شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بذور فلسفية (2) (1)
النظام والفوضى نقيضان
لا يتأتى لاثنيهما أن يجتمعا في مكان.
وبدون الرجوع إلى قاموس.. فإن النظام هو كل ما اتسق على نسق.. فأما الفوضى فهي بعكس ذلك، إنها كل ما افترق كل مفترق!
والمفروض لدى الناس أن النظام هو أحب إليهم وأجدى عليهم؛ لأنه يقر الأشياء في مواضعها، ويعطي الأمور قيمها الصحيحة ويسلسلها على نمط فريد لا نشاز فيه ولا التواء..
والفوضى ليست هي التي (تترك الناس لا سراة لهم) فحسب (2) ، ولكنها كل ما تناثر بلا انتظام، وتداعى بلا استواء، وتشظى في كل جهة، والتاث إقراره بكل عرف وقانون!
رغماً عن ذلك بل ونكاية بكل ذلك.. فإني أحب (الفوضى) وأذوب بها هياماً، وأموت بها غراماً..
ما أحلى الفوضى!
ألا ما أحلاها..
النظام يطبق على ابن الخامسة والعشرين كما يطبق على ابن الخامسة والثمانين.
النظام يستوي فيه الجاهل والعالم والذكي والبليد والحازم والإمَّعة، والشخص يمثل في النهار، والشبح يلوح في الظلام.
كيف التطبيق؟ إنه بعد شبابهم يجعلهم شيباً، ثم يردهم إلى أرذل العمر، فلا يعلمون بعد علم شيئاً.. ويذكرهم ثم ينسيهم.. ويبصرهم ثم يوقعهم في أحرج المآزق!..
هذا هو النظام الذي أحسب أن شاعراً جاهلياً عناه.. وإن لم يقصده.. فقال فيه:
لنا يومٌ، وللكروان يوم
تطير البائسات.. وما نطيرُ (3)
النظام: قيد.
والفوضى: انطلاق.
انظر إلى النجوم والسحب في انتشارها على صفحة السماء بلا نظام.. فسبوح قدوس رب الملائكة والروح، وتأمل في واحات الصحارى ورياض القفار.
الطبيعة التي كلما جادها الوسمي تألقت أفوافها، واختلطت ألوان أزهارها وأنوارها بلا نظام مشذب ولا اتساق مهذب، فلست تبصر غير اختلاط نمانمها بين أبيض يقق وأحمر قان وأخضر زبرجدي وأزرق سماوي وأصفر كهرماني، وقد التف كل ذلك على أثباج الآكام من عروق الشيح إلى أصول الخزامى وأفانين الرند والعرار، إلى غصون القيصوم والأقحوان، وقد أمست كلها ومولاها الربيع وربها الله.. كلاً متآلفاً متخالفاً لا تكاد تميز بين ائتلافه واختلافه..
لتحيا الفوضى..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :233  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.