شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من تاريخ الصحافة في بلادنا
يقول المعنيون بتاريخ الصحافة، إن أول صحيفة عربية صدرت في العالم العربي هي صحيفة "الحوادث اليومية" التي أنشأها نابليون بونابرت في القاهرة عام 1799م.
وأول صحيفة صدرت في لبنان هي "حديقة الأخبار" عام 1858م. ثم صدرت في دمشق جريدة "سوريا" عام 1865م. وفي العراق جريدة "الزوراء" عام 1869م. وفي اليمن جريدة "صنعاء" عام 1789م. وفي فلسطين جريدة "النفير العثماني" عام 1904م.
فما هي أول صحيفة صدرت في هذه البلاد؟
في بحث قيّم للأستاذ البحاثة رشدي ملحس عن تاريخ الطباعة والصحافة في الحجاز يقول: "إن أول صحيفة صدرت في مكة هي جريدة "الحجاز" وهي جريدة أدبية علمية أسبوعية تصدر باللغتين العربية والتركية أصدرتها الحكومة العثمانية عام 1301هـ واستمر صدورها إلى عام 1334 ثم انقطعت عن الصدور حين خروج الحكومة التركية من هذه البلاد" (1) .
ويقول الأستاذ: "وكان يتولى الإشراف عليها أي جريدة الحجاز هذه (مكتوبجي) الولاية واشترك في تحرير قسميها العربي والتركي كل من أحمد جمال أفندي منشئ ديوان الولاية، وأحمد حقي أفندي الكاتب في الديوان المذكور والشيخ محمود شلهوب، وغيرهم، وكانت تطبع بأربع صفحات في المطبعة الأميرية" ا. هـ.
ومن الواضح أن الحالة الفكرية العامة في البلاد في تلك الفترة لم تكن تسمح بوجود أكثر من هذه الصحيفة، غير أنه منذ عام 1327هـ أي بعد الانقلاب العثماني المشهور بدأت الصحف في الظهور، فصدرت في تلك السنة في جدة جريدة "الصفا" باللغة العربية غير أن هذه الصحيفة لم يصدر منها سوى عدد واحد فقط.. ثم صدرت بعدها في جدة في نفس السنة جريدة "الإصلاح" لصاحبها "راغب مصطفى توكل" وكان يتولى تحريرها صحفي لبناني هو "أديب هراوي" واستمر صدورها بضعة أشهر ثم توقفت عن الصدور.
وفي عام 1327 أيضاً صدرت في مكة جريدة يومية باسم (شمس الحقيقة) وكانت تصدر باللغتين العربية والتركية مرة في كل أسبوع مؤقتاً لصاحب امتيازها ومديرها المسؤول (محمد توفيق مكي) ونائب مديرها (إبراهيم أدهم) وكانت هذه الجريدة لسان حال جمعية الاتحاد والترقي بمكة، وقد توقفت عن الصدور أيضاً بعد أن ظلت تصدر بضعة شهور.
وصدرت في المدينة المنورة أثناء الحرب العالمية الأولى جريدة باللغة التركية لم أطلع عليها ولا أذكر اسمها بالتأكيد..
هذه هي كل الصحف في العهد العثماني، إذا استثنينا أولاها وهي التي استمرت من حين صدورها إلى عام 1334 -لأنها الجريدة الرسمية- تبين لنا أنه لم يكن هناك صحافة سوى ما ظهر منها خلال بضعة أشهر من عام 1327هـ، ومع ذلك لم يكن لهذه الصحف أية قيمة أدبية أو سياسية، أو أي أثر في تكوين الوعي، أو توجيه التفكير..
ومما يلفت النظر أنه لم تظهر طيلة العهد العثماني كله مجلة واحدة للعلوم والآداب وما من شك في أن السبب في ذلك يعود إلى قلّة انتشار التعليم، واعتماد المدرسة الرشدية -ولعلّها المدرسة الحكومية الوحيدة في مكة إذ ذاك..- اعتمادها في التعليم على اللغة التركية وحدها، وإليك أنموذجاً من تحرير صحافة ذلك العهد.. ننقله عن العدد الخامس من جريدة "شمس الحقيقة" الصادر في يوم الثلاثاء غرة ربيع الأول عام 1327 فقد جاء في صدر العدد المذكور؛ وفي مكان الافتتاحية بعنوان "تنبيه" ما يأتي:
"ينبغي لمن شاء أن يكاتبنا في موضوع أن ينبذ وراءه المصلحة الذاتية فإن الأفكار الراقية التي لا تعميها الأغراض الشخصية ولا الأطماع الذاتية تنظر بنور الله إلى مصلحة الوطن العمومية.
