شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لقد جاءنا هذا الشتاء (1) ...!
لا يكون الإنسان إنساناً حقاً إلاّ إذا شعر بأن من حوله -مهما بلغوا من الفقر والإِدقاع- أناسي مثله يحق لهم أن ينعموا بما ينعم به، ويرفهوا عن أنفسهم بما يرفه به عن نفسه، ولا بأس في اختلاف الدرجات هنا أو هناك؟ على ألاّ يكون هذا الاختلاف كبيراً بحيث تنعدم فيه النسبة، ويتسع به النطاق، والمطلوب هنا هو الشعور فقط، فإن الشعور الإنساني إذا تحقق -وهو عاطفة صحيحة- انقلب إلى إرادة، وانقلبت به الإرادة إلى عمل.
ويوم كانت الأرض لا تحمل على سراتها كلها إلاّ ما يبلغ المائة من الأب الأول آدم وأبنائه وأحفاده فقط، كانت أسرة واحدة وادعة على الرغم من أول جريمة قتل وقعت على سطح الأرض بين ابني آدم، هابيل وقابيل، وكانوا لسذاجتهم وطيبتهم وصحة فطرتهم إلى حد يبلغ بالقاتل إلى أن يحتار كيف يفعل بالقتيل وأين يذهب به، وقد ضاقت به النفس، وابتهم عليه الأمر وطال به الأمد، حتى انبرى له غراب أعجم فأراه كيف يواريه!
كذلك كان الإنسان الخير الطيب المؤثر.. وأرخت الدنيا عنانها، ثم ارتفعت به أعنانها، واكتظ فيها سكانها، وتبلبلوا وأصبح كل إنسان كأنما آدمه غير آدم أخيه الثاني لا يعرق فيه بنسب، ولا يتصل إليه بسبب.
ونحن نرى كيف نسي الناس تعاليم السماء، وسخروا بقوانين الأرض، فإذا شبعت أنا فلا علي من الملايين يجوعون أخطف اللقمة من أيديهم وأنتزعها من حلوقهم، وإذا رويت فعلهم يصدون ويهلكون، وإذا اكتسيت، فلا بأس إذا ذابوا من البرد أو صاروا من الحر يتساقطون.. وسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون.
كلا إن الذي نسبّحه في المساء والصباح يأمر بالضد من ذلك ويتوعد عليه بالوبال والهلاك، ولن ينفعنا التسبيح بالألسن؛ ونحن في جلودنا ذئاب مساعير.
إن الذين يقرؤون القرآن المجيد يمرون بالآيات التي فيها الويل والثبور ككانزي الذهب والفضة مر اللئام، وإنهم ليرجون من الله بعد ذلك جزيل الثواب وحسن الختام.
ها نحن في الشتاء، فماذا فعل المترفون الأثرياء؟ إن الأجسام التي تتقطع من قارس البرد يقابلها أجسام لا تشعر به ولا تسأل متى يجيء هذا الشتاء ومتى يذهب؟ لأنها تملك فوق وسائل التدفئة الحديثة عشرات فوق عشرات من المعاطف والأوْقية والأغطية.
وإن الذين يقرضهم الحر بأسنانه الحِداد لكثرة كاثرة تصاقبها قلة كاشرة تتقلب على وسائل التهوئة الحديثة مع الملابس الأنيقة الرقيقة.
إن جاز ذلك للنصارى واليهود والملل الأخرى، فكيف يجوز هذا لمن يدين بالإسلام.. الحنيف الرحيم الذي يعول الأيّم ويحتضن المعدم، ويعطف على اليتيم.
كلا ليس هذا هو بالإسلام.. ولذلك نكب الله المسلمين في شتى أقطارهم، وجعلهم من الذلة والجبن والتأخر بمكان عظيم.
ما قرأت من الشعر شيئاً أصدق من هذين البيتين -[وهما] للمعري- في تصوير هذه الحالة الخالدة التي استعصت على الزوال:
لقد جاءنا هذا الشتاءُ وتحته
فقيرٌ معرَّى أو أمير مدوَّجُ
وقد يرزق المجدود أقوات أمة
ويحرم قوتاً واحدٌ وهو أحوجُ (2)
وصدق الله العظيم -قبل كل شاعر- في قوله الكريم: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (3) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :458  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج