شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الأستاذ محمد سعيد عبد الرحمن العامودي (1)
يا شباب الأمة العربية:
في موقفي هذا أمامكم -أتذكر تلك الساعة السعيدة، تلك الساعة السعيدة حقاً. تلك الساعة التي تلقيت فيها -في عداد من تلقى- نبأ اعتزام فريق من إخواننا شباب العراق الناهضين. فريق من صفوة أبنائه وكشَّافته أن يزوروا هذه البلاد الحجازية النجدية... ولتسمحوا لي يا سادتي الآن أن أترك التخصيص. لتسمحوا لي أن أقول (شباب العرب) بدلاً من شباب العراق أجل اسمحوا لي يا بني قومي أن أتحدث بلغة الفؤاد وأن أعبِّر عن هاجسات النفس وعن وحي الضمير وأن أتكلم بملئَي الحرية والبساطة والانطلاق، ولنضرب صفحاً في تحادثنا وتناجينا عن كل ما تواضع عليه الناس من مراسيم ودبلوماسيات، ولنلق وراءنا ظهرياً تلك الاصطلاحات الجغرافية وتلك التعاريف الإقليمية المحدودة لنترك أسماء (العراق -نجد -الحجاز) لنترك كل هذه الأسماء محتفظين بها كألفاظ لها معانيها الخاصة واعتباراتها المكانية لا أقل ولا أكثر. ولنهتم، أي والله ليكن اهتمامنا وليكن اتجاهنا جميعاً نحو ذلك الاسم المعجب المطرب نحو ذلك الاسم الموسيقي المحبوب نحو ذلك الاسم الأوحد المجيد الذي فيه كل معاني الحيوية، وفيه كل معاني القوة وفيه كل معاني الحقيقة، وفيه كل معاني الجمال، ذلك الاسم العزيز المشتق من كل العناصر والمقوِّمات والمكوّن صرحه الباسق من كل الأسس والدعائم التي تشاد عليها وحدها صروح القوميات الباسقة.
أي بني قومي: ليكن اتجاهنا جميعاً نحو ذلك الاسم العربي العام، ذلك الاسم الخالد الكبير المكوّنة صورته وهيولاه من كل معالم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ومن كل مفاخرنا وآلامنا وآمالنا: الدم العربي، والدين العربي، ولغة العرب وثقافة العرب وحضارة العرب -كل هذه معالم التاريخ العربي والخطوط البارزة في صفحاته الذهبية، كلّ هذه عناصر ومقومات ودعائم ذلك البنيان الشامخ بنيان القومية العربية التي لا انفصام لوحدتها المقدسة إن شاء الله.
أجل يا شباب الأمة العربية!! لنهتف للاسم العربي الأكبر ليس إلاّ، ولنهتف للوطن العربي الأكبر ليس إلاّ، ولنهتف للقومية العربية الكبرى ليس إلاّ.
يا سادتي ويا إخواني:
قلت إني أتذكر في موقفي هذا تلك الساعة السعيدة تلك الساعة التي حملت لنا فيها أسلاك البرق نبأ اعتزام إخواننا وأبناء أبينا هؤلاء أن يزوروا هذه البلاد المقدسة، وبعبارة أخرى أن يزوروا قطراً من أقطارهم العربية، أي والله أتذكرها ساعة من أحفل الساعات، أتذكرها ساعة بعثت في أقصى السويداء هزّة مثل هزة الكهرباء. تلك يا سادتي وإخواني هزة السرور لسماع هذه البشرى، تلك يا أعزائي هزة الاغتباط بلقاء نخبة من خيرة الشباب العربي الناهض، تلك يا بني قومي هزة العظمة، هزة الزهو والافتخار هزة الاعتداد بما أصبح للشباب في هذا الجيل من مكانة رفيعة ممتازة ولا فخر! مكانة لم يتوصّل إليها عفواً واعتباطاً وإنما توصَّل إليها وألقى أمام الناس أصدق البراهين على أن توصله إليها إنما كان عن جدارة واستحقاق.
ربما يقول بعض الناس إن هذه أنانية.. فرد من الشباب يتحدث عن مكانة الشباب. أليست هذه أنانية. نعم هي أنانية ولكن... ولكن جوابنا يا سادتي لهؤلاء إنها أنانية ولا ريب ولا جدال ولكنها أنانية من ذلك النوع المحمود، هي أنانية ولكنها من ذلك الصنف اللاّممقوت ولا مذموم، هي أنانية ولكنها ليس فيها تلك العجرفة ولا تلك الكبرياء، ولا ذلك الغرور، هي أنانية ولكنها أنانية متواضعة تحترم نفسها كما تحترم غيرها وتشعر بواجبها كما تشعر بواجب غيرها وتعترف بحقها كما تعترف بحق سواها.
إن تحدث المتحدثون عن أنانية الشباب فقولوا لهم إنها (أنانية شريفة فاضلة محمودة) لأنها أنانية جموعية لا فردية، أنانية دستورها وشعارها ومطمحها نهضة العرب وتآزر العرب وتقدم العرب. وحسبها ذلك شرفاً ونبلاً، وكفاها ذلك سمواً وفخاراً.
إليكم سادتي وأعزائي بهذه المناسبة وعلى ذكر الشباب، إليكم مثالاً قريباً، بل مثالاً عالياً نبيلاً يمت بأقوى الأسباب إلى هذا الشيء الذي تحدثت عنه، مثالاً عالياً نبيلاً يمت إلى الكشافة أيضاً بأمتن الصلات بل هو منها لأنها ينبوعه ومصدره كما سترون.
هذا المثال هو كلمة نبيلة سامية ألقاها في العام الماضي في إحدى العواصم الأوروبية (اللّورد بادن باول) ذلك الكشاف العظيم الذي يعرفه هؤلاء الأعزاء المكرمون، ألقى ذلك اللورد كلمته هذه على نحو عشرين ألفاً من الكشافة الذين اجتمعوا في تلك العاصمة من الممالك كافة بمناسبة الاستعراض الدولي للكشفية فقال لهم:
"إن الغرض الأكبر من هذا الحشد العظيم هو "خَلق" روابط للصداقة بين الأمم ونشر ألوية السلام على هذه الأرض التي لا تفتأ تزلزلها الحروب والعدوات وإن على كل كشاف أن لا يدع يوماً ينقضي من غير أن يستفيد أصدقاء جديدين".
إيه أيها الشباب الناهض الطامح!! هذا هو المثل العالي للأخلاق، هذا هو الأنموذج البديع للفضيلة، هذا هو أحد الأغراض العظيمة وقد يكون هذا هو الغرض الأكبر لجنود الكشافة البواسل: خلق روابط للصداقة بين الأمم ونشر ألوية السلام على هذه الأرض وسعي كل كشاف دوماً في اكتساب صداقات جديدة وأصدقاء -جديدين- ألا ما أسماها من غاية، ألا ما أنبله من نظام، ألا ما أجملها من حياة. ذلك لعمري منتهى السعادة -السعادة التي طالما بحث عنها الفلاسفة والمفكرون في قديم الزمان وحديثه، وما كانوا في كل أبحاثهم حولها إلاّ أصحاب نظريات وخياليَّات، وما كانوا إلاّ بعيدين كل البعد عن ميدان الحقيقة العملية والأمر الواقع.
أما الكشافة فإنها بما استحدثته من نظام يجتذب إليه النفوس، قد حققت في الميدان العملي ما كان يعتبر في ماضيات الأيام حلماً من الأحلام وخيالاً من الخيالات.
وأنعم بنظام -كما قال أحد مشاهير الكتّاب- يعد الشباب لمطالب الحياة ويجعلهم أهلاً للاضطلاع بأعبائها ويبث في نفوسهم روح الرجولة الصحيحة وينمّي فيهم القدرة على المقاومة ويطهِّر قلوبهم ويدرِّبهم على التآخي والتآزر ويخلق منهم جيشاً للسلم لا يحجم مع ذلك إذا دعا داعي الوطن أن ينفر للحرب والقتال.
إيه يا شباب العرب!! ذلك أنموذج من نماذج كثيرة شتى، تلك ناحية من نواحي عديدة كبرى ما فتئ الشباب يملئونها بمنتوج نشاطهم وجدهم وتحمّسهم وإذا ذكرنا بملء الفخر والإعجاب جنود الكشافة المغاوير فإنما هم نخبة الشباب اليوم في العالم المتمدن من أقصاه إلى أقصاه وما أعمالهم ومساعيهم ومجهوداتهم إلاّ العناوين الأولى لأعمال ومساعي ومجهودات سائر الشباب.
وأنتم أبناء الرافدين، أنتم يا زهرة شباب العرب، أنتم يا سلالة عدنان وقحطان، أنتم يا رجال الكشافة الصناديد أنتم يا من نحتفل في يومنا هذا بتكريمهم، ونعتبر أنفسنا أسعد ما نكون بهذا الاجتماع، لقد برهنتم بزيارتكم لبلادكم هذه رغماً عما تقتضيه أمثال هذه الزيارات من ضروب التكاليف والمشقات، لقد برهنتم على حرص عظيم وتعلّق شديد وحب أكيد نحو أوطانكم العربية المتباعدة، فحيا الله هذه العروبة الصميمة، وحيا الله هذا الإخلاص الطاهر، وحيا الله هذه الروح القومية العالية.
- إيه يا زهرة شباب العرب! إننا إذ نحييكم ونحتفل بكم اليوم فإنما نحيي في أشخاصكم الكريمة تلك المثل العليا للإخلاص والغيرة والنبل وتلك الرموز الحية للرجولة والنشاط والتحمُّس.
وختاماً لنهتف قائلين:
لتحيا الأمة العربية العظيمة.
وليحيا الشعب العراقي الكريم.
وليحيا الشعب العربي السعودي.
وليعش الشعبان الشقيقان في تضامن ووئام تحت ظل عاهليهما العظيمين المؤيدين جلالة الملك (عبد العزيز) وجلالة الملك (غازي).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1111  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 72

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.