شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أفكار من الهلام (1)
قبل أكثر من ثلاثين عاماً، كنا فتية خلطاء، وكنا متفاوتين في طرق معائشنا، وإن كانت اتجاهاتنا واحدة على وجه التقريب.. بيننا من يعيش على بيع الأغنام مثلي أنا.. وفينا من كان أبوه يعيش على تجارة "الفحم" مثل الأستاذ عريف (2) .. ومن كان يتعاطى بيع الكتب والصحف، ومن قبلنا كان الأستاذ محمد سعيد العامودي يبتاع في الأقمشة مع أبيه في "سويقة [القديمة".. بل إن فينا أيضاً من] يعمل في "السمكرة" مثل المرحوم -إن شاء الله- حسين نظيف (3) ، إلى كثير من الأعمال التي نؤديها نحن، أو تؤدى عنا من آبائنا..!
كانت الدنيا بخير، وكنا قانعين.. وكان في طوق أحدنا أن يطير على جناح واحد من جناحي عصفور الشجر.. الخفيف الظريف.. والصفة هذه للعصفور -طبعاً- لا للشجرة!
مع هذا كله.. كنا نجتمع على الأقدام من أسفل مكة في جرول والمسفلة إلى غيرها بالمعابدة!
وكان رئيسنا -أو يكاد- محمد حسن عواد.. فقد كان يحرر في مجلة "الإصلاح" التي [يرأس] (4) تحريرها حينذاك محمد حامد الفقي (5) .. وكانت إدارة تحريرها بمقر الحكومة التي تسمى "الحميدية" المشهورة، رحم الله أطلالها!
وربما أني نسيت إخواناً كثيرين، وعذري إليهم أن الأعمار تنقضي، ولكن الدهر لا ينقضي إلاّ إذا شاء الله.
كنا يومذاك أخفاء من الدنيا فارغين للأدب قديمه، وحديثه، وكان المازني، والعقاد والرافعي، وشكري وطه حسين، والغمراوي (6) ، وغيرهم.. ألوية تنتشر أمامنا، فنهرع تحتها، وبين أفيائها، ونتحدث ونتناقش.. ثم يصنع لنا غداء.. أي غداء.. ونتفرق لنعود في الصبح الباكر.
ومرة أخرى، أعتذر عذراً، قد لا يكون له قيمة.. فإني في هذا "الهلام"، ألحقت الأكابر بالأصاغر.. كما يقال في رواة الحديث النبوي الشريف.
كيف كنا منذ تلك السنين، وكيف أصبحنا اليوم؟
لقد رقي قوم، وهبط قوم، وذهب قوم.. وأجود من فيهم هو الذي احتفظ بمكانه من كرامته، وشرفه، وكرمه، ونبعة أصله.. ولم تخلفه عن خلطائه تقلبات الزمن!
إن الزمن يتقلب على الناس.. وليسوا هم الناس الذين يتقلبون على الزمن.. ذلك لأن الزمن أطول منهم عمراً، فوا بؤساً لهم!
ومكاسب العيش والتعويل عليه من واجبات الحياة، ومن متطلباتها على ألاّ يكون فيها ما يخزي النفس، والشرف، والكرامة..
ولقد عشنا جميعاً نبيع الغنم، والفحم، والحطب.. وما سواها، ولكننا لم نعش لتنفس الهواء مثل الضفادع، ولا لتنشم الماء مثل السمك.. كما أننا لم نعش عالة على الآخرين..
وهذا الجواب -وإن جاء متأخراً عن أوانه- ولكنه يصلح في مثل هذا الزمن الذي نجد فيه أناساً يأخذون السلم من أعلاه، ولا يعرفون أسفله.
وقد كنت أحب أن أقول فكاهة في مثل هذا الموضوع.. ولكنها تحتاج إلى وقت آخر، يضطرنا إلى أننا نأتي بمثل هذه الفكاهة، تكميلاً لهذا الموضوع الغريب..
ولو أن لي عليه بقية إلحاقات قد تستكمل حلقاتها، أو لا تستكملها!
أما بقية أصدقائنا في زماننا الأول، فلقد يكون لهم شأن آخر، لا أدريه.. وهذه قد تكون مقالة غير اختيارية؛ ولذلك فإن معانيها غير محسوبة علي.. ولكم الشكر أيها القارئون!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :467  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 71 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج