص في جلساته، الأستاذ المليص وظفنا مدرسين ونقلني أنا من مدرسة بني سالم إلى مدرسة بني ظبيان التي يرأسها ودرست أنا فيها على يديه، وبقينا معه مدرسين ولكننا مدرسين لم نكن موظفين إلا عندما نستلم الرتب، إنما بقية أيام الشهر نحن طلابه الذين نستفيد منه وننفذ تعليماته. الشيء بالشيء يذكر، لا أود أن أنسى أساتذتي الآخرين جميعاً منهم الأستاذ سعيد بن أحمد السبالي الزهراني وللمفارقة كان هذا أول أستاذ يخرج بالمدرسة عن أسلوب الكتاب، وأسلوب الفقيه، وبعض قرانا تسميه المعلامة، ولكننا نسمي المدرس الفقيه، صحيح نقول له يا سيدي، في نجد يسمونه مطوع، أقول سعيد السبالي الزهراني أول مدرس يخرج بالمدرسة عن طريقة الكتاب ويدرس فيها قواعد الحساب الأربعة أنا درستها على يديه قبل أن أسافر إلى مكة، ويدرس فيها أيضاً شيء اسمه الإملاء ويصحح دفاتر الطلبة ويعمل شيئاً كثيراً ولكنه كان المعلم الواحد لمئات الطلاب، فأذكره بالخير، وأذكره بالإجلال والتقدير والدعاء بالمغفرة له وللشيخ حسين بن عبد الله بن موجان رحمه الله فقد كان أستاذاً وداعية وإماماً وخطيباً مفوهاً في الأسواق وفي المساجد وفي المنتديات، وخلف أبناء بررة منهم على يميني الشيخ - محمد بن حسين الموجان القاضي في جدة، وإخوانه كلهم في هذا السلك، أعود مرة ثانية وأقول يوم عز القرطاس والحبر قررنا أن ندرس، ولكن عندما قررنا أن ندرس قررنا أن نهرب من الوظيفة، عندما قررت أن أهرب واجتمعت في مكة مع الزميل سعد بن أحمد العباسي هو مقاول معماري في جدة، كان من كبار موظفي الزراعة، والأستاذ محمد العلي العبد الله وهو الآن من كبار الممثلين الماليين في وزارة المالية بالرياض، قررنا ثلاثتنا أن نهرب إلى الرياض وندخل المعهد العلمي، لم يكن عندي نقوداً كافية واستلفت من الصديق سعيد بن حمدان من مكة مئتي ريال واستلف مساعد من تاجر آخر ثلاثمائة ريال وأما محمد العبد الله فيحمل نقوده في جيبه، قررنا الذهاب إلى الرياض واشترينا تذاكر في الخفاء وقالوا لنا في مطار جدة تعالوا صباح الأحد، قبل ما تطلع الشمس تعالوا واركبوا الطائرة وروحوا الرياض، كان هذا الكلام في عام 1376هـ، عندما امتطينا التاكسي في الخريق، وقف سائق التاكسي لأنه من وادينا وسمع ابن عمي الذي أشار إليه الأستاذ سعد المليص في كلمته، ينادي فوقف وأنزلني بالقوة وبقيت في المدرسة، فقررنا أن ندرس منازل، عندها في الواقع الأستاذ سعد المليص ابتكر طريقة المدرسة الأهلية الريحانية.
الأستاذ عبد الله رجب لم يفتني في الواقع صوته عندما بدأ يتحدث ذكرته لكن أين؟ وعندما ذكرني بلقائي معه في مدرسة النجاح الليلة في مكة المكرمة، وهي مدرسة كان يملكها ويديرها ويخطط لها المربي الشيخ عبد الله خوجه رحمه الله رحمة واسعة، كان هو فعلاً من الطلاب النجباء والذين يتحدثون اللغة العربية، الأستاذ عبد الله خوجه أعجب بي وبالأستاذ الدكتور سعيد المليص لأننا نحن الاثنان اللذين التحقنا بمدرسته معلمين ونحن ندرس في كلية التربية في عام 86 أو 87 للهجرة، وهو أصر على بقائنا وإننا ندرس باللغة الفصيحة ولكن عندما غلبتنا الدروس في الكلية هربنا عنه وأبقينا بقية رواتبنا وكتبنا خطاباً أبلغناه فيه ببقية رواتبنا واعتذرنا عن هروبنا عنه وعدم استئذاننا ولم ألقه رحمه الله إلا بعد أن تخرجت من الولايات المتحدة الأمريكية ووجدته أمام أحد الدكاكين عند أحد أصدقائه في المدعى وقبلت رأسه وطلبت منه السماح وكان قد نسي ولكنه كان حفيا فيَّ أيما حفاوة.
شكراً لكم على الإصغاء وأنا قلت لكم أن شهادتي في الكلام يعني في الهروج على رأي العم سعيد أطال الله في عمره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :766  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 81
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.