قبل أكثر من أربعين عاماً كنت أرعى البهم في كنف جدي لأمي المرحوم عبيد الله بن سرحان، وكنا نربع في "الرصيفة" وهي تقع جنوباً عن مكة على طريق اليمن، ويحدها شمالاً طريق جدة، ويمكن أن توصف بأنها عبارة عن مساحة واسعة من الأرض.. إذا توالت عليها الأمطار أنبتت من كل زوج بهيج.. وأذكر من نباتها أمثال: الثمام، والسعدان، والحماض، والقبه، والسفواء، والمائلة وغيرها.
فكنت في الصباح أطلق البهم من أرباقه وأحتقب سعناً، وهو عبارة عن شكوة صغيرة (ضياح من لبن)، وكنت أخرج بها من بيوتنا التي كانت تتألف من أخبية الشعر التي تقوم على ثلاث من الأعمدة أو أكثر ومن الخيام، فأتوجه بالبهم إلى المراعي القريبة، فإذا جاء وقت الزوال آويت بها.
فأما في الأعياد فإن الأغنام تذبح وتطبخ بالألبان وتمد الموائد ويضاف إليها الزبد والتمر.. حتى إذا جاء الليل أشعلت النيران بالأحطاب الجزلة أمام القطين وانتظم الرجال صفين صفين، وأخذوا يهزجون باللعب الذي يسمى عندهم "قصيمي" بفتح الصاد، وأذكر من أغانيهم أمثال:
فإذا انقضت مدة ونحن نزول في مكاننا ورأينا أن الأرض قد أجدبت واستهلكت المواشي خير ما عليها من نبات، قربنا الإبل والحمير وحملنا عليها الأثقال (أخبية الشعر وعياب التمر وبقية الأثاث) وانتجعنا خيراً من مكاننا الأول وأطلقنا الماشية من أغنام وأبقار وإبل مع رعائها إلى الأكلاء المجاورة لنا، وهكذا طيلة ثلاثة أشهر بين حل وارتحال.
ونسيت أن أقول: إننا كنا نشرب ونسقي أنعامنا من غدير واسع يسمى "العكيشية"، وهي عبارة عن بحيرة واسعة بين جبلين تقع عن الرصيفة جنوباً على يمين الذاهب إلى اليمين.
المصدر: جريدة عكاظ، ع967، 10/10/1387هـ، ص5، والمقال في الأصل جزء من استطلاع قامت به صفحة البادية بالجريدة تحت عنوان: "رجال البادية يتحدثون عن العيد"، وقد شارك في الاستطلاع إلى جانب السرحان: "محمد السليمان الشبل، ومحمد شرف، وعبد الرحيم الأحمدي، وعبد الله الهزاني، وعبد المحسن العصيمي".