الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > طائر الشعر

طائر الشعر ⁽¹⁾

استطاع السندباد البحري عندما أوشك أن يضل في مجهل شاسع أن يربط نفسه إلى رجل "الرخ" ذلك الطائر العظيم الهائل، وأن يصعد به الرخ، وهو يشعر بمكانه ولا يحس بثقله، ويرتفع به إلى الآفاق العالية إلى أن هبط به في مكان أمين.

وطائر الشعر مثل الرخ، وفي الشعراء سندبادان: أحدهما مثل السندباد البحري خفيف قضيف لبق، يستطيع إذا ربط نفسه بطائر الشعر أن يحلق ويسمو، ويأتي بالبدائع والروائع.

أما السندباد الآخر، فهو ثقيل الجسم والروح، قليل الحيلة، ضعيف النظر يربط نفسه بطائر الشعر فإذا هو يلبط به الأرض، ولا يتركه يريم.

نموذجان من الشعر في مثالين من الشعراء، ومن حسن حظ الناس والدنيا أيضاً أن الشعراء الرابطين اللابطين أكثر عدداً وأوفر مدداً وأشهر ذكراً.

والمطبعة العربية تفضل المطبعة الأوروبية وترجح عليها بوفرة ما تنشره من الإِسفاف والغثاثة والضعف الذي يعود قوة -أو يحاول أن يعود قوة- بفضل أولئك النقانق الذين يصولون بإهاب القوة وراء ثياب مهلهلة من الضعف المكين...

والشعر قبل أن يكون جزالة في العبارة الخداعة، أو طلاوة في المعنى الزائف، يجب أن يصدر عن نفس أصيلة نقية لا يمكنها أن تدلّس على القرّاء؛ لأنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تدلس على نفسها.

والتدليس على القرّاء ضرب من التدليس على النفس، بل هو شر تلك الضروب؛ لأنه لا يتمكّن في الطبع إلاّ بعد أن يصح في أذهان الناس، ثم يصح بعد ذلك بقوة الإِيحاء والتأكيد في ذهن صاحبه، ثم تمتد جذوره وتتوغل، وتذهب أقصى مذهب، فإذا هو مدلس كبير لأنه ماذا؟ لأنه شاعر كبير!

والذي هاج هذه الخواطر عن الشعر والشعراء إعلان نُشر في البلاد السعودية بلغ بالفرحة أبعد مدى في كل قلب يتذوق الأدب الصحيح والفن الصادق ⁽²⁾ .

إعلان عن قوادم النسر، وهو الديوان الأول للشاعر الحجازي الأول الأستاذ محمد حسن عواد ⁽³⁾ ، والعواد هو الرائد الأول للشعر الحجازي الحديث الذي يقوم على أفضل وآنق وأعمق أنماط الشعر في أحدث ألوانه وأفنانه؟!

ولا أريد أن أزيد، بعد أن قرأنا عشرات الدواوين في الداخل والخارج؟!

أنهار كبار وجداول صغار، وأنت جم الصدى متقد الأوار، ولكنك تأخذ من ذلك جرعة، ومن ذاك غرفة، فإذا أنت مزوّر النفس، مطوي الكشح على ظماء مهلك... خير ديوان هنا أو هناك هو الذي لا يمكنك أن تأخذ منه أكثر من جرعتين متباعدتين، ثم إذا بك تندم كما ندم قوم طالوت، وإذا بك توشك أن تنهزم كانهزامهم.

لقد سمعنا كثيراً مواء قطط وعويل أطفال.. فهيا بنا لنسمع ولو مرة واحدة كلام رجال وأي رجال.

[1]	المصدر: جريدة البلاد السعودية، ع664، 3/9/1366هـ، ص4.
[2]	الإعلان نشر في العدد رقم 662 (نقلاً عن: آمنة عبد الحميد عقاد، محمد حسن عواد شاعراً، جدة: دار المدني للنشر والتوزيع، 1405هـ/1985م، ص86).
[3]	ورد في ملحق الطبعة الأولى من ديوان آماس وأطلاس ما يلي: "يتألف ديوان العواد من أربعة أقسام، بل من أربعة دواوين"، وفيه ".. والديوان الثالث هو قوادم النسر"، غير أن الديوان لم يصدر وبقي حلماً في ذهن العواد (انظر المرجع السابق، ص85).