شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المسلمون في الهند
للمسلمين في الهند تاريخ.. وتاريخ المسلمين في الهند لا شك تاريخ مشرق حافل بالمآثر حافل بالأمجاد..
وقد ظل هذا التاريخ: تاريخ المسلمين في الهند، أو تاريخ الهند الإسلامية مطوياً عشرات السنين، ضمن عشرات الكتب دون أن تعرف عنه الكثرة من القارئين باللغة العربية إلاّ النزر القليل.
لا ريب أن أول ما يذكره الناس من تاريخ الهند الإسلامية: قصة الفتح الإسلامي للهند على يد القائد العربي العظيم محمد ابن القاسم الثقفي، ثم ما تلا ذلك من دخول الهنادك أفواجاً أفواجاً في دين الإسلام.
صفحة رائعة من صفحات المجد، وصفحات التضحية، وصفحات الفداء ذلك الذي قام به المسلمون الفاتحون في عصرهم الأول من فتح موفق لمختلف الأقطار في شتى القارات في مدة لا تزيد على نصف قرن إلاّ قليلاً، إن سر الروعة في هذا الفتح أنه لم يكن فتحاً من أجل الاستعمار أو التوسع إنما كان الفتح يهدف إلى شيء أسمى من كل أنواع الغايات أو ضروب المطامع، إنما كان يهدف إلى إعلاء كلمة الله في الأرض، وإلى تحرير البشر من عبادة غير الله، أو الخضوع لغير الله أو التشبث بالخرافات، أو الرضا بالظلم والهوان..
لقد كان فتح العرب للهند إحدى هذه الصفحات الرائعة لا في تاريخ الهند وحدها، وإنما في تاريخ المسلمين جميعاً.
لقد كان هذا الفتح نقطة انطلاق جديد للهند شهدت من خلاله على توالي العصور ألواناً من النشاط في سائر ميادين المعرفة، وألواناً من التطور في الميدان الحضاري بوجه عام.
وهذا ما يحدثنا عنه في إجمال دون تفصيل كتاب "المسلمون في الهند" لداعيتنا الإسلامي الكبير: الأستاذ السيد أبي الحسني الندوي.
لقد أراد المؤلف الفاضل أن يقدم إلى آلاف القرّاء في الشرق العربي كتاباً يتحدث إليهم عن الهند، وعن إخوانهم المسلمين في تلك البلاد الشاسعة الأطراف، وعن أحوالهم في شتى نواحي حياتهم العلمية والاجتماعية والدينية قديماً وحديثاً، وعما أضافه المسلمون هناك إلى ثروة الهند منذ دخولهم إليها، وما أدخلوه عليها من إصلاحات وتجديدات في مختلف نواحي الحياة، وما أنتجه المسلمون في الهند في العلوم الإسلامية، وما زادوه إلى تراثها، منوهاً بمن نبغ فيها من العلماء الكبار والمؤلفين العظام، مستعرضاً مظاهر نشاط المسلمين العلمي والديني، ومراكزه الكبيرة في العصر الحاضر، مضيفاً إلى ذلك وصفه لخصائص هذا الشعب، مشيراً إلى قضاياه الرئيسية، ومشكلاته عسى أن يكون كل ذلك حلقة في سلسلة تنوير الرأي العام في سبيل التعارف الإسلامي.
فأول ما يحدثنا المؤلف الجليل هو عن دور المسلمين في حضارة الهند، وعما حملوه إليها مع دخولهم من خيرات وحسنات، وعن بعض ما أضافوه إلى ثروتها الدينية والعلمية والخلقية والاجتماعية والصناعية والمدنية في عهدهم الطويل الجميل الزاهر!
يقول: دخل المسلمون في هذه البلاد -الهند- حيناً بدافع ديني مجرد من مصلحة ومنفعة ليحملوا إلى أهلها رسالة الإسلام الرحيمة العادلة.. وليخرجوا الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها، وليضعوا عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.
ودخلوها حيناً آخر، كغزاة فاتحين، وملوك طامحين..
دخل المسلمون الهند وهي تعتز بحضارة أصيلة، عريقة في القدم.
دخل المسلمون الهند وهم أرقى أمة في الشرق، بل في العالم المتمدن المعمور في ذلك العهد، يحملون ديناً جديداً سائغاً معقولاً سهلاً سمحاً، وعلوماً اختمرت وتوسعت، وحضارة تهذبت ورقت حواشيها يحملون معهم محصول عقول كبيرة كثيرة ونتاج حضارات متنوعة متعددة يجمعون بين سلامة ذوق العرب، ولطافة حس الفرس، وبساطة الترك.. وكانوا يحملون للهند وأهلها غرائب كثيرة، وطرفاً غالية..
وكان أغرب ما كانوا يحملون في الدين توحيد الإسلام النقي.. الذي لا يرى الوساطة بين العبد وربه في العبادة والدعاء.
أما في الاجتماع فكان أعجب ما حمله المسلمون معهم هي المساواة الإنسانية.. التي لم يكن للهند عهد بها..
ويمضي المؤلف الفاضل في حديثه هذا عن الدور الذي قام به الإسلام في الهند.. ثم يقول: نقل المسلمون إلى الهند علوماً جديدة كذلك، من أجلّها وأنفعها إذا تركنا العلوم الإسلامية التي لا تتوقع من الهند علم التاريخ..
وقد اكتسبت الهند من المسلمين بصفة عامة توسعاً في الخيال، وجدة في التفكير، ومعاني جديدة في الأدب والشعر، لم تكن تخطر على بال.
هذا هو دور الإسلام والمسلمين في الهند، إنه دور كان له أثره البعيد في تاريخ الهند فكرياً وحضارياً ولم يستطع أن ينكر هذا الأثر حتى غير المسلمين من رجال الهند، فهذا هو المؤلف ينقل لنا عبارة لكاتب هندي معاصر يقول فيها: "إن الإسلام قد حمل إلى الهند مشعلاً من نور قد انجلت به الظلمات التي كانت تغشي الحياة الإنسانية في عصر مالت فيه المدنيات القديمة إلى الانحطاط والتدني، وأصبحت الغايات الفاضلة معتقدات فكرية.. لقد كانت فتوح الإسلام في عالم الأفكار أوسع وأعظم منها في حقل السياسة.. شأنه في الأقطار الأخرى لقد كان من سوء الحظ أن ظل تاريخ الإسلام في هذا القطر مرتبطاً بالحكومة فبقيت حقيقة الإسلام في حجاب.. وبقيت هباته وأياديه الجميلة مختفية عن الأنظار".
ثم يحدثنا في فصل من فصول كتابه عن تراث العلماء في الهند، وعنايتهم باللغة العربية..
يتحدث إلينا في هذا الفصل لا حديث المؤرخ فحسب.. بل حديث العالم المسلم الذي يشعر بجلال العلم شعوراً كله حب إلى درجة العشق.. إنه يحدثنا كيف كان المسلمون في الهند أوفياء لوطنهم، لا يتثاقلون عن خدمته، والتقدم به في ميادين العلم والصناعة والمدنية.. أوفياء لدينهم وثقافتهم العربية الإسلامية، لا يتخلفون عن ركبها، ولا ينقطعون عنها، وقد نراهم في بعض فترات التاريخ في مقدمة القافلة، وفي مأخذ الزمام..
وما أكثر ما تركه المسلمون في الهند من مؤلفاتهم في العلوم الإسلامية..
إن المؤلف البحاثة يذكر لنا منها:
العباب الزاخر: للإمام حسن بن محمد الصفاني اللاهوري من رجال القرن السابع الهجري الذي عد من مراجع اللغة العربية وغرر كتبها. وكنز العمال: للشيخ علي بن حسام الدين المتقي من رجال القرن العاشر، وهو من المراجع الهامة بين كتب الحديث.
ومن هذه الكتب: "الفتاوى الهندية" التي تعتبر من المراجع الفقهية الكبرى.
وكتاب "حجة الله البالغة" للإمام ولي الله الدهلوي. و "تاج العروس في شرح القاموس" السيد مرتضى البلكرامي المشهور بالزبيدي، والذي هو أشهر من أن يعرف.
ثم في عصرنا هذا الحديث، أو بعبارة أدق: منذ أوائل هذا القرن الرابع عشر للهجرة يقول المؤلف: نبغ في الهند مؤلفون فاقوا العالم الإسلامي كله في سرعة التأليف، وكثرة المؤلفات، وضخامة الإنتاج، وكان كل واحد منهم مجمعاً علمياً نشيطاً، وقد قام بعضهم شخصياً بما لا تقوم به مجامع علمية في أكثر الأحيان.. فالأمير صديق حسن خان أمي بهوبال يبلغ عدد مؤلفاته اثنين وعشرين ومائتي كتاب، منها ستة وخمسون كتاباً في اللغة العربية.
وللشيخ عبد الحي اللكنوي مائة وعشرة كتب منها ستة وثمانون كتاباً بالعربية.
وهنالك الكتاب الجليل: "معجم المصنفين" الذي هو في موضوعه دائرة معارف في ستين مجلداً تحتوي على عشرين ألفاً من الصفحات، وعلى تراجم أربعين ألفاً من المصنفين.. لقد ترجم هذا الكتاب الفذ لكل من ألَّف بالعربية كتاباً منذ بدأ العهد التأليفي إلى سنة 1350 هجرية.
ومؤلف هذه الموسوعة الكبرى: العلامة محمود حسن خان التونكي المتوفى تقريباً سنة 1366 هجرية.
ويذكر لنا المؤلف، بين من يذكرهم من كبار مؤلفي الهند في هذا العهد: السيد سليمان الندوي الذي خلف مكتبة كبيرة من مؤلفاته في السيرة النبوية، والشريعة الإسلامية والتاريخ والأدب غير مقالاته التي كان يكتبها في مجلة تعارف التي تعتبر أرقى مجلة علمية في الهند.
وإنه ليدعو على الغبطة حقاً أن يظل اعتناء المسلمين في الهند باللغة العربية شعاراً لهم منذ العهد الأول.
يقول المؤلف هنا: "لا يزال المسلمون متمسكين باللغة العربية يدرسون أمهات كتبها في مدارسهم التي يسمونها "المدارس العربية" وقد أصدروا في فترات، مجلات وصحفاً عربية تدل على عنايتهم بهذه اللغة ونشرها وإحيائها".
ويتحدث في فصل آخر عن نوابغ الشعب الهندي الإسلامي، يقول فيه "نبغ في الهند -هذا الشعب الإسلامي الهندي- ملوك وأمراء ووزراء وقادة للجيوش وعلماء ومؤلفون، يتجمل بهم تاريخ الإسلام العام ويكاد يكون الكثير منهم العلم المفرد في بعض صفات الكمال، ونسيج وحده فيها".
ويعقد فصلاً يتحدث فيه عن تأثير اللغة العربية في اللغات الهندية يقول فيه: "من مظاهر تأثير المسلمين في ثقافة الهند وحضارتها: تأثير اللغة العربية في لغات الهند ولهجاتها وأدبها وحضارتها الخ...".
وفي الفصل الذي يخصه بإشارته إلى مراكز العلم والثقافة الإسلامية في الهند، يذكر لنا أشهر معاهد العلم.. من أمثال: "معهد ديوبند" الذي يصفه بأنه أكبر معهد في الهند يستحق أن يسمى "أزهر الهند".. لقد بدأ هذا المعهد كمدرسة صغيرة لا تستحق الاهتمام عام 1283 هجرية، وهو اليوم جامعة كبيرة، بل كبرى المدارس الدينية في قارة آسيا..
ومن معاهد العلم الكبرى في الهند: "جامعة عليكرة".. "والجامعة الإسلامية في حيدر آباد" و "دار العلوم" التابعة لندوة العلماء.
ويشير المؤلف فيما يشير إليه في هذا الحديث.. إلى دور النشر، ومن أهمها (دار المصنفين) إحدى المؤسسات العلمية الكبيرة في الهند، والتي أسسها المتخرجون من ندوة العلماء، وكان يرأسها السيد سليمان الندوي مدة وجوده بالهند وقد أخرجت هذه الدار مجلة (معارف) كما نشرت كتباً بلغ عددها إلى عام 1380 تسعين كتاباً.
ويشير إلى (ندوة المصنفين) وقد نشأت في دلهي عام 1938م. وظلت تصدر كتباً في الثقافة والتاريخ، وما زالت تصدر مجلة علمية شهرية تسمى (مجلة برهان).
وإلى (دائرة المعارف) في حيدر آباد وقد تأسست في 1306هـ. ونشرت أكثر من مائة وخمسين كتاباً.. هذا إلى جانب معاهد ومكتبات أخرى..
وفي فصلين متتابعين يتحدث المؤلف إلينا في أحدهما عن الدور الذي قام به المسلمون في تحرير الهند -ودور المسلمين في تحرير الهند دور ملحوظ يحتل مكان الصدارة على ما هو معروف- ثم يتحدث في ثانيهما عما سماه مشكلات الشعب الإسلامي الهندي، ومن أبرز هذه المشكلات أو مشكلة المشكلات -كما يصفها: مشكلة الدعوة الإسلامية، وتليها وقد تفوقها في الخطورة والنتائج مشكلة التعليم.
ومن فصول الكتاب الأخيرة، فصل عنوانه: (شعب يقرر: ويعاهد الله) يتضمن كلمة كان ألقاها المؤلف في الجلسة الأخيرة لمؤتمر التعليم الإسلامي المنعقد برئاسته في بلدة (لكهنؤ) في يونيه عام 1961م.
أما آخر فصول الكتاب (الصوفية في الهند وتأثيرهم في المجتمع) فهو بحث تاريخي عن رجال التصوف، وعن تأثيرهم في الأخلاق والسلوك، وفضلهم في محاربة الفساد في تلك البلاد بصرف النظر عن أساليبهم وتقاليدهم.
وبعد فليست هذه سوى إلمامة موجزة موجزة جداً عن كتاب (المسلمون في الهند) للأستاذ السيد الندوي داعيتنا الإسلامي المعروف، والذي يقول عنه -بحق- الكاتب العربي المشهور الشيخ علي الطنطاوي، في تقديمه اللطيف لهذا الكتاب: (إن اسمه عليه يغنيه عن كل تنويه).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1248  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج