شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأسلوب المر.. (1) !
وهذا يسهل أحياناً، ولكن لفريق ممتاز من الفنانين الأصلاء، ولعلّ الناس يعودون فيقارنون بين طعوم الأساليب ومذاقاتها وما يحلولي منها، وما يمروروي، وما يكون بين ذلك؛ بعد أن كانوا يقيسون بين البيان والعي، والجزالة والسلاسة، والوضوح والغموض، والفحولة والرقة في ما يقرأ من مئات الأساليب والديباجات.
وقد وصفت مرة كاتباً يكثر من كتاباته على ضآلة إحسانه ويأتي قوله مفككاً متهافتاً مخذول السياق، فقلت: إنه ترتخي مفاصله كلما أراد أن يكتب.
ويعجبني المرح في روح الكاتب وأسلوبه على نحو ما يفعل الأستاذ المازني والدكتور سعيد عبده والتابعي (2) وغيرهم.
وليست صفة المرارة ذماً أو مثلبة على إطلاقها، فقد كان سليمان يصف حبيبته بأن شفتيها تقطران مراً مائعاً، فتخيل أي حلاوة لذيذة في هذا المر المائع المسكوب من تينك الشفتين (3) .
وابن الرومي ودعبل وبشار في شعرهم الهجائي أرباب مرارة قاسية، ولكنها لما فيها من صدق الفن والإحساس تؤخذ مشروبة مستساغة أحلى من زلال الماء.
وما قرأت ديباجة أشد مرارة من ديباجة الدكتور طه حسين في وصف الحالات النفسية والاجتماعية، ولكنك لا تستطيع أن تصف ما في تلك المرارة من طلاوة وحلاوة.
والمرارة تأتي من نفس الأديب الفنان قبل أن تقطر من أسلة قلمه، فهي بالنسبة إلى ينبوع مرارته النفسية، لا توصف إلاّ بأنها أهون وأضأل كثيراً من حقيقتها هناك.
ولا يمكن كذلك المفاضلة بين الحلاوة والمرارة إذا كانت لا تقع إحداهما إلاّ في موقعها الصحيح، ولا يمليها إلاّ باعث نفسي خاص، ولكن الممكن هو أن تفاضل أو توازن فقط بين حلاوة وحلاوة، ومرارة ومرارة، فإنها تأتي على درجات متفاوتة بين سمو وإسفاف، وخشونة ولين، وبراعة وبلادة، وصدق وزيف.. وسيقوم سيد قطب بمصر، والعطار مثلاً! هنا كلما خاضوا في غبار الأساليب أو اقتحموا عجاجها الأربد بسلسلة من النقد والغربلة متصلة الحلقات، وسنذوق ألواناً متباينة، وطعوماً مختلفة، أحلاها في ما يظهر الصاب والعلقم، وأمرها كما يبدو السكر والعسل..
ولا تنس أن حاسة الذوق لها أكبر الأثر، وقد يخدع بها صاحبها، وقد تمرض، فتعطي بعض الطعوم أوصاف طعوم أخر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :463  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.