شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ماذا كنا نقرأ قبل 35 عاماً؟ (1)
دأبت منذ أن بدأت الكتابة أن أعبِّر عما يجول في عقلي وقلبي، وهما موجودان بدليل وجودي أنا بالذات.. أعبر عن أفكار وعواطف غير مصنوعة، ولا مجتلبة ولا "مقوقعة" في النصوص..
ولا يكرثني -بعد ذلك- من يوافق فيساوق، ولا من يخالف فلا يؤالف.
ذلك لأني جبلت على حرية مطلقة في تفكيري واتجاهاتي من حين أن عرفت كيف أتجه، وكيف أفكر.
وإذا أطلقت فكرة، وأنا أطلقها عند اللزوم، فإني لا أعتمد فيها على قول فلان أو فلان، وأنا لا أتبع أي مذهب من المذاهب القديمة أو الحديثة، إلاّ إذا استقصيته درساً واستقراء، ومقارنة ونقداً.
فليس "أرسطو ولا سقراط" بأفضل عندي من ابن سينا والفارابي.
ولا الأئمة الأربعة.. أئمة السنيين رحمهم الله وغيرهم من المجتهدين مثل الأوزاعي والظاهري وسواهما -وقد قرأت أكثر ما كتبوا- لست أعدهم ولا أعتدهم إلاّ أنهم قد بذلوا نفوسهم وجهودهم في سبيل العمل الإسلامي المشترك.. فالأول عندهم القرآن الكريم، وهو ما لا يعدل به شيء آخر..
والثاني حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذا صح إسناده ولن يتهم بجرح أو تعليل..
وبعد هذين وهما الأصلان الأعليان.. يأتي الإجماع والقياس.. ثم الاجتهاد.
وقد قال أحد الأئمة الأربعة، وقد غاب علي اسمه، فإني كما أسلفت لا أكتب إلاّ من الذاكرة والذاكرة قد تخون إذا طال عليها الأمد طوله على "لبد".. قال هذا الإِمام ما معناه: الكتاب والسنة على الرأس، فأما إذا وصلنا إلى درجة "الاجتهاد" فهم رجال ونحن رجال (2) .
وقد لعمر الله صدق فإن أي إنسان أصيل التفكير لماع الذهن أريحيه، لا يتأتى له أن يفكر بدماغ شخص آخر.. ومن هو "الإمعة" إن لم يكن هذا؟
فقد قرأت -والحمد لله لا لسواه- منذ أكثر من ثلاثين سنة البخاري ومسلم وابن ماجة والترمذي والنسائي وأبا داوود والنووي والماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين"، وهو كتاب من خير ما يقرأ في موضوعه..
وفي حينها.. قرأت التفاسير العديدة مما ألف ابن كثير والبغوي والزمخشري والجلالين، هذا ما عدا كتب الأدب واللغة ومؤلفات القالي والمبرد والجاحظ والتوحيدي وابن قدامة وأبي هلال العسكري وابن قتيبة والمقَّري وابن عبد ربه، والعشرات من أمثال هؤلاء الأعلام المشمخرة في سماء التأليف العربي وحده.
دع ما قرأت لأعلام العلم والأدب الغربي.. من فلسفة وأدب وعلم وتاريخ.. منذ أزمان أفلاطون وأفلوطين، وسقراط وأرسطو.. ثم طفقت مستمراً في إدمان القراءة ما يقطعني عنها إلاّ النوم، أو الغياب عن الدار.
وما ترجم عن الأدب الغربي إلى العربية بأقلام أمثال: الزيات، وأحمد زكي، والمازني، ومحمد عوض محمد، وأحمد الصاوي محمد وغيرهم من عذارى القصص لأمثال أناتول فرانس، وديكنز، وبرناردشو، ومكسيم جروكي، وتشيكوف، وتولستوي، وويلز، ومارك توين.
كنا نقرأ ذلك على اختلاف واختلاط بين كل هذه الأفانين من الآداب والقصص والعلوم.. فكيف بإنسان يدرس كتب العقائد ويستقصيها ولا يهابها ما بين الشهرستاني إلى ابن حزم إلى آخر من كتب عنها وكتب عن غيرها من الخوارج والإباضية والحرمية والقرامطة والعبيديين، فلا يتأثر بعد ذلك كله بأي شيء مما قرأ؟
ذلك لأنه صحيح الذهن قوي البادرة، وأن كل شيء يزيد في معلوماته ويقوي من اطلاعاته.. ومع ذلك لا يصرفه عن مذهبه الذي اتخذه عن عقيدة كاملة بعد الاطلاع الكامل على كل المذاهب والمبادئ التي قد تتلاءم مع عقيدته وقد لا تتلاءم على فرط سعتها.. ومع هذا كله، فقد يأتي أطفال تعلموا منذ زمن قريب، فإذا هم يفتوننا في أمور ديننا.. لا باجتهاد منهم ولا بمقارنة، ولكنهم يرددون أقوال الأولين والآخرين ترديد "الببغاء".. قال فلان كذا.. وقال فلان كذاك..
هذا حسبهم.. لقصور اجتهادهم، وحتى العضو الفكري لديهم معطل؛ لأنهم لا يشغلونه بالتفكر والاستنباط والاستخراج.. وهكذا نحن نعيش في دوامة من هذه الأفكار القديمة..
حتى السلف رحمهم الله كانوا يقيسون على أزمنتهم وأمكنتهم بما كانوا يقيسون.. والشافعي -رحمه الله- بدَّل في مذهبه وعدل عندما كان بمصر، عنه بالحجاز.
وأنا لا أريد أن أطيل.. لكن هؤلاء الأغيلمة الذين تعلموا -علماً قصيراً- وعكفوا عليه، ولا يطيقون أن يجاوزوه إلى ما هو أعلى.. يظلون دائماً في كهوف مظلمة من طخياء (3) أفكارهم المحبوسة في "قماقم" مثل قماقم الجن في عهد النبي الملك سليمان.
وإذا قلت قولي هذا واستغفرت الله.. فهل بعده من معدى؟
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (البقرة: 156).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :412  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.