شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأدب (1)
الأدب علم نظري، لا يمكن أن يقيم أود صاحبه، أو يبلغه لبانته حتى في أتفه وأرخص وسائل العيش، وبهذا نستطيع أن نميزه عن العلوم التطبيقية كالهندسة مثلاً، فإن الهندسة يعيش بها صاحبها، وإن يكن في ما سواها أشد بلادة من كل بليد.
والأدب علم ألفاظ [ومعانٍ] (2) فصوغ العبارة أو فهم الجملة أو التعبير بالفقرة الكافية، هو الشيء الذي يسعنا أن نجعله العنصر الأساسي في الأدب، ولا بد لذلك أيضاً من أشياء تلتحق بالعناصر الأساسية، وإن لم تكن أساسية في ذاتها، فمنها مثلاً الإلمام بتاريخ الأدب، وتصريف الألفاظ واشتقاقاتها، وفهم مدلولها على نحو ما، والامتلاء من استظهار كثير من النثر والشعر، وحفظ أسماء الأعلام الأدبية في القديم والحديث، والتخمة المفرطة بالعبارات والفقرات والشذور والمقطوعات وما إليها.
فانظر إلى إنسان لا يكفيه أن يكون ملماً من كل ذلك بطرق واسعة؛ وإنما نستطيع أن نعتبره في ذلك مبرزاً أيما تبريز، وناهباً قصب السبق في أعظم ميادين الانتهاب، فماذا أفاد هذا المسكين وماذا استفاد؟ وكيف يمكن أن يقيت نفسه أو يعول أهله؟
سلبية مطلقة بالتأكيد.
إلاّ إذا استطاع أن يحفظ بناحية اجتماعية خاصة يكسب بها عيشه، ويحوز احترامه، ويملأ بها مكانه؛ فإما أن يكون ذا منصب ملحوظ، أو يكون متمتعاً بثروة لا بأس بها، أو مشهوراً بخصلة اجتماعية معترف بها في مجتمعه، كأن يكون ذا رأي صائب أو نظر بعيد، أو عقل ممتاز.. وأما ما عدا ذلك من ضروب الأدب ودقائقه، فلغو لا حاجة إليه، وهم لا يزداد منه إلاّ نصباً مضاعفاً.
ما أحسب أن هناك أديباً يمتري في ذلك، إلاّ إذا كان على درجة من الغباء الذي لا حيلة فيه.
ليس هذا عندنا فحسب، ولكنه في كل أرض معمورة من بلاد الله، وليس هو بالظلم المجحف بالأدب، ولكنه الجزاء الوفاق الذي لا معدل عنه، ولا مذهب إلى سواه.
لا شك أن الأدب متعة روحية، ولكنها من نوع الطعام الذي يؤخذ بعد الشبع والاكتفاء، مثل الحلوى مثلاً أو الكوامخ والأشربة التي تسهل عملية الهضم، فما يمكن أن يسقيك الأدب وحده شربة من ماء، ولا يجوز أن يُخدع بذلك إلاّ مخلوق أوجده الله سبحانه وتعالى ثم أسقطه على أم رأسه.
فعلى أدبائنا بعد اليوم ألاّ يقلموا أظفارهم الرقيقة استعداداً للطفولة الجميلة الموهومة، فإن نهج الحياة أبيض لاحب لا عوج فيه، ولا تجوز المغالطة عليه.
وقد يحلو لي في بعض الأحيان أن أنظم أو أنثر، ولكني مع ذلك من أعرف الناس بالقيم الواقعية في الحياة، وهي قيم مؤلمة يبلغ من صدقها وصراحتها أنها لا تحفل بشيء، وهي تحطم في كل لحظة أجمل الأحلام المثالية، وأرفع المثل المعنوية التي يتشبث بها كما يتشبث الغريق بحزمة واهية من أشعة الشمس.
وما يعوزني أن أعرف ذلك ولو من قبيل الإِحساس الظاهر الذي لا كذب فيه ولا جدال عليه، ولكن يعوزني حقاً أن أركّز ذلك في نفسي، وأعترف به في أعماقي، وأعمل به، ولو في الفترة بعد الفترة.
إن الحياة جبارة ساحقة فيجب أن نواجهها بسلاحها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :485  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج