شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مِنْ نوادِرِ المخطُوطَات
هذا مخطوط من نوادر المخطوطات حقاً.. لا لأنه قديم، فما أكثر ما هو مشحون من هذه المخطوطات القديمة في خزائن الكتب، حتى إذا أُتيح لك أن تبحث فيها، وتقلب أوراقها، وتطالع ما بين سطورها جاءك الخبر اليقين عنها بأنها لا تحوي أي جديد أو على الأصح لا تحوي أي شيء غير مكرر أو معاد من أنواع المعارف، ومن ضروب الفنون.
هذا المخطوط النادر الطريف، ما هو إلاّ كتاب حديث، ألّفه مؤلفه في القرن الرابع عشر الهجري؛ أما أنه نادر فلأن الموضوع الذي طرقه هذا الكتاب، لا أظن كتاباً آخر حواه، أو مؤلِفاً آخر عني بدراسته والكتابة فيه.
والفضل يعود للأستاذ البحاثة المعروف الشيخ عبد الوهاب الدهلوي في إطلاعي على هذا الكتاب القيّم الذي شاء مؤلفه المؤرخ العالم المشهور الشيخ عبد الستار الدهلوي رحمه الله -جرياً على عادة علماء السلف الفضلاء- أن يسميه: "موائد الفضل والكرم الجامعة لتراجم أهل الحرم" وهو اسم يدل على المسمى، وعنوانه -كما ترى- يشير إلى الموضوع..
كان العلامة الشيخ عبد الستار الدهلوي رحمه الله -من الجنود المجهولين في هذه البلاد، من حيث التوفر على خدمة العلم عن طريق التدوين والتأليف وإن كان هو من حيث ما اختص به من العلم والفضل أشهر من أن يذكر.
ولقد حفلت مكتبته القيّمة، التي أبى إلاّ أن يتركها عند وفاته في عام 1355هـ. وقفاً للباحثين وطلاب العلم، حفلت هذه المكتبة بنفائس من المخطوطات، إلى جانب ما تميزت به من احتوائها لأشهر ما هو مطبوع من الكتب في مختلف العلوم والفنون، وخاصةً منها، كتب الحديث وسائر علوم الدين واللغة والأدب والتاريخ والتراجم، ولعلّ ما ضمته هذه المكتبة من الكتب الخطية المشتملة على تواريخ هذه البلاد لا يوجد له نظير في أي مكتبة أخرى من المكاتب الخاصة أو العامة.
في هذه المكتبة توجد أشهر مؤلفات العلامة تقي الدين الفاسي مؤرخ مكة في القرن التاسع الهجري، وتلميذ ابن خلدون.
وحسبك أن تعلم أن كتاب "العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين" وهو أكبر مؤلفات الفاسي وأهمها، ويقع في ثمانية مجلدات كبار، محتوية على ما ينوف على أربعة آلاف ترجمة.. حسبك أن تعلم أن هذا الكتاب الضخم توجد منه نسخة مخطوطة كاملة في هذه المكتبة؛ وهي النسخة الوحيدة الكاملة فيما أعلم من هذا الكتاب، وحسبك أن تعلم بعد هذا أن هذه النسخة قد نقلها الشيخ عبد الستار بقلمه، عن أجزاء هذا الكتاب، هي متفرقة موزعة بين دار الكتب المصرية، ومكتبة الأزهر وغيرها من المكتبات!
وكتاب آخر للفاسي أيضاً، نقله الشيخ عبد الستار بقلمه عن النسخة الخطية الموجودة بدار الكتب المصرية، وأعني به "شفاء الغرام في أخبار البلد الحرام" وهذا الكتاب يقع في مجلدين كبيرين، وهو أوفى كتاب في تاريخ مكة من أقدم عصورها إلى زمن المؤلف، ولست أُغالي إذا قلت إنه إذا وفق الله ثرياً من أثريائنا الغير، للقيام بطبع هذين الكتابين فإنما يقوم بخدمة من أعظم الخدمات للعلم، وإنما يؤدي أحسن ما يؤديه الرجال العاملون.
هذا من مكتبة العلامة المذكور ومحتوياتها: أما عن مؤلفاته الخاصة فإن كتابه "موائد الفضل والكرم" يدل -حقيقةً- على ثقافة تاريخية مكينة، وسعة اطلاع وإحاطة بكل ما يتعلق بتاريخ هذه البلاد وتراجم أهلها في القديم والحديث.
وللمرحوم الشيخ عبد الستار، غير كتابه هذا، كتاب آخر في التراجم له أهميته بلا شك، وهو مخطوط أيضاً، وربما يقع في أربعة أو خمسة أجزاء إذا أمكن أن يظهر للناس مطبوعاً وأعني به كتابه في تراجم القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري، وليس هذا الكتاب قاصراً على تراجم أعيان الحجاز فحسب، بل هو شامل لغيرهم، من كل ذي شخصية بارزة؛ مشهور في البلدان العربية والإسلامية الأخرى.
أما كتابه "موائد الفضل والكَرم" وهو الذي أردنا التعريف به في هذا المقال، فهو يبحث في تراجم المكيين، وبخاصة منهم من هاجرت أصولهم على توالي العصور إلى مكة من شتى أقطار العالم الإسلامي، واشتهروا واشتهرت أسرهم فيها، ومن هذه الأسر ما هو باقٍ إلى اليوم، ومنها أسر كريمة مشهورة لم يبق لها اليوم من أثر، فأصبحت خبراً من الأخبار.
ولعلّ من الخير أن نأتي بفقرات في وصف هذا الكتاب من مقدمة المؤلف نفسه، قال: "القصد في هذا التأليف ذكر البيوت المعروفة، والعائلات المشهورة، من سكان البلد الحرام، إلى أن يقول "وإني لم أجد تأليفاً في هذا الأمر خاصة، غير ما ذكره العلامة المؤرخ قاضي مكة التقي الفاسي في كتابه العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ذكر فيه تراجم علمائها وقضاتها ومن ورد مكة حاجاً وقد انقرض غالب ذريتهم ولم يبق منهم إلاّ القليل نادراً.
وقد استجدت بعد وفاته سنة 832هـ عائلات أُخر، لم أجد من ذكرهم وجمعهم في تأليف مستقل، وقد ذكرت شرذمة من أحوالهم في تاريخي المسمى (فيض الملك المتعالي بذكر أبناء القرن الثالث عشر والتالي)، وهم مفرقون في أحرفهم ناقلاً ذلك عن أفواه الأساتذة الذين أدركتهم من المعمرين ومن تاريخ شيخنا العلامة المؤرخ الشهير أحمد بن محمد الحضراوي ومن معاجم أهل عصري وإثباتهم وكنت حررت ذلك ووقف قلمي في العام الثلاثين والثلاثمائة والألف، وقد اطلعت بعده على أشياء قيدتها وأردت جمعها، وضمّ بعضها إلى بعض وهو المقصود من هذا المؤلف...".
ويمضي المؤلف فيشير إلى مسألة المسائل في تاريخنا الاجتماعي، مسألة المسائل التي كثر حولها الجدل... وأعني بها الهجرة من الحجاز وإليه... وكيف بدأت هذه الهجرة؟ ومتى بدأت؟ وماذا أحدثت من النتائج؟ وهو إذ يشير إلى هذه المسألة إنما يروي الكلام عن مصدر من مصادر كتابه، قال عنه إنه.. "شرح الرسالة الجدِّية لابن زيدون" من تأليف الشيخ جعفر لبني، وهذا ما يرويه المؤلف:
"وقد عُلم من مجموع ما تقدم أن سكان مكة في ذلك العهد كانوا قريشاً ومن جاورهم من خزاعة، لكن خزاعة لما ذهبت عنهم رئاسة مكة، جاوروا أطرافها شمالاً ويمناً ولهم بقايا إلى اليوم معروفون بين القبائل، ثم لما جاء الإسلام وانتشر الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم في الجهاد في سائر الجهات، ورأوا الأراضي المخصبة، والأفياء الباردة، والظلال المتفيأة، وصارت للقوم فيها أملاك رغبوا في الاستيطان ثمة، وتبعهم الجمّ الغفير يذهبون إرسالاً إلى مصر والمغرب والشام والعراق ليعيشوا مع أبناء جلدتهم في الخصب والسعة، والرفاهية والدعة والظلال، فما مضى بعد ظهور الإسلام نحو قرنين إلاّ ولم يبق في مكة والمدينة من أهلها إلاّ أقل القليل مع من جاورهم من مسلمي الآفاق للتشرف بالجوار. وكان من عادة ملوك مكة أن ينادي مناديهم بعد أداء مناسك الحج "يا غريب بلادك" وهو عادة اتخذت من زمن الفاروق رضي الله عنه فإنه كان يأمر أن ينادي يومئذ: يا أهل الشام شامكم، يا أهل اليمن يمنكم، وذلك لئلا يكثر المجاورون فيستأثروا بما لهم من الثروة بأرزاق أهل مكة فيضيقوا، وقد تركت هذه العادة من مدة طويلة".
هذا ما يقوله صاحب "شرح رسالة ابن زيدون" وقد تعمدنا أن ننقل هذه الفقرات بحذافيرها.. أولاً لأنها تتصل بالبحث كل الاتصال؛ وثانياً- لكي نشير -ولو أن في هذا تجاوزاً لموضوع البحث- إلى هذا الأثر، الذي هو "شرح رسالة ابن زيدون" والذي قام بتأليفه عالم من خيرة علمائنا في الجيل الماضي.. فعلام تدل هذه الفقرات التي أوردناها هنا؟ إنها تدل على قيمة هذا الأثر من حيث موضوعه وأسلوبه معاً.. أرأيت كيف أنه رصين العبارة، مركز الموضوع، خالٍ من السجع وقد كان هذا السجع شعار المؤلفين جميعاً في كل ما يكتبون؟!
وشيء آخر أيضاً يدلنا عليه هذا الأثر.. إنه يدلنا على أهمية ما كان يبذله علماؤنا في الجيل الماضي، من عناية بالغة بالتأليف في الأدب إلى جانب تأليفهم في العلوم الدينية.
ومن المؤسف اليوم، وفي عصر النهضة العلمية والأدبية، أن هذه العناية لم تعد موجودة..
ومن المؤسف أيضاً أن يكون لدينا تراث أدبي ذو قيمة يحوي أمثال "شرح رسالة ابن زيدون" وغيره، فلا نعمل على إحياء هذا التراث كما يعمل غيرنا، ولا ننشر كل مخطوط من هذا القبيل!
* * *
ولنعد إلى موضوع البحث... فإن في كتاب "الموائد" فوائد شتى وتوضيحاً لحقائق كثير من الأسر المكية، ومن الطريف أنه يشير إلى مسألة نسب السادة والأشراف فيقول: "إن كثيراً من الناس يظن أن نسب الأشراف خاص بأولاد الحسن السبط كما أن نسب السادة خاص بأولاد الحسين الشهيد بكربلاء، وليست هذه قاعدة فكثير ما يقال لأشراف مكة السيد فلان ويقال لأشراف المدينة المنورة أشراف، وهم حسينيون، إلى أن يقول: "ويوجد بين السادة القاطنين بمكة والمدينة، من هم أدارسة المغرب كما سيأتي وهم حسينيون".
ثم يأتي على ذكر البيوت المشهورة قديماً، فيقول عن بيت القطبي: "ومن البيوت التي اشتهرت بالفضائل ثم انقرضت والدوام لله. بيت القطبي، وقد اشتهروا باسم عمهم قطب الدين الشهير من أهل القرن العاشر، صاحب التاريخ المسمى بالأعلام" إلى أن يقول: "وابتداء مجاورتهم بمكة في أواخر القرن التاسع كما يشعر بذلك بعض أحوالٍ ذكرها في تاريخه المذكور. وكان مفتي مكة من طرف الدولة العثمانية، وهو أول مفاتي مكة من الحنفية".
وبعد أن يستطرد إلى ذكر المشهورين من بيت القطبي يقول: "وكانت مساكن بيت القطبي بحارة الشامية عند الباب الصغير للمسجد الحرام الذي بالركن الغربي اليماني من زيادة دار الندوة وكان اسمه باب الفهود.. ثم اشتهر بباب القطبي، وهو إلى اليوم كذلك".
ومن البيوت المنقرضة التي أشار إليها: "بيت الطبري وبيت المرشدي. وبيت ابن ظهيرة القرشي المخزومي وهو يقول عن بيت ابن ظهيرة إنه بيت قديم وكان منهم علماء وأفاضل في المذاهب الأربعة وكانوا هم وبيت الطبري وبيت النويري القائمين بالخطابة بالمسجد الحرام لا يشاركهم فيها غيرهم إلى حدود عام ألف وإحدى وأربعين".
وكثيراً ما نجد المؤلف يكتب سطراً واحداً عن أسرة من الأسر ثم يترك بياضاً بعده بمقدار صفحة كاملة أو صفحات، مما يدل على أنه كان ينوي إكمال الكتابة عن هذه الأسرة بعد أن يستوعب معلوماته عنها، فهو يقول عن بيت الراضي مثلاً: "ومن البيوت الشهيرة الآن بيت الراضي فإن منهم شاعر زماننا المفلق" ثم يقف عند ذلك.. ولا شك أن إشارته هنا إنما هي إلى الشاعر الأشهر، الشيخ عثمان الراضي رحمه الله المتوفى سنة 1131هـ.
وبعد فإن كثيراً من الأسر المعروفة في الوقت الحاضر، أشاد بها هذا الكتاب وكم كنا نود أن نورد نماذج من ذلك هنا لولا ضيق المجال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :906  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج