شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لا بطحاء بعد اليوم (1) ...!!
لن تكون في مكة بعد اليوم -واأسفاه- بطحاء.. هذه البطحاء الباردة اللينة الميثاء التي كنا في الليالي القمر نستلقي على حصبائها ونغرس أقدامنا فيها، ونكوم منها ما يشبه الوساد فنتكئ عليه، ونستعذب ليونته وبرودته، ونظل نتقلب على أديمها الفضي المذهب بأشعة القمر إلى منتصف الليل..
هذه البطحاء الجميلة الحلوة التي كانت تَقَاود كالأطفال البيض يأخذ بعضهم بأيدي بعض فيما يشبه الحلقات المستديرة الواسعة في سفح "ثبير" إلى منقطع البطاح بأسفل مكة. ماذا أقول؟ لقد ذهبت ولن تعود!
كان الأئمة من هاشم وأمية إذا مُدح أحدهم بأنه "ابن مسلنطح البطاح" (2) أي ممتدها، أتلع عنقه ورفع رأسه واهتز في أريحية وخيلاء.. وكان خير ما يفتخر به معاوية أن يقول لأحد مفاخريه:
ويحك.. إذاً تجدني أبا سفيان ينشق عني الأبطح (3) .
وكان البحتري يقول في أحد ممدوحيه العباسيين:
يا ابنَ الباطح من أرضٍ أباطحها
في ذروة المجد أعلى من روابيها (4)
وكانت البطحاء معرفة أو منكرة من أسمى سمات مكة وأرفع صفاتها، وكانت مع تنكيرها أشهر من كل تعريف.
هذه البطحاء هي التي ربى فيها ومشى عليها بهاليل الأجداد وغطاريف الأسلاف كانت أقدامهم تتميث عليها، وكانت أخامص هذه الأقدام أرفع وأجلّ وأعظم من رأس يحيا اليوم في عالم النفاق والفتن والطغيان.
لقد ذهبت هذه البطحاء ولن تعود.. واستبدلت بالزفت والقطران وسود الأحجار من كل حرة من الحرار..
أما إني لو بي ما يجذب أقل الشعر لنظمت -تالله- قصيدة في رثائها، وقد طواها موكب الزمن، ولكن أين الشعر مني؟ وقد استعصت قوافيه، وتقضبت دواعيه، وأصبح يعزف عنه من كان يأتلق سروراً لأي أغنية من أغانيه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :509  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 30 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج