لا نكاد نتخلص من تكاليف الحياة حتى تفاجئنا تفاهاتها، فإذا كان للحياة تكاليفها كما أشار إلى ذلك زهير بن أبي سلمى في معلقته -وقد أشرنا إلى ذلك في مقال سابق لنا(2) - فإن للحياة تفاهاتها أيضاً، ولعلّ هذه التفاهات أثقل إصراً وأعسر أمراً وألد وأوجع من تكاليفها.
ذلك بأن هذه التفاهات تتعدد بتعدد أصحابها، وهي ذوات ألوان وشكول ومنازع.
فتفاهات المطعم والمشرب والملبس والمسكن، وما تواريه وراءها من فضول وذيول لا يحيط بها حصر ولا تقف عند حد.
وكل الناس من فقيرهم إلى غنيهم، ومن أدناهم إلى أعلاهم، وفي ألين وأقسى ما يمارسون في أحلامهم بين يقظتهم ومنامهم... كل هؤلاء الناس، إنهم يعيشون في الفضول والحواشي والهوامش، وفي السطوح، ولم يعيشوا قط في الذرا أو في الأعماق منذ آلاف السنين.
في أي طور، وفي أي زمن خرجوا عما تضمه أبدانهم وأحشاؤهم من مأكل وملبس؟
ومتى تعالوا بمطامحهم إلى المقام الرفيع؟ لا تلهث، من كثرة ما تريقه من هذا الهراء.
إن أمامك زمناً واسعاً طويلاً عريضاً يقدم إليك كل ما تفتقر إليه من مساعدة على الاستمرار في قذف أمثال هذا الهراء الذي لا تنتفع به، ولا ينتفع به الآخرون، ولكنه يزيدهم هماً وغماً، ويُخْني عليهم مثلما أخنى على رصيفهم "لبد" القديم في ذلك الزمن الذميم.