فهارس الكتب عناوين الكتب محتويات الكتب أسماء المؤلفين الكل          البحث   

مكتبة الاثنينية
الرئيسية > كتاب الاثنينية > الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأديب الكبير الأستاذ حسين سرحان > الجزء الثاني - النثر > أولاً: المقالات > المقالة الذاتية > بعد الخمسين
[بعد الخمسين] (1) عندما يتجاوز الإنسان الخمسين بأربع أو بخمس من السنين، وينظر بآماقه الكليلة، فيجد أن كل لداته، وخلصائه، ذهبوا إلاّ أقلهم.. مثل هذه النظرة الكئيبة، تجدد للقلب برحاً لا يفنى، وتودع في النفس قلقاً ناشباً، فضلاً عن عقد يتراكب عليها الزمان والمكان، وتختلف عليها ألوان من أشجان الإنسان، مع أقاربه والأباعد، على ضروب غير منسقة، لا من الناحية المادية، ولا من الناحية المعنوية.. هناك عثرات في نهج قد تراه مستقيماً، لا أود فيه، ولا عوج، ولم تكن في حسابه، ولم تطف بباله. يضاف إلى كل ذلك "صغائر"، قد لا تؤذي جناح ذبابة حتى إذا أهملها ولم يدع لها مسرباً في ذهنه، فإذا الهول كل الهول، والويل كل الويل. إن فرعاً من شجرة، وهو محسوب عليها، ومنتم إليها، لا يُتصور -بضم الياء- أن يستأصلها من جذورها.. ألا ما أبعد تصور الإنسان وخياله من واقعه الحقيقي! فإن ذلك الفرع في تلك الشجرة قد تلقى عليه النار الجاحمة، فإذا هو يرى أمه البكر الفينانة، الغنّاء قد ضحكت بألسنة نار الأبالسة، وراحت رماداً! ولكنَّ هناك فرداً يبيد أمة! فرع يهلك شجرة.. ماذا في ذلك؟ أمة كاملة لحساب نفسه! أطافت بنفسي هذه الذكريات، وأنا لا أستعيد ما ألمّ بي في حياتي من فقدان الأصدقاء، فلهم عذرهم، أما الأعداء فعليهم وزرهم! وأما أنا فكما قال "مؤرج السدوسي" (2) ، لكن الأمة العربية المسكينة، أين تذهب وقد خلبتها شعارات مستوردة، وزاغوا كل الزيغ عن سبيل أمتهم التي فتحت نصف العالم في بضع عشرات من السنين.. اختلف العنوان عن الموضوع، فليكن، وشتت الأفكار، فهذا حق! هل هناك عربي واحد يملك وحدة في أفكاره، واستقامة في منهجه..؟ نعم أنا بعد الخمسين ببضع سنوات كما سلف قولي.. وقد فقدت كل أحبابي، وصحابي. فيا نجوم أزهري. ويا فلك، در كما تشاء. ويا أيتها العظام المنيرة في أجداثها ترحمي علينا، وليبلنا الله بغفرانه! أما أنتم يا كل من مات.. يا كل من أتذكر، ومن أنسى، ومن أعرف، ومن أجهل.. تعالوا إلي! أو خذوني معكم.. وأرهقها علي.. خمس وخمسون حجة.. ما أكثرها!   [1] المصدر: جريدة عكاظ، ع1301، 3/12/1388هـ، ص7، وقد نشر المقال ضمن صفحة منوّعة أعدها عبد الله خياط، وقدم له بالسطور التالية: "أستاذي الكبير حسين سرحان كتب لعكاظ هذه اليوميات، ولقد أعجبت بها فسرقتها لصفحتي كي تتصدرها اليوم بكل فخر واعتزاز"، ويلاحظ أن الخياط وضع عنواناً للمقال، وهو "يوميات مسروقة", غير أنني رأيت أن العنوان الأنسب "بعد الخمسين". [2] يقصد قوله: بسأتُ بالخطب حتى ما أُراع به وبالنوائب في أهلي وإخواني (انظر مقاله: رسالة لأخي سعد، ص669 من هذا الكتاب).
طباعة تعليق  القراءات :453  التعليقات :0
صفحة 66 من 144

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان

هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع
	تسجيلات كاملة
	مقتطفات لتسجيلات مختارة
	لا أؤيد
النتائج