شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الخمسون: لا.. لن يعود الشباب (1)
منذ أشهر بلغت الخمسين أو الواحدة والخمسين.. ماذا مضى علي في دهري المديد!؟
إن الخمسين ليست عمراً عند كثير من الذين يُعمَّرون إلى ما بعد الثمانين والتسعين.. إنها تعتبر "مراهقة" لديهم.. مراهقة يسيرة، وإن كنت أعتبرها من أعمار قوم "نوح"!
خمسون؟!
يا للأمد الطويل البعيد الأحقاب.. أجيال ثم قرون لا تستنفدها السنون.
الشعر يشيب، والنفس تهرم، ولكني أحس أيضاً بأن ذهني قد بدأت خطوطه البيض تلوح كما تلوح لمعات من تباشير الصباح.. لكنه واأسفاه صبح سبق فجره!
ها أنا ذا أتحسس الماضي وأتأمله بعد فواته.. أما المستقبل فلم يعد يهمني!
الشباب ذهب يباباً، كأنما وطأته سنابك خيل!
وأيام الغزل أمست هملاً مثل ذئب رعى غنمها في ليل!
وركوب العتاق النجيبات المراسيل..
وامتطاء صهوات الجياد.. مثل الغزلان!
والضرب بالسلاح من البندقية إلى المسدس.. والصيد.. والقنص، اقتناص الأيائل.. ثم الجلوس أمام الرمث والغضا والدخان يعتكر.. ومعالجة محماس البن.. ودقة في "النجر".. الهاون، وهذا الملقاط الطويل لتأريث النار، المصنوع من الحديد المزخرف بالصفر.. وقد اختلط مع بنها.. هيلها بزعفرانها..
لقد أتينا بالحطب وبالهشم الذي توقد به النار.. وحفرنا لها حفرة تقيها شر الريح حتى إذا التعجت وأجت.. استطعنا أن نخبز عليها خبز ملة.. وأن نتقهوى ونصطلي.. ثم ندفنها برمادها.. لنرجع إليها بعد حين.
.. أجل أيها السادة هذا هو الشباب!
هذا هو شبابي المفقود..
يا أحلام الشباب.. يا أساطيره، يا خياله السابح.. يا جنابه الجانح.. يا أمده المتطارح.. ليس بي حب الأسجاع، ولكن الشباب يذهل ويفتن.. فتنة قيس لليلاه.. وفتنة الحالم بنجواه!
الشباب برد قشيب، لا تخلق جدته، ولكن تقصر مدته..
إنه يشبه الرؤيا المليحة في ليلة العمر السوداء الكالحة..! بل يشبه قصيدة عصماء تغنى لها الزمن فغطى بها على مساوئه العديدة..
إن الشباب هو الروح الفريدة التي لا يعيش الجسد إلاّ بها.. إنه روح من الله.
لقد كنا نركض ونلهو، ونضرب الكرة لا بأقدامنا بل بأرواحنا..
أرواح فيها كثير من الاستفزازات والنشاط، وفيها.. بعد ذلك.. أحاسيس على غاية من الرهافة.
أما الشعراء فقد قالوا عن الشباب أمراً عجيباً غزيراً، وبكوا عليه كثيراً..
ولن يغنيهم ذلك لا فتيلاً ولا قطميرا.
.. لو أن الشباب صور لكان مرآة من سماء، ولو أنه خيل بعد فقدانه -لكان عنقاء..
قد تعود الصحة بعد السقم.. وقد يعود الغائب، وقد يبرأ الكليم.. وقد ينير الظلام.. وقد -حتى- يدخل الجمل في سم الخياط!
ولكن الشباب لن يعود.. لن يعود على الإطلاق!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :483  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج