شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أسطورة إسرائيل
تأليف: د. فرانس جوزيف شيدل
ترجمة: عادل القباني وأحمد عبد القادر
سوف تظل، وسوف تظل باستمرار، ودون أي تراجع أو جدل، قضية فلسطين مجالاً للبحث، وللنقاش.. بل ومجالاً للتأهب.. طالما بقي الوجود الإسرائيلي الصهيوني، جاثماً فوق الأرض الفلسطينية..!
وليس من شك في أن حل قضية فلسطين بتحريرها نهائياً من نير الصهاينة وإعادتها لأصحابها الشرعيين -العرب- هو الحل القانوني الواقعي الإنساني.. الحل الذي لا يمكن أن يفكر أي عربي بل أي إنسان منصف في سواه مهما بدا للناس من تحكم الصهيونية العالمية في أوساط الغرب، أو مهما بدا للناس أيضاً أن الاستعمار هو ما زال سادراً في خيلائه مغروراً بصلفه وجبروته ومصراً على أن يقف دائماً من وراء إسرائيل..
والحديث عن فلسطين، وعن إسرائيل، وعن الصهيونية، هو حديث في الواقع عن أخطر جريمة وقعت في التاريخ.
ولقد كتب عنها الكتّاب من كل مكان، فأكثروا وما زالوا يكتبون..!
ولئن كانت المطابع قد أخرجت للناس عشرات من الكتب أو البحوث حول قضية فلسطين في صورتها الحقيقية غير الملتوية أو المغرضة، بحيث لم يعد خلاف حول بشاعة الجريمة ولا إنسانيتها، فإن الكتب التي صدرت من الغرب -حيث معقل إسرائيل- وبأقلام بعض الكتّاب السياسيين المحايدين، إنما هي -دون أي ريب- دليل واضح على خروج هذه القضية بالمرة من إطار الجدليات العقيمة، أو النقاش البيزنطي..!
إن هناك عدداً كبيراً من كتّاب الغرب، أصبحوا يشجبون -بكل صراحة- المخططات الصهيونية، وينددون كل التنديد بعدوان إسرائيل..!
ولن نجد حيال ذلك، ونحن نمضي اليوم مع كتّاب "أسطورة إسرائيل" أي شيء غير عادي، أو أي شيء غريب..!
كل ما نستفيده هو أن نستزيد من معلوماتنا، أو أن نعرف أي مدى وصلت إليه فضيحة إسرائيل في أرجاء الدنيا..
إن كتاب "أسطورة إسرائيل" قد لا يأتينا بجديد في الواقع عن حقيقة دعاوى الصهيونية، وما ارتكبته وترتكبه من جرائم.. ولكنه يؤكد لنا -على أي حال- وجهة نظر غربية محايدة غير متعصبة، لها قيمتها في مجال الآراء..!
وأول ما يقرره لنا المؤلف وهو يتحدث عن أسطورة إسرائيل، أن مشكلة إسرائيل اليوم ليست مشكلة اليهود فحسب، وإنما هي مشكلة العالم أجمع، بعد اختراع القنبلة الذرية.. ذلك لأن إسرائيل تعرض العالم للحرب العالمية، في الوقت الذي يبدو فيه العالم في حاجة ماسة إلى الاتحاد والاستقرار والسلام.. ولذا -يقول المؤلف: لا يمكن للعالم أن يغمض عينيه عن مثل هذه المشكلة..!
"وقول الحقيقة بالنسبة لليهودي صعب جداً، ولا يسعه أن يحتمله.. وقد دفعتني الرغبة في أن أحمل على عاتقي مسؤولية إيضاح مشكلة صعبة لي.. أن أبين وجهة نظري"..
"وكثير من اليهود قد منحوني شرف صداقتهم، وعملوا ما في وسعهم لإسعادي والترفيه عني.. ومع ذلك فقد أبديت رأيي صريحاً في هذا الكتاب!"..
ويقول المترجمان في تقديمهما للكتاب: "إنه أحد الكتب القليلة التي خطها مؤلف غربي، يعيش في وسط "دوامات" الدعاية الصهيونية العاتية، ووسط إرهاب الصهاينة الذي يصل إلى حد لا يمكن أن يتصوره عقل بشري..!
إن الكتاب يعالج مشكلة إسرائيل بإفاضة، من جميع جوانبها؛ فهو يعرض للجانب التاريخي من المشكلة، مفنداً لكل الحجج اليهودية الخاصة بمزاعمهم عن حقهم التاريخي في فلسطين.. مبيناً إلى أي حد وصل الصهاينة في تزييفهم لحقائق التاريخ.
وهذا الكتاب يدق أجراس الخطر مصلصلة عالية في آذان اليهود في جميع أنحاء العالم..
وهو يسجل أيضاً التغير الذي طرأ على ضمير العالم.. لقد استيقظ هذا الضمير ليصيح على لسان "يوستينوس": "لقد سرقت بلد بأكملها، ونهبت جميع ممتلكات شعب بأسره، حتى إنه حرم من أرضه ووطنه، ومع ذلك فالعالم يسكت على هذا.. إذن ففي أي عالم نعيش؟".
وعلى لسان "توينبي": "لقد تعلل اليهود لطرد العرب من ديارهم بأعذار واهية، واليهود يعلمون ماذا تقترف أيديهم.. وقد وصلت هذه المأساة إلى ذروتها، ولكن يبدو أن اليهود لم يتعلموا شيئاً مما حدث لهم.. وبعد.. -يقول توينبي- ما هو المصير؟!".
ويشير المترجمان إلى كلمة لـ "تيودور هرتزل"، الرجل الذي خطط لإنشاء "الدولة الإسرائيلية"، يقول فيها "هرتزل":
"لو كنت قد عرفت اليهود جيداً من قبل، كما أعرفهم طبقاً للتجارب التي خضتها معهم، لما بشرت بإنشاء دولة يهودية خاصة".
ولنستمع -بعد- إلى المؤلف في صفحات من كتابه "أسطورة إسرائيل".
يقول المؤلف:
لقد رفض جميع الصهاينة والمتزمتون، واليهود المتعصبون، الحل المرضي لمشكلة اليهود، ألا وهو اندماج اليهود مع الشعوب التي كانوا يعيشون بين ظهرانيهم..
وحتى في جميع الدول المتسامحة -كالولايات المتحدة- حيث لا يلاقون أي نوع من أنواع الاضطهاد الديني، لم يرض هؤلاء أن ينتسبوا إلى هذه البلاد، كما نجد الصهاينة الأمريكيين أنفسهم يشعرون بأنهم يهود أولاً، ثم أمريكيون بعد ذلك.. علماً بأن الصهيونية لا تجد لها مكاناً أرحب في العالم أجمع مثلما تجد ذلك في أمريكا..
ولقد أصدر الصهيونيون الأمريكيون قرارهم التاريخي العالمي بعدم الموافقة على الانصهار والانخراط.. أو إذابة اليهود في الشعوب التي كانوا يعيشون معهم عن طريق الاختلاط، وخاصة هؤلاء الصهيونيون المقيمون في أمريكا، الذين يصرون بشدة وعنف -متعللين بأسباب وطنية وعنصرية- على إنشاء دولة يهودية خاصة بهم..
وقد ظن العالم أن تكوين هذه الدولة قد حل مشكلة اليهود، والمساعدات المالية.. وموجز القول أن الولايات المتحدة أسهمت عن طريق الصهيونيين الأمريكيين في إنشاء دولة لإسرائيل في فلسطين.. كما ظن العالم أن تكوين هذه الدولة قد حل مشكلة اليهود، وذلك بإنشاء وطن لهم في فلسطين.. ولكن الحقيقة أن إسرائيل الحالية لم تحل مشكلة اليهود، ولا تستطيع العقول أن تتصورها حلاً لهذه المشكلة.. بل إن ذلك يعد ارتداداً في التاريخ، فبإنشاء دولة إسرائيل في فلسطين بالقوة، خلقت مشكلة أخرى لليهود في غاية الخطورة بجانب مشكلتهم العالمية..
فإسرائيل -هذه الدولة التي اغتصبت أرض فلسطين- إنما هي حل خاطئ تماماً لا يمكن الدفاع عنه أو تأييده، لأنها اعتمدت على القوة التي يصعب الاحتفاظ بها.
وقد تصرفت إنجلترا في منطقة لا تتبعها على الإطلاق، عندما وعدت اليهود بأن تكون فلسطين لهم بمثابة وطن قومي.. وقد أجبر أهل فلسطين -الذين سكنوا هذه الأرض منذ أكثر من ألفي سنة- على السماح بدخول أفواج اليهود المهاجرين إلى فلسطين على أساس حق تقرير المصير الديمقراطي..
وما إن وطئت أقدام اليهود أرض فلسطين لأول مرة، حتى قامت المعارك التي لا يمكن تجنبها بين العرب -السادة الشرعيين- وبين أولئك الإرهابيين غير الشرعيين.. ولكنهم نجحوا عبر تعضيد القوة الأمريكية الضخمة، والمساعدات المالية التي يبذلها لهم يهود أمريكا، وبفضل القوى التي يعبئونها لهم، في إنشاء دولة إسرائيل وطرد 800,000 عربي من ديارهم، وإبعادهم عن وطنهم الذي نشأوا فيه، كما استولوا على ممتلكاتهم.. أما الـ 200,000 فلسطيني الذين بقوا في فلسطين المحتلة، فلا يعدون من المواطنين لأنهم سلبوهم وطنيتهم..
هكذا نشأت دولة إسرائيل، وقد وسدها العرب دمهم ودموعهم، وهم بذلك قد جنوا الجوع والعري والتشرد والعوز، تحت السلطة المطلقة في أيدي اليهود فقط.. وبقاء هذه الدولة القائمة على القوة والظلم لا يساوي الدماء الغزيرة التي أريقت والدموع التي سفحت، والقوى والأموال التي بذلت من أجل إنشائها، فقد ازداد العوز والحاجة وسوء الطالع نتيجة لإنشائها، وحمايتها بالقوة..
فإنشاء دولة إسرائيل زاد من النوبات الخطيرة التي تهز أعصاب العالم، والتي تهدد سلامته وطمأنينته. فالعالم العربي لا يرضى -طبعاً- بإنشاء دولة إسرائيل المبنية على القوة والسلب والاغتصاب.. وقد فعل نفس الشيء الذي فعله الأمريكيون في الولايات المتحدة عندما انتزعت منهم سان فرانسيسكو، وكاليفورنيا، ونهبت أراضي الأمريكيين المقيمين هناك وممتلكاتهم، ثم طردوا خارج بلادهم، وتكونت فيها دولة يابانية وصينية، ودول أجنبية أخرى، فهب كل الشباب الأمريكي -فتيانه وفتياته- كل ببندقيته، لطرد المغتصبين عن بلادهم..
لماذا -إذن- ينتظر العالم من العرب ألاّ يفعلوا ذلك..؟
ولماذا ينبغي على العرب ألاّ يقوموا بمثل هذا الإجراء؟.. وقد بحث العرب -في الحقيقة- عن كل الوسائل الممكنة لطرد هؤلاء المغتصبين بشتى الطرق: عن طريق الإرهاب والقتل، وحرب العصابات.. وعن طريق الفرق الانتحارية والفدائيين، الذين يصفهم هؤلاء الإرهابيون بأقبح النعوت والهمجية، رغم أنهم هم الذين سرقوا أرض الوطن من أصحابها.. وكان يجب أن يمجد هذا العمل الوطني، المقدس، فالفدائي هو ذلك البطل الشجاع الذي يفضل أن يرتفع إلى السماء من أجل وطنه، وهذا الذي يمجده العرب جميعاً، بينما هو في نظر الإسرائيليين: القاتل اللعين الذي سيذهب إلى الجحيم..!
ويتابع المؤلف حديثه، فيتحدث عن دعاوى اليهود التاريخية لامتلاك فلسطين، إلى أن يقول: والحقيقة أن فلسطين هي أرض اللاجئين الفلسطينيين المطرودين ما بين عامي 47 و 48م. وهذه الحقيقة الثابتة لا يمكن أن يعترف بها يهودي واحد في العالم.. ولو حدث أن امتلك يهود إسرائيل قارة أمريكا نفسها، فإنهم سوف يختلقون الادعاءات على أحقيتهم في ملكيتها..!
وهل هذا صحيح..؟
إن المؤلف هنا يقول: لم تكن إسرائيل هي الحل الصحيح لمشكلة اليهود، لأنها الآن بعد أن كانوا مولعين بها يفضلون الذهاب إلى أي جهة في العالم على أن تطأ أقدامهم أرض إسرائيل، لأنها دولة عناء ومشقة.. الخ.. الخ..
.. وكانت مطالب اليهود الطبيعية هي أن يعيشوا في سلام وطمأنينة، ولم يفكروا مطلقاً بأن إنشاء دولة مستقلة لليهود يتطلب منهم أن يقوموا بتضحيات كبيرة، وإنفاق الأموال الكثيرة، حتى ينتهي الأمر إلى أن يستولي عليهم الإجهاد والعوز..
لقد أتى مستوطنون يهود إلى فلسطين، وقد ملئت عقولهم وقلوبهم بالخيالات والأوهام، ولكنهم لم يلبثوا أن عادوا من حيث جاؤوا، يجرون أذيال الخيبة والعار..
ولم تكن الحياة في فلسطين بعد تأسيس إسرائيل وطرد العرب وسلب أراضيهم وممتلكاتهم كاملة، سهلة أو مستساغة.. وما زال الأمر يتطلب من المستوطنين -اليوم- جهوداً كبيرة، وعملاً مرهقاً، وكثيراً من التضحية، والتنازل عن كثير من ملاذ الحياة..
ولذلك لا يفكر أي يهودي في الذهاب إلى فلسطين.. وإذا ذهب فإنه يكون قد أجبر على ذلك، تحت تأثير الظروف الخاصة!
والحقيقة هي أن كل يهودي يذهب إلى فلسطين لم يكن أمامه باب للاختيار، لأنه أُكره على الهجرة إليها..!
وقد حكم على إسرائيل بالموت الاقتصادي، لأنه لا توجد علاقات تجارية بينها وبين الدول العربية، كما أن الحصار الاقتصادي من جانب الدول العربية جعل المركز الاقتصادي لإسرائيل منهاراً لا أمل له في الانتعاش..
وستظل إسرائيل تعيش على الأموال التي يهبها المواطنون الأمريكيون لها من الضريبة الحرة..
* * *
"أخادهام"، كاتب صهيوني معروف، له كتاب اسمه "مفترق الطرق"، يقول فيه: "إننا شعب اليهود المختار، وإننا وحدنا الذين نملك في أيدينا الحقيقة المقدسة -كذا!- وعن طريق ذلك انحط الهدف القومي لدى كثير من أفراد شعبنا.. ولكنا أعدنا إحياء مثلنا القومي الأعلى، الذي لا يقل عن إعادة الأمة اليهودية"..
ويقول "أخادهام" في كتابه الآخر "تغيير القيم": سيسود شعبنا اليهودي جميع الشعوب الأخرى، وستتوسع هذه الإسرائيل -هذه الأمة المتفوقة التي تملك القوة للتوسع- وستصبح سيدة العالم، دون اعتبار لما يمكن أن تتكبده الشعوب الأخرى المعارضة..
ويقول مؤلف كتاب "أسطورة إسرائيل" معقباً: "شيء آخر ليس أقل عجباً، فقد شكل "هلموت جولفيشر" العبارة الإسرائيلية المختارة: "إن لإسرائيل مهمة عالمية خصتها الإنسانية بها.. ومن يتجاهل هذا عند تناوله دولة إسرائيل، سيكون مغمض العينين إلى آخر ما يقول..".
وأوضح الصهيوني الدكتور "ليوبولد كوهين"، حاخام اليهود في فيينا، أن اليهودي يظل يهودياً تحت كل الظروف.. فأي تكييف أو "اندماج" ليس إلاّ مظهراً خارجياً نقياً..
فقد خلقت الصهيونية -كما يرى مؤلف الكتاب- في دولة إسرائيل حصناً لهذه القومية، ولهذه الغطرسة العدوانية، التي استمر القوميون اليهود في تهديد العالم الوادع بدفعه إلى هاوية الحرب والاضطراب باستمرار..
ولنقف ونتأمل هذا الذي يقوله المؤلف عن اهتمام الدوائر الإنكليزية بالأخطار التي شهدت مولد دولة صهيون، والسياسة الصهيونية في السنوات الماضية عن كثب، وقد أظهرت قلقها الشديد بشتى الطرق حول الأخطار التي ما زالت تواجه العالم من جراء دولة إسرائيل اليهودية، بعد التجارب التي مارستها حتى اليوم مع الصهيونية ومع القومية اليهودية..
كلام له خبيء..
وإلاّ فكيف نتصور جدية هذا الكلام..؟
كيف نتصور مثل هذا الاهتمام، أو مثل هذا القلق الشديد -كما يقول المؤلف- يصدر من دوائر صنعت هي -لا غيرها- هذه الدويلة، وما زالت ترعاها..؟
ولكنا نترك المؤلف ورأيه هذا، لنتابع بعض الصفحات في كتابه "أسطورة إسرائيل"..
بعد أن يسرد الوقائع الدامية التي وقعت في فلسطين في السنوات الماضية، ومنها حادثة دير ياسين الرهيبة، يروي لنا ما كتبه "توينبي"، المؤرخ الإنكليزي المعروف، في كتابه "دراسة التاريخ" في صفحة 29.. يقول توينبي:
"تنتمي هذه الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين العرب، إلى درجة عليا من الإجرام لم يشهدها أحد من قبل، مثل مذابح ومشانق دير ياسين البشعة، وقتل 250 من الرجال والنساء والأطفال.. وقد أسرعوا في طرد أعداد كبيرة من السكان، الذين هربوا فزعاً ورعباً، وبذلك تم لجيش إسرائيل ما أراد.. الخ..".
ثم يقول المؤلف: ".. ولم يطرد الإسرائيليون الفلسطينيين المنكوبين خلال فترة الحرب فحسب، ولكن حتى بعد وقف إطلاق النار، حيث انتزعوا من عشرات الآلاف من أسر الفلاحين كل ما يمتلكونه من أراضي ديارهم..".
وفي فلسطين المحتلة، بقيت أقلية عربية، يبلغ تعدادها 200 ألف عربي، يوصفون هناك كمواطنين من الدرجة الثانية.. والإسرائيليون يعاملون هذه الأقلية العربية معاملة تختلف عن معاملة المواطن اليهودي.. ولم يسبق لليهود أن أعطوا أصحاب الأرض السليبة، الأرض التي سلبوها بالقوة والإرهاب وأنهار الدماء، ولم يسبق لهم أيضاً أن منحوا العرب نفس حقوق المواطن العادي، واليهود لم يسلبوا العرب أرضهم فحسب، بل سلبوهم كذلك حقوقهم.. بل ومساواتهم في الحقوق معهم كمواطنين..
وينتقل المؤلف إلى الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية، وموقفها من قضية إسرائيل.. ليقول في صراحة تامة: "لقد رفضت الولايات المتحدة صداقة 70 مليون عربي، وهي تعادي في الوقت نفسه 400 مليون مسلم. ولذا يجب على الولايات المتحدة أن تعلم أخيراً بأن أسباب هذه الظاهرة يكمن في أسباب مساعدتها لدولة إسرائيل وتعضيدها".
لقد كتبت "فرجينيا غلدر سليف"، الخبيرة الأمريكية بشؤون الشرق الأوسط، عن هذه المأساة الضخمة التي سببتها الولايات المتحدة بخلق دولة لليهود في فلسطين، حيث انتهكت الولايات المتحدة حرمة العالم العربي عن طريق تعضيد ومساعدة خطة الصهيونيين في فلسطين..
ولكن ما إن نشرت "فرجينيا" خطابها في جريدة "نيويورك تايمز" ضد محاولة إجبار العرب على التخلي لليهود عن بلادهم، حتى تعرضت لهجوم عنيف من جانب الصهيونيين.. وتهددت حياتها تبعاً لذلك..
ثم يقول المؤلف: "ولقد كانت الولايات المتحدة من قبل هي الصديقة الوفية التي يحرص العرب على صداقتها، ولكن بعد إنشاء إسرائيل، لم يعد لهذه الصداقة مكان في قلوب العرب".
إن للعرب اليوم مصالح مشتركة، هي إعادة الأرض المسلوبة، والإطاحة بهذا الخطر.. ليس هناك ما يقلق الشرق الأوسط سوى إسرائيل، فهي برميل البارود الذي يهدد بالانفجار بين لحظة وأخرى..
فلو لم تكن إسرائيل لما كان هناك ما يهدد تمويل أوروبا ببترول العرب، ولما كانت هناك مفاوضات ومساومات بشأن تزويد الغرب للعالم العربي بالسلاح، ولما كانت هناك اتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي لسد حاجة العالم العربي من الأسلحة اللازمة لهم.. ويتساءل المؤلف: "كيف رضيت الولايات المتحدة أن تعلن بأنها ستحتفظ بدولة إسرائيل، التي قام كيانها على القوة والظلم وسفك الدماء وسفح الدموع..؟
خير للولايات المتحدة، وهيئة الأمم المتحدة أن تعملا على مبدأ حماية حقوق الشعوب، ومبادئ الأمم المتحدة العادلة، في سبيل الاحتفاظ بسلام دائم للشعوب جميعاً..
ذلك أن الاحتفاظ بدولة إسرائيل يهدد -على الأقل- بنشوب حرب أهلية جديدة، من نوع الحرب الكورية، أو حرب الهند الصينية، ولكنها ستكون من نوع بشع مخيف..
وجميع أنواع المخاطرات والتضحيات بالدماء والأموال ستكون بداية حرب صغيرة، لا تلبث أن تتسع وتصبح حرباً عالمية ذرية ثالثة.. وسيكون المواطنون الأمريكيون أول من يحرق بلظاها..
وخلاصة القول: إن القوة هي التي تمكن إسرائيل من الاحتفاظ بدولتها..
* * *
وفي فصل آخر من فصول الكتاب يتحدث إلينا دكتور "شنيدل" عن تناقض بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، عندما أعطت وعداً صريحاً بقيام الدولة العربية المستقلة من الأقطار التي كانت خاضعة للحكم العثماني بكامل حدودها، في نفس الوقت الذي اتفقت فيه مع فرنسا على تقسيم هذه الأقطار بينهما وهي: سوريا ولبنان والعراق وفلسطين، إلى جانب وعد بلفور لليهود بإعطائهم فلسطين..!
وفي ذلك يقول المؤلف: "بعد أن أكد كتاب السير مكماهون في 24 أكتوبر عام 1915 للعرب استقلال فلسطين العربية، عقدت إنكلترا مع فرنسا في عام 1916 اتفاقية سايكس -بيكو.. وبهذه المعاهدة تلقت الوحدة العربية ضربة قاتلة، حيث جزأت البلاد العربية تحت إشراف كل من إنكلترا وفرنسا.. الخ..".
".. وقامت إنجلترا بخطوة ثالثة لكسب اليهودية العالمية إلى جانبها، وتعبئة اليهود ضد ألمانيا، فوعدت اليهود بفلسطين.. وتوصلت إلى إعلان وعد بلفور المشهور"..
.. وحول وعد بلفور، كتب كاتب يقول: "كانت الصدمة الثانية للعرب بعد اتفاقية سايكس -بيكو..".
ولعلّ من أغرب فصول هذا الكتاب ما تحدث فيه المؤلف عن مشروع إسكان اليهود في "مدغشقر".. الذي وجه إليه -كما يقول- الكثير من النقد.. وكانت نفس هذه الأفكار الناقدة هي التي وجهت ضد الحل الفلسطيني.. كما كان السكان في مدغشقر غير راضين على الإطلاق عن هذا الاقتحام الجديد..
وأخيراً يقول المؤلف:
"إذا أرادت الولايات المتحدة أن تساعد اليهود في إقامة دولتهم فعليها -إذن- أن تعطيهم إقليم كاليفورنيا، أو أية قطعة أخرى من الأرض تملكها، ولا يجب أن تعطيهم أرضاً مسروقة.. وإن أبسط حل هو أن تعطي تصريحات الهجرة غير المقيدة إلى الولايات المتحدة والكومنولث البريطاني بالنسبة لليهود الأوروبيين على الأقل.
لقد قدمت الولايات المتحدة الشيء الكثير للمحافظة على السلام.. فمنذ سنوات عديدة وهي تقدم لنا -نحن الأوروبيين- الكثير من التضحيات المادية التي تتمثل في الصور المختلفة للمعونة المالية الأمريكية.. ولن يحدث شيء لو زادت في أعمالها المباركة وقدمت -على الأقل- ليهود فلسطين الذين هاجروا من أوروبا إلى أمريكا في الولايات المتحدة حلاً يمكن من خلاله إنهاء مشكلة فلسطين التي شاركت الولايات المتحدة بدور كبير في خلقها وإيجادها..
إن هذا العمل سيكلف الولايات المتحدة الشيء القليل جداً بمقارنته بالمعونات السنوية المستمرة التي تحصل عليها إسرائيل من ممولي الضرائب الأمريكيين.. تلك المعونات المصنفة تحت أسماء مختلفة بالمساعدات الاقتصادية.. .. الخ..
وليس من شك في أن هذا الحل سيكلف العالم أقل بكثير مما يتكلف أسبوع من الحرب.. ومن الواضح أيضاً أن هذا الحل لن يساوي شيئاً خاصة لأنه يتكلف حياة إنسانية غالية، أو نقطة دماء ثمينة..".
وهكذا يقترح دكتور "فرانس جوزيف شيدل" مؤلف الكتاب.. وسواء أكان هو يعتقد جدية اقتراحه هذا أم العكس.. فالحقيقة التي نخرج بها من قراءة كتابه هي أن المؤامرة الصهيونية ومن ورائها كل مخططات الاستعمار الغاشمة، لم تعد موضعاً لأي خلاف حولها، أو لأي شك في أن جريمة إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين، بطريق الاغتصاب، قد بلغت من الافتضاح -حتى في أوساط الغرب نفسه- حداً لم يعد من شك في أنه مؤذن بزوالها..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :539  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج