شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من أعلام الأدب الغربي برنارد شو (1)
في العام الماضي مات برنارد شو، فماتت العبقرية الإنكليزية التي أفردت "شكسبير" وأتأمت ببرنارد شو؟
وقد كان "شو" يحتقر شكسبير ويشن عليه حملات ارتجالية، ومع ذلك فليس مثل شكسبير في زمنه، ولا مثل شو في العصر الحديث.
مات شو في ثاني يوم من نوفمبر 1950 وقد بلغ أربعة وتسعين عاماً، وقد سقط يوماً من سلم الدار قبل أعوام، فقال: إن من السخف العجيب أن تختل أقدام المرء قبل أن يختل رأسه..!
ثم سقط السقطة الأخيرة في حديقته، وبها نفذ قضاؤه، بعد علاج لم ينجع.
وكان شو -فوق كثرة تجاربه- دقيق الفطنة فريد الألمعية قوي البادرة، فإذا أضفت إلى ذلك كله ألاعيبه البهلوانية في النكتة الموحية، والسخر الذريع والشيطنة الملهمة، أضفت بذلك كله سحراً إلى سحر، وبراعة إلى براعة.. إنها براعة سحرية قل أن توجد إلاّ في الأساطير!
والأجوبة المستعصية هي الأجوبة التي يقولها شو دائماً حينما بررت دواعي استعصائها.
وهو يقولها لها بدون مبالاة، ثم يتذكر ألعابه -بعد سلوان- في ضحكة خاطفة.
عَبَر المانش مرة للقاء أناتول فرانس الكاتب الفرنسي العظيم، وقال له لأول وهلة: إني وإياك لعبقريان! فاستضحك أناتول فرانس وقال لمن حوله:
"إن هذا الغلام شديد الذكاء فهو لا يكتفي بادعاء العبقرية فقط، ولكنه يوهمني أيضاً بأني عبقري!".
وهي لمزة من لمزات أناتول التي اشتهر بها!
ولم يسخر "شو" بالناس وبكل ما اعتقده الناس وأجمعوا عليه إلاّ بعد أن أوسع نفسه سخرية على أنه سريع النسيان، قليل الاحتمال في سخريته، فبينما هو يسخر من شيء إذا هو يعود إليه بالتقديس والإجلال.
ولست تعرف مصدر سخره.. أذاك عن رحمة أم عن حقد؟ فإن ألعاب الهواة التي يصطنعها متاهة من متاهات الفكر لا يهتدي فيها الدليل.
لقد كان يقول: إن بلوغ الرشد في الإنسان، لا يصح إلاّ بعد استكمال مائة من عمره، وهذا محال كما ترى، ولكنه يقصد من هذا أن هناك قوماً يديرون العالم -أطفالاً أو كالأطفال- لا خبرة فيهم ولا معرفة لهم، وليسوا مع ذلك بأكفاء أن يديروا طاحونة!
وقد كان "شو" على عداء ألد مع "ولز" الذي سبقه إلى الموت قبل سنين. وقد كان ولز أعلم وأعمق منه، وكان شو في سهولته وسخريته أشهر منه؛ ولهذا أصبح اسمه ألمع وأسطع من اسم ولز الذي كان لدقته وعمقه أعصى من أن يفهمه إلاّ أفراد قلة!
ولقد كان يؤمل شو أن يحيا إلى الثلاثين بعد المائة، ولكن الموت لا يستشير شو، ولا غير شو!
ومات شو بعد أن ترك للخلود آثاراً ترجمت إلى كل لغة، وعاشت مع كل قوم.
ويطول بي النفس لو أردت أن أكتب عن شو المفرد العلم والتيارات الفكرية العاصفة التي ابتعثها أو انبعث إليها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ولا مراء أنه يعد من العمالقة الجبارين المسيطرين على الأذهان، بعد أن سبقه إلى الموت ولز في إنكلترا وأناتول فرانس في فرنسا.
وقد نُقلت إلى العربية من إنتاجه عدة كتب منها: البربرية تبحث، وجان دارك، وتابع الشيطان، وجنيف، وعربة التفاح، وبجماليون.. ولا أتذكر غيرها!
وسيمضي على المرأة الإنكليزية دهر طويل قبل أن تنجب للعالم مثل شو الذي كان بوتقة انصهر فيها كمال فكري من نوع نادر عجيب اهتدى به الناس إلى نقائصهم!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :503  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج