شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فصول من تاريخ المدينة المنورة
هذه فصول من تاريخ المدينة المنورة اشتمل عليها هذا الكتاب القيّم من تأليف الأستاذ الفاضل السيد علي حافظ؛ كتبها بأسلوبه السهل المرتب، تناول فيها جوانب هامة من حياة مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام منها القديم.. ومنها الحديث.
في الفصل الأول يتحدث عن المدينة المنورة عبر التاريخ.. ثم يتابع حديثه في الفصول التالية عن المسجد النبوي خلال 14 قرناً، وعن الحجرة المطهرة، والمساجد المأثورة، وهكذا إلى آخر فصول الكتاب وقد تكلم فيها عن "بقيع الغرقد" و "شهداء أُحد" و "الآبار المأثورة" و "سقيفة بني ساعدة" و "معركة أُحد وميادينها الخمسة" و "معركة الأحزاب الخندق" "والعلم والتعليم في المدينة" و "المدينة المنورة في العصر الحديث" و "مشاريع المدينة المنورة".
وفيما يقرب من أربعين صفحة يحدثنا حديثاً موجزاً مركزاً، عن تاريخ المدينة المنورة، ابتداء من أول عهودها الموغلة في القدم حتى عصرنا الحديث.
وليس من شك في أن أعظم حدث تاريخي لمدينة الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه هو هجرته إليها من مكة المشرفة بعد أن لقي ما لقي من عنت مشركي قريش، وإصرارهم على وثنيتهم وكان للهجرة أعظم أثر في التاريخ الإسلامي، وفي هذا يقول المؤلف: "من أعظم الأحداث في تاريخ المدينة المنورة بل ومن أعظم الأحداث في تاريخ العالم بأسره هذه الهجرة النبوية لهذا البلد المقدس فلم يقتصر أَثرها الطيب على المدينة وجزيرة العرب فحسب، بل تجاوزها إلى الدنيا كلها!
إن كل ما نراه من حضارة وعدالة ونور في الدنيا هو من إشعاع هذه الهجرة التي رحبت بها طيبة المدينة المنورة".
والمؤلف الفاضل يؤثر الإيجاز في ذكره لأحداث الماضي ولكنه يتوسع في ذكره للأحداث التي جرت في العصر الحاضر، وقد أحسن بصنعه هذا إذ أشار إلى وقائع لم يكن من الإشارة إليها بد.. وإلاّ عفي عليها النسيان كأكثر الوقائع التي حدثت في هذه البلدة المشرفة عبر تاريخها الطويل.
من هذه الوقائع التي ذكرها المؤلف: الخلاف الذي حدث بين الوالي العثماني وأهالي المدينة المنورة وأدى إلى سجن عدد كبير منهم في قلعة الطائف وكان ذلك عام 1324هـ.
فهذه الواقعة إن دلت على شيء فعلى مدى ما كان يتسم به بعض الولاة من كبرياء وصلف في أواخر العهد العثماني بالرغم مما كان معروفاً آنذاك من حرص الباب العالي -كما كان يسمى في ذلك الوقت- أو بعبارة أدق حرص سلطان الأتراك أنفسهم، وخاصة عبد الحميد الذي حدثت في زمنه هذه الواقعة.. حرصهم في أن يعامل أهل الحرمين معاملة كريمة تليق بقدسية بلادهم، وقدسية الحرمين.. بل لعلّه من المفارقات أن يكون بين ولاة ذلك العهد -كما ذكر الأستاذ السيد علي حافظ- من هو أمي لا يقرأ ولا يكتب.. كعثمان فريد باشا شيخ الحرم الذي أضافت الحكومة العثمانية إليه أيضاً منصب محافظ المدينة المنورة!
وقد خص المؤلف هذه الواقعة بخمس صفحات من الكتاب وهي جديرة بذلك.. وقد وددنا لو أن المؤلف توسع أكثر في تدوينه لأمثال هذه الواقعة، والتي يعتبر تدوينها وتدوين عشرات من أمثالها تاريخاً -كما يقولون- لما أهمله التاريخ.
ولعلّه من الطريف أن يسجل الشعر هذه الواقعة على لسان أحد أولئك المسجونين. يسجلها بأبيات يرويها لنا الكتاب، فيها من الحيوية، ومن بلاغة النظم ما يبعث على الإعجاب.
ومن الأحداث التي يشير إليها المؤلف تبديل اسم "الحسبة" برئاسة البلدية واسم "المحتسب" برئيس البلدية، وكان ذلك -كما ذكر- حوالي عام 1328هـ.
نقول: ونفس الشيء حدث في كل من مكة المكرمة وفي مدينة جدة حوالي هذا التاريخ.
* * *
ويشير المؤلف في هذا الفصل إلى الحركة العلمية التي ازدهرت في المدينة منذ العصر الأول حتى أواخر عصر التابعين رضوان الله عليهم أجمعين ولا شك أن هذه الحركة كانت جديرة بأن يتوسع فيها المؤلف أكثر فهي تسجل صفحة رائعة جداً من تاريخ المدينة المنورة بل ليته خصّ فصلاً قائماً بذاته في كتابه هذا القيم للحديث عن العصر الذهبي بحق للفقه في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وما نشأ وظهر بها من أكابر أعلام الفقه، حتى لقد اشتهر منهم في عصر التابعين: عصر بني أمية فقهاء سبعة.. عرفوا في الآفاق بفقهاء المدينة السبعة.. من أمثال "سعيد بن المسيب" و "عروة بن الزبير" و "القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق" وغيرهم.
وقد كان فقه فقهاء المدينة السبعة هؤلاء من أهم مصادر أئمة المذاهب الفقهية على اختلافهم فيما تلا من العصور.
مهما يكن من أمر فقد أعطى الأستاذ المؤلف موضوعات كتابه ما تستحقه من عناية المؤلف الباحث.. وكان حديثه عن معركة أحد وميادينها الخمسة، ومعركة الأحزاب حديثاً شائقاً ممتعاً، كما كان حديثه عن التوسعة في العصر الحاضر وخاصة عن العلم والتعليم وتوسعة الحرم حديثاً مصحوباً بالإحصاءات، وقد استقاها من جهاتها الرسمية، وهي بذلك تعتبر مصدراً تاريخياً للحركة التعليمية المعاصرة، وللتوسعة الخالدة التي أجريت في هذا العهد للمسجد النبوي..
ولنا بعد هذا ملاحظات نوردها فيما يلي:
1- في الفصل الأول الخاص بالمدينة المنورة عبر التاريخ تكلم المؤلف عن حدود المدينة وأسمائها وما إلى ذلك.. وواضح أن هذا الموضوع يخص الناحية الجغرافية لا التاريخية وكان بالإمكان أن يوضع مستقلاً كتمهيد للكتاب.
2- في صفحة 24 تكلم عن قصة محاولة سرقة جسد الرسول عليه الصلاة والسلام في سنة 557هـ في عهد السلطان نور الدين محمود بن زنكي، وهذه القصة في الأغلب ليست صحيحة فإن الثقات من المؤرخين لم يوردوها وخاصة منهم "ابن الأثير" و "ابن كثير" وهما إلى جانب أبي جعفر الطبري عمدة المحققين من المؤرخين، والغريب أن يترجم ابن كثير للسلطان نور الدين ترجمة ضافية وحافلة في أكثر من سبع صفحات في "البداية والنهاية" مشيداً فيه بمناقبه العديدة منوهاً بكل ما قام من أعمال، وخلده من مآثر، وسجله من حسنات دون أن يشير إلى هذه القصة من قريب أو بعيد..
كذلك نرى ابن خلكان في ترجمته لنور الدين لم يذكر هذه القصة أصلاً مع أن المعروف عن ابن خلكان أنه يستوعب تراجمه استيعاباً شاملاً وجيداً ولو أنه يلتزم بالإيجاز.
ولم يذكر ابن كثير أو غيره من المؤرخين الثقات أن السلطان نور الدين قدم إلى المدينة المنورة في سنة 557هـ أو في غيرها من السنين.
فهذه القصة لو صحت لما أهملها أولئك المؤرخون، وهم الذين كانوا يعنون بكل خبر جليل أو صغير من أخبار نور الدين.
بل إن هذه القصة لو صحت لأصبحت أهم ما يتناقله المؤرخون جميعاً من أحداث تلك السنة باعتبارها أهم الأحداث التي وقعت فيها، وأي حادث -ليت شعري- كان يمكن أن يثير فضول المؤرخين أعظم من حادث خطير كهذا الحادث؟!
ولو صحت هذه القصة لكان الشعراء أول من يترنمون بها.. لأنها كانت ستصبح في الواقع "مأثرة المأثر" للسلطان نور الدين.
ولست أعني بهذا أن أعداء المسلمين يتورعون عن القيام بأعمال خسيسة كهذا العمل.. وإنما الذي أقوله أن هذه القصة بالذات يغلب عليها التلفيق والسذاجة في سياقها واضحة كل الوضوح، وأنه من الواجب علينا أن نتثبت في دراستنا لتاريخنا فلا ننقل كل رواية على علاتها دون تمحيص.
* * *
وليس عجباً من العجب أن نرى الكثير من مرويات بعض الكتب التاريخية يغلب عليه التلفيق، وبعضه ثبت بطلانه.. فإن من يقرأ "العواصم من القواصم" "لابن العري"، والمقدمة لابن خلدون يتبين له إلى أي مدى بعيد طغت الأكاذيب على أكثر ما ظل الناس قروناً طوالاً يظنونه حقائق.. ثم اتضح أنه باطل الأباطيل!!
3- أشار المؤلف في صفحة 38 إلى توسط الشريف عون لإطلاق سراح من سجنوا بالطائف من أهالي المدينة المنورة، والذي يبدو هنا أن الذي توسط هو الشريف علي باشا، وليس عون الرفيق الذي كان قد توفي في سنة 1323هـ.
4- في صفحة 43 أشار المؤلف إلى أن الأتراك من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي عندما أرادوا تتريك العرب قرروا تهجيرهم من جزيرتهم إلى تركيا، وتهجير ونقل الأتراك من تركيا إلى الجزيرة العربية، ولم يذكر لنا المؤلف سنده في ذلك إذ المعروف أن التتريك كان القصد منه إدماج البلاد العربية إدماجاً كاملاً على أن تكون اللغة التركية هي اللغة الرسمية بصورة نهائية في كل مجالات الإدارة والتعليم وغيرها.. أما مسألة التهجير هذه، فلا نظن أنها كانت موضع تفكير أعضاء جمعية الاتحاد والترقي أو غيرهم إذ أن مثل هذا التهجير يكاد يكون في حكم المستحيل، فلا الأتراك كانوا يقبلون أن يتركوا جزيرتهم، ولا أَي حاكم فيما نعتقد حتى لو كان من طراز أحمد جمال باشا زعيم المتطرفين من دعاة التتريك كان يمكن أن يتجه إلى مثل هذا التفكير السقيم العقيم!!
ألا ليت مؤلفنا الفاضل أشار لنا إلى مصدره الذي أستقي منه نبأ هذا القرار العجيب، ففي الإشارة إليه -والمنهج العلمي يقضي بذلك- فائدة للباحثين، بالإضافة إلى أن إيضاح ذلك يعطي ضوءاً جديداً على الأحداث التي لابست قضية النزاع بين العرب وجمعية الاتحاد والترقي في فترة ما قبل الحرب الأولى.
* * *
وبعد فنعيد القول مرة أخرى منوّهين بالكتاب ومؤلفه، مقدرين له ما بذله من جهد في إخراجه في أسلوب سهل وتبويب لطيف، وطباعة متقنة، وما ألحقه به من فهارس وصور، ومخططات ووثائق، وإنه لجميل فوق كل ذلك أن تظهر طباعته في مدينة جدة في شكله الرائع الأنيق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :592  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج