شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في حفل تكريم خير الدين الزركلي (1)
أيها السادة:
الإعجاب بالعظماء من الرجال والإشادة بذكرهم إنما هو من أهم المواضيع التي شغلت في الماضي وتشغل اليوم، وسوف تشغل على الدوام مواضيع الأدب والتاريخ. ولعمري ليس هذا من الأمور الكمالية وليس هو من الأشياء الثانوية وليس هو مما يدخل في باب القشور كلا ثم كلا أيها السادة، كلا هو من الأمور الجوهرية إذا ما جاء ذكر الأدب وتحدث المتحدثون عن التاريخ. هو من الأشياء الطبيعية حينما يستعرض المتأمل أخلاق الأمم والشعوب، ليس الإعجاب بالعظماء إلاّ تقديراً لمواهبهم واعترافاً بنبوغهم وليست الإشادة بأعمالهم إلاّ وصفاً لحياتهم ووصفاً لما قاموا به من أعمال، وهذه هي مهمة التاريخ والأدب معاً، وهذا هو ما ترمي إليه الغايتان التاريخية والأدبية، أذكر هنا -على ذكر التاريخ- كلمة للمؤرخ الإنكليزي المعروف "كارلايل". يقول هذا المؤرخ المبدع "ليس تاريخ الإنسانية إلاّ تاريخ عظمائها".
أجل أيها السادة في تاريخ العظماء يدرس القارئ حياة الأمم، وعدا هذا فإن في تاريخ العظماء مجالاً فسيحاً للعبرة وللدرس، مجالاً فسيحاً يخرج منه الناظر وقد امتلأ قلبه حباً للعظمة، حبًّا للعمل، حبًّا للجد والاجتهاد، حبًّا للصبر والعزيمة والثبات، حبًّا للوطن والإنسانية، وحبًّا للسعي في سبيل سعادتهما.
أيها السادة، نحن الليلة مجتمعون ولكن لماذا؟
مجتمعون أي سادتي لتكريم رجل من خيرة رجالات العرب، لتكريم شخصية من شخصياتنا البارزة. مجتمعون لتكريم شاعر سوريا بل شاعر العرب الكبير الأستاذ الزركلي. مجتمعون للقيام بالواجب العظيم نحو هذا الرجل الذي له في ميدان الأدب وفي السياسة وفي ميدان له في الفكر كل هذه الميادين، تلك المنزلة الرفيعة الممتازة.
قلت إن للأستاذ الزركلي منزلة ممتازة رفيعة في السياسة والأدب والفكر. وفي كل ميدان من هذه الميادين ضياء من أضواء العظمة ينير للأمم سبيلاً من سبل الحياة، في كل ميدان من هذه الميادين يدعو داعي الواجب في الأمم إلى القيام لتكريم الرجل الذي ترى له مكانه في أحد هذه الميادين، إذاً فنحن باحتفالنا بالأستاذ الزركلي الليلة. إنما نعبِّر عن فكرة، نعبِّر عن اعترافنا بنبوغه كسياسي وكأديب عظيم، ونعبِّر عن تقديرنا لهذه المكانة الممتازة التي حازها بين رجالات العرب عن جدارة واستحقاق.
ولكن أيها السادة...
ولكن ليس هذا كل ما يجب أن أقوله ونحن نحتفل بالأستاذ الزركلي فهناك شيء آخر! هناك صفة عظيمة من صفات الزركلي -وكل صفاته عظيمة- هناك المبدأ أيها السادة ومن ذا الذي لا يعرف لشاعر سوريا والعرب وطنيته المخلصة، من ذا الذي لا يعترف له بهيامه العظيم بوطنه سوريا بل هيامه العظيم بالوطن العربي الأكبر والجامعة العربية الكبرى.
الوطنية والإخلاص والثبات صفات بارزة للسيد خير الدين الذي نحتفل به الليلة فكم عانى من ضروب الإرهاقات والمصاعب في سبيل سوريا وكم لاقى من ألوان الاضطهاد وما ترتاع له النفوس وتهلع من هوله القلوب.
كل ذلك وقف أمامه خير الدين وقفة بطل شجاع، ثبت خير الدين كما يثبت الطود الشامخ أمام العواصف الهوجاء وكان كما قال:
لم نعد بعد ما لقينا نبالي
بسهام رما العدا أم نبال
أيها السادة: إذا كان إعجابنا بالزركلي أديباً وسياسياً هو إعجاب صميم صادر عن إحساس بما له من أثر خالد في كل من هذين الميدانين... وإذا كان إعجابنا بالزركلي مفكر من رجالات الفكر المعدودين في العالم العربي إعجاباً مستمداً من عقيدة وشعور فإن إعجابنا به وطنياً مخلصاً ثابتاً على مبدأه هو إعجاب عظيم يسمو فوق كل إعجاب ويرتفع ثم يرتفع ثم يرتفع عن أي ميدان من ميادين التعبير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :587  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 71 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج