شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أنا بين الداء والأدواء (1)
ما أعرف منذ أن زكنت نفسي من السادسة من عمري فصاعداً، إلاّ وأنا معرض للأدواء والزمانات المتلاحقة.. وفي جسمي اليوم من أخمص قدمي، إلى قمة رأسي، أكثر من مائة كية بين خفيفة وثقيلة!
واليوم أنا في نحو الخامسة والخمسين من عمري، إذا صح أني ولدت في عام 1333هـ.. فقد كنا بدواً لا نؤرخ مواليدنا ولا وفياتنا، وندعها لله!
ومنذ ذلك الحين طفقت كثير من الأمراض، والعلل، تعمل تجاربها في جسمي، حتى إذا نجحت هذه التجارب انتشرت في مستوى أعمّ ودنيا أوسع، ولم يكن في أيامنا منذ أربعين سنة، أو أكثر، أطباء أو أدوية لها قيمتها..
كنا نلعق الكمون، ونسف الفلفل الأسود.. ونشرب للاستطلاق "السنا المكي" يضاف إلى ذلك "الكي" وهو أبسطها، وأكثرها.. لولا أنه يقع في اللحم.. فإن الذي يكوي، ويضع النار على اللحم الأحمر غير الذي يكوى، ويتلقى سعيرها.
وهكذا كنا في زمن مضى!
ودرجت بعده أزمان، ثم كثرت الأمراض وازدادت، وتنوّعت، حتى لكأنك على أكمل مائدة، ومن أطايبها.. وتبعاً لذلك كثرت الأدوية، التي لا يعرف لها [رأس] (2) من رجل، وبذلك تكاثر الأطباء، والمتطببون!
ومن هنا دارت الرؤوس، وبلغت النفوس الحلاقم، واختلط اليقين بالظنون، والأوهام.. وأصبح من يحس شيئاً في قدمه، يطلب أن يكون علاجه في رأسه، وبالعكس!
ثم أمسينا، وأجسادنا مثل الحرير مرهفة، وأنفاسنا تصطدم بالنسيم العليل، فترتد عنه.. وقد كنا نطأ على الشوك، فآضت أقدامنا أشد حساسية من رؤوسنا.
هذا كله يجوز أن يكون نتيجة لمبلغ الترف الذي أصابنا!
ولقد أنسيت موضوعي الذي بدأه به هذا الكلام، وإن كان هذا الاستطراد في سبيله، وبموضوع منه.
لقد أصبح سبيلي في الأمراض -الآن- ومعالجتها، أن أتركها تفعل ما تشاء، وأن أقوي نفسي بطبيعتها على مقاومتها، دون أن أستخدم أي علاج!
ولقد بذلت نفسي على علاتها لأي مرض يتلقاني، حتى أصبحت أسخر به وهو ينخر في جسمي.. ولقد بلغت من العمر عتياً.. فإن خمسة وخمسين عاماً بالنسبة إلي، وإلى ما سبق ذكره، ليست بالعمر القصير!
وإذا كانت هذه الحياة تؤخذ على عواهنها، فإني أنا من أطيب الناس نفساً بأخذها.
والحياة، ليست فلسفة، ولا هي جد، ولا هي هزل.. ولكنها تأخذ في كل ذلك بنصيب.
وقد يقال في الحياة كل ما يقال، من فلاسفة الغرب، والشرق، ومن الأقدمين، والمحدثين، ولكنهم فشلوا -مع هذا كله- في تفسير معنى الحياة.
إن الحياة قد تولد صغيرة، فتموت في مهدها، وقد تولد كرة أخرى فتمتد شماريخها، إلى أبد الآبدين.
هذه الحياة التي تتمثل في مجموعات من الناس، ومن الأزهار، والأثمار والدواب، والحيوان!
فكم يرى المستكنه، وبعيد النظر، وعميقه، فيها من إحالات، فقد تنقرض فيها فصيلة، هي أجدر بالبقاء وقد تبقى الأخرى، وهي أحق بالفناء، وهذه مشاهد نراها أمام أعيننا، ونتلقاها بقلوبنا، ونفوسنا، ونحن كاظمو الغيظ عليها.. ولكننا لا نستطيع عنها حولاً.
أنا أقول هذا.. وأنا في يم زاخر من الآلام، والأوجاع، ولكن من يراني أو يسمعني، يقول إني ساخر بالحياة، وبكل ما فيها من دواعيها، لكن الواقع غير ذلك؛ لأن الحياة تسخر به أبلغ السخرية.. ثم تجعلني أداة في يدها، لأسخر منها.. من باب التعويض.. وهو تعويض كاذب.. وإلى الله المشتكى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :492  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.