ألا ترى سيدنا موسى الكليم عليه السلام قال: "أخرقتها لتغرق أهلها" ولم يقل لتغرقني نظر في ذلك لغيره وقدَّمه على شخصه في وقت الغرق الذي لا يعرف الإنسان فيه إلاّ نفسه فليخش الله المكاتبون، وليتق الله المحررون، ولا يحرروا لجريدتنا سوى الحقيقة لأنها "شمس الحقيقة" ثم ليكتبوا في دائرة واجبات الصحافة الحرة التي ذكرناها سابقاً لأن جريدتنا تتنزه عن المثالبة وما ضاهاها نسأل الله حسن التوفيق لسعادة الوطن".
ولعلّ النبذة الآتية تدل على ما كانت عليه حالة التعليم في الحجاز في ذلك العهد فقد جاء في هذه الصحيفة في عددها الثاني عشر الصادر في 14 ربيع الآخر سنة 1327هـ بعنوان: "هل ترقي الحجاز قبل السودان؟" ما يأتي: "ظهرت جريدة في الخرطوم بالسودان تسمى "الخرطوم" غايتها أن تبذل السعي في ترقي أبناء ذلك الوطن ففرح بها أهل السودان ونحن نتمنى لها دوام الانتشار ونستلفت أنظار أولي الأمر بالتسريع في أمر ترقي الحجاز من تأسيس المكاتب -يقصد المدارس- وغير ذلك فإن دوائر الحكومة لو احتاجت إلى كاتب للزم جلبه من خارج الولاية. أهلك الله الاستبداد ما أشد تدميره!".
وبمقارنة صحيفة شمس الحقيقة هذه.. بصحيفة الإصلاح التي كانت تصدر في جدة تبدو هذه الأخيرة أرقى من حيث التحرير ومن حيث الطباعة عن زميلتها الأولى. بل ومن صحيفة الحجاز أيضاً. الصحيفة الرسمية للحكومة التركية.
ولم أطلع على العدد الوحيد الذي صدر في جدة من جريدة "الصفا" وربما كانت هذه الصحيفة تشارك زميلتها الإصلاح من حيث رونق الطباعة واتساق التحرير.
والواقع أنه لم يكن غريباً أن تكون صحافة بلادنا في ذلك العهد بدائية إلى هذا الحد.. لم يكن غريباً أن يكون هذا حال الصحافة في بلاد لم يكن فيها مدارس للتعليم سوى مدرسة واحدة للحكومة يتلقى التلاميذ فيها قشوراً من المعلومات الأولية باللغة التركية، وسوى مدرسة أهلية دينية.. هي المدرسة الصولتية.
* * *
وهكذا...!
وهكذا ظل الحجاز، وظلت جميع أنحاء الجزيرة العربية طيلة العهد العثماني... لا صحافة ولا مدارس ولا تعليم بالمعنى الصحيح لكلمتي مدارس وتعليم!
وكانت النهضة العربية في عام 1334هـ فيصلاً بين عهدين: عهد "تابعية عثمانية"، وعهد استقلال.. إلاّ أن الواقع أثبت مع الأسف الشديد أن تلك النهضة كانت "ضئيلة الأثر" من ناحيتيها الاجتماعية والثقافية، ولهذا كان أثرها ضئيلاً أيضاً في الميدان الصحفي.. وقد صدرت جريدة "القبلة" في أولى سنوات النهضة وبتعبير أدق سنة 1334هـ وكان يساهم في تحريرها نخبة من صفوة أدباء العرب يكفي أن نذكر منهم السيد فؤاد الخطيب الشاعر الكبير المعروف، والسيد محب الدين الخطيب. وأحمد شاكر الكرمي وغيرهم... والحق أقول إنه كان يمكن أن يكون لجريدة القبلة إذ ذاك شأن مرموق في عالم الصحافة العربية لولا بعض عوامل وقفت بها في بداية الطريق..
وصدرت في عام 1338 جريدة باسم (الفلاح) لصاحبها السيد عمر شاكر، وكانت هذه الصحيفة تصدر في سوريا قبل دخول الفرنسيين إليها فهاجر بها صاحبها من سوريا إلى الحجاز.
وفي عام 1338 أيضاً؛ صدرت المجلة الزراعية وهي مجلة شهرية كان يتولى تحريرها طلاب المدرسة الزراعية بمكة، وقد ظهرت الأعداد الثلاثة الأولى من هذه المجلة في صورة لا بأس بها من حيث الإنشاء والتحرير فلو أن هذه المجلة أُتيح لها أن تستمر، بل لو أنه أُتيح للمدرسة الزراعية التي كانت تقوم بإخراجها أن تستمر لكانت الحال غير الحال ولكن...
وفي عام 1343 صدرت في جدة جريدة "بريد الحجاز" ثم توقفت عن الصدور في نفس العام بعد أن صدر منها (52) عدداً وقد كانت هذه الصحيفة أسبوعية وهي آخر صحيفة ظهرت في عهد الحكومة الهاشمية.
