منذ سنيات غير قصيرة، وأنا لا أطعم للنوم غمضاً، وقد استنكرت نفسي بادئ ذي بدء، ثم وطَّنت نفسي على ذلك، ووكلت أمرها إلى الله جل شأنه..
وقد نصحني أطباء أصدقاء أن أتناول بعض "المنومات" التي لا ضرر منها فرفضت مؤْثِراً النوم الطبيعي -مهما تأخر- على النوم المصطنع مهما أسرع.
بعد الفجر الذي أسمع أذانه كما أسمع أذان العشاء، تلم بي تهويمة أو إغفاءة قصيرة، فما يكاد يذر الإِشراق إلاّ وأنا معه في سباق.. في سباق مع الزمن ومع العمل ومع النفس التي رذلت وتخلفت بعد أن جاوزت الثالثة والخمسين أو تكاد من عمر قد استوى عنده إن مد فيه أو لم يمد..!
هذه الأعمار التي يتهافت عليها الناس ويتناضلون في طولها، ويتصارعون من أجلها، وهم لم يساموا فيها الاقتدار، ولم يروضوا منها على الاختيار.
إنها تعطى لهم بلا مشيئة، وتسلب منهم بلا مشيئة.. وجل وعلا رب جمع كل المشيئات في يده.. وتذكرت من محفوظاتي القديمة التي لم يأكل الدهر عليها ولم يشرب؛ لأنها ليست مما يؤكل بها أو يشرب.. تذكرت أبياتاً من الشعر أطافت بهذه المعاني وأشارت إليها على مختلف الصياغات بين شاعر وآخر..
وللشعراء، وهم الألسنة الحية القادرة، وهم شموس التعبير وبدور البيان عن كل ما يختلج في نفوس البشر من آلام وآمال.. لهم في كل ذلك القدح المعلى "قِدح ابن مقبل"(7) .
فحياهم الله وأكرم مثواكم على ما يصابون به من المناحس، وما يلقونه من شؤم الجدود.
وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.