* * *
وفي 15 جمادى الأولى سنة 1343 في أول عهد حكومة المغفور له جلالة الملك عبد العزيز صدر العدد الأول من جريدة "أم القرى"، وكان يرأس تحريرها في أول ظهورها المرحوم الأستاذ الشيخ يوسف ياسين ثم الأستاذ رشدي ملحس ثم تولى تحريرها فترة من الزمن المرحوم محمد سعيد عبد المقصود، فالأستاذ عبد القدوس الأنصاري ثم المرحوم الأستاذ الطيب الساسي.
ثم صدرت بعد ذلك مجلة الإصلاح عن شعبة الطبع والنشر بمديرية المعارف في عام 1347 وكان يديرها الشيخ محمد حامد الفقي وهي مجلة دينية علمية أخلاقية كانت تصدر مرة في الشهر، ثم مرتين في الشهر، ثم توقفت عن الصدور في عام 1349هـ.
وفي عام 1350 صدرت جريدة "صوت الحجاز" لصاحب امتيازها الوجيه الشيخ محمد صالح نصيف ورئيس تحريرها الأستاذ عبد الوهاب آشي، وقد تعاقب عليهما فيما بعد رؤساء تحرير عديدون أذكر منهم الأساتذة "أحمد إبراهيم الغزاوي" و "السيد حسن الفقي" و "محمد سعيد العامودي" و "محمد حسن عواد" و "أحمد السباعي" و "محمد علي رضا" و "محمد علي مغربي" وغيرهم؛ ثم انتقل امتياز هذه الصحيفة في عام 1354 إلى شركة الطبع والنشر العربية وظلت تصدر أسبوعياً، ثم مرتين في الأسبوع، ثم توقفت عن الصدور في بعض سنوات الحرب الأخيرة بسبب قلة الورق، عادت إلى الصدور أسبوعياً عام 1365 باسم "البلاد السعودية" وتولى رئاسة تحريرها الأستاذ عبد الله عريف.
وقد تمكنت جريدة البلاد السعودية من الصدور مرتين في الأسبوع وأخيراً ثلاث مرات في الأسبوع وهي في طريقها إلى الصدور يومياً في القريب العاجل إن شاء الله (2) .
وقد راجت هذه الصحيفة في السنوات الأخيرة رواجاً أكثر من أي عهد مضى، وأصبح لها قرّاء من كل الطبقات وهي لا ينقصها إلاّ زيادة العناية بالأخبار الخارجية والمحلية؛ ثم الإقلال من المواضيع الأدبية بقدر الإمكان لعلاقة هذه المواضيع بالمجلات أكثر من علاقتها بالصحف الإخبارية.
* * *
وفي عام 1355هـ صدرت مجلة "المنهل" في المدينة المنورة وهي مجلة شهرية للآداب والعلوم لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ عبد القدوس الأنصاري، وهي ثانية مجلة شهرية صدرت في هذه البلاد بعد المجلة الزراعية التي أسلفنا الإشارة إليها وقد تطورت هذه المجلة بحيث أصبحت لا تقل في مادتها وفي أسلوبها عن مثيلاتها من المجلات الأدبية الراقية في العالم العربي؛ وأصبحت تصدر في مكة منذ عام 1365هـ.
ومجلة المنهل تعتبر المجلة الأدبية الأولى في المملكة السعودية.
وفي عام 1355 صدرت جريدة المدينة المنورة لصاحبيها الأستاذين الشقيقين علي وعثمان حافظ وهي جريدة أسبوعية نشيطة تعنى بالأخبار أكثر من عنايتها بالمقالات والبحوث؛ وبالأخبار العربية والإسلامية على وجه الخصوص.
وكانت تصدر قبل الحرب الأخيرة مجلة النداء الإسلامي لصاحبها الأستاذ مصطفى اندرقيري ثم توقفت عن الصدور.
ثم صدرت في غرة رجب من عام 1366 مجلة الحج وهي مجلة شهرية إسلامية تتولى إصدارها إدارة شؤون الحج والآن "وزارة الحج والأوقاف" وكان يرأس تحريرها في أولى سنواتها الأستاذ السيد هاشم زواوي؛ ثم كاتب هذه السطور منذ أول عام 1370هـ. وتعنى هذه المجلة بالمواضيع الإسلامية والعربية بصورة عامة ثم بكل ما يتصل بشؤون الحج والحجاج.
وبعد.. فهذه إلمامة موجزة عن تاريخ الصحافة في هذه البلاد؛ ولئن كان من واجبنا أن نقرر هنا أن صحافتنا في كل من عهديها التركي والهاشمي لم يكن لها أثر يذكر... فإن من واجبنا أيضاً أن نقول أنها قد بدأت الآن تشق الطريق.. والأمر الذي لا يختلف فيه اثنان أنها في حاضرها قد أصبحت شيئاً آخر يختلف كل الاختلاف عما كانت عليه فيما مضى..
والأمل بعد وفي هذا العهد الباسم السعيد عظيم في أن تخطو صحافتنا خطوات واسعة وسريعة.. نحو القوة والازدهار.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :685  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.