شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الموالي في العصر الأمويّ
ما من شك في أن في تاريخنا الإسلامي الطويل الأمد من العناصر الهامة والموضوعات الرئيسية ذات الأثر العميق في حياة المسلمين، مالو عني به أفاضل الكتّاب من أصحاب التخصص في الدراسات التاريخية، وجمعوا بين متفرقه المنثور في بطون الكتب، ورتبوه أحسن ترتيب وصاغوه في أسلوب العصر الحديث، وعلى الطريقة العلمية في كتابة التاريخ.. لأفاد هذا العمل الجليل أيما إفادة في تقوية الوعي الإسلامي، وزيادة تمكين الشباب والمتطلعين عامة، من الإحاطة بمقومات الحياة الإسلامية، ومعرفة شتى عوامل تطورها السياسي والاجتماعي في مختلف الأحقاب.
ومن حسن الحظ أن الدراسات الجامعية -وبالأخص في مصر في عهد ما قبل ثورتها الأخيرة ظلت- تتجه هذا الاتجاه الحسن في العناية بالتاريخ الإسلامي لا فرق في ذلك بين جامعات القاهرة والإسكندرية وغيرهما من الجامعات الحديثة، وبين أكبر وأقدم جامعة إسلامية في الشرق وأعني بها الجامعة الأزهرية.
وليس المقام هنا مقام إحصاء أو استقصاء لما أنتجته جهود هذه الجامعات من مئات الكتب وللبحوث في هذا الميدان.. لا سيما في ربع القرن الأخير، أي منذ أن تحولت الجامعة المصرية القديمة من جامعة أهلية إلى جامعة أميرية، ومنذ أن تكونت في الأزهر كلياته الحديثة الثلاث على مناهج نظامية... وإنما أكتفي بأن أشير إلى كتاب واحد من هذه الكتب ألفه عالم أزهري مرموق، متخصص في التاريخ، كان قبل أن يقدم إلى هذه البلاد، ونحظى بإقامته بين ظهرانينا مشتغلاً بالتدريس في كلية الشريعة بمكة؛ كان قبل هذا أستاذاً للتاريخ بالأزهر.
هذا الكتاب النفيس هو كتاب "الموالي في العصر الأموي". أما مؤلفه الباحث الفاضل فهو الأستاذ محمد الطيب النجار.
وأظن أنه لا يخالف أحد في أن من أعقد المسائل وأخطرها في تاريخ الإسلام، مسألة هؤلاء الموالي وبالأخص في العصر الأموي.. ومن هم الموالي؟ هم كما لا يجهل أحد: سكان البلاد التي فتحها المسلمون ثم دخلوا في الإسلام على أثر الفتوح.
وأظن أيضاً أنه لا يخالف أحد في أنه قد كان من الصعب أن يحيط القارئ بأطراف هذا الموضوع المتعدد الجوانب، لعدم وجود الكتاب الذي يجمع بين ما تفرق هنا وهناك من شتى أنواع العناصر والأخبار الذي يتكوّن منها تاريخ الموالي؛ وقد حوت كتب القدماء كل هذه الأخبار بلا شك.. ولكنها حوتها على الطريقة التي كانت معروفة إذ ذاك... أعني أنها لم تكن أخباراً مجموعة مرتبة.. أو مصحوبة بأي لون من ألوان الدراسة والتمحيص.. وإنما كانت عبارة عن مواد خام، وشذرات متفرقة بين الألوف من الصحائف في طيات تلك الكتب التي لم يكن ينقص أكثرها سوى الترتيب والتنظيم.
ولعلّ السر في أهمية موضوع الموالي، أنهم كانوا عنصراً له خطره في الدولة، أيضاً إلى ذلك أنهم كانوا من أهم أسباب الثورات والفتن في العصر خاصة. ومن الناحية الأخرى كان الموالي عاملاً من أهم العوامل في ازدهار النهضة العلمية والفكرية منذ أن أُتيح لهم أن يدخلوا في الإسلام.
وكان لتلك الثورات والفتن -ولا جدال- أثرها بالنسبة للأمويين. حيث آلت بهم في النهاية إلى أسوأ نتيجة.. وانتهت إلى تقلص ظلهم وتلاشي ملكهم، وقيام الدولة العباسية في أثرهم على يد زعيم جبار من زعماء الموالي، أبي مسلم الخراساني!..
فهل كان الموالي على حق فيما أخذوه على أنفسهم من موالاة الشغب في ذلك العصر. أم كانوا في ذلك متجنين مخطئين، ولم يكن الدافع لهم على كل ما أتوه، سوى ما ظلوا يحملونه في نفوسهم من ضغينة وحقد لا لخلفاء بني أمية فحسب، وإنما لكل المسلمين؟!
نعم هل كانت العصبية العربية وما قيل عن ظلمها وطغيانها في بعض كتب ألَّفها مؤلفون في العصر العباسي هل كانت السبب حقيقةً في حنق الموالي وفيما أدى إليه هذا الحنق من تذمر، وفيما أوحى به هذا التذمر من ميل إلى الشغب وإثارة الفتن إلى آخر ما يعرفه المعنيون بالتاريخ الإسلامي؟ أم أن شيئاً آخر... هو السبب في هذا الحنق وفي هذا التذمر، وأخيراً هو السبب فيما شهده العصر الأموي من فتن وثورات قام بها الموالي؟!..
لا أريد أن أدخل في صميم هذا الموضوع وأنا بصدد الكلام عن كتاب الأستاذ النجار.. وإنما حسبي أن أشير إلى أن للمؤلف الفاضل آراءه في هذا الصدد، وهي بلا شك نتيجة دراسة واستقراء وأنا أوصيك ملحاً أن تقرأ هذا الكتاب القيّم، فستحكم معي بأنه قد سد فراغاً هائلاً في المكتبة العربية.
ثم إذا علمت أن المصادر التي رجع إليها المؤلف في تأليف كتابه هذا بين كتب عربية مطبوعة ومخطوطة، وكتب أخرى فرنسية وإنكليزية وألمانية وإيطالية، مما وضعه مستشرقون كبار من أمثال.. "جولد تسهير" و (ميور) و (بارتولد) و "لامنس" وغيرهم وما كتبه "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب"، إذا علمت أن هذه المصادر قد أربى عددها على مائة كتاب، علمت مقدار ما بذل من جهد وعناء في إخراج هذا الكتاب... ثم علمت قيمته العلمية.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى سبعة فصول وخاتمة.. وما أحسن أن نأتي هنا بما وصف به هذا التقسيم في مقدمته، إذا يقول:
"... وراعيت في هذا التقسيم أن يكون الكتاب كله وحدة متناسقة بحيث يستطيع القارئ أن يعتبره باباً واحداً مقسماً إلى فصول. أو فصلاً واحداً مقسماً إلى فقرات، وقد جعلت الفصل الأول من الكتاب عن الموالي قبل العصر الأموي، ذكرت فيه في كلمة قصيرة كيف نشأ الرق في الإسلام، ثم تعرضت للولاة، وبينت من هم الموالي الذين نقصدهم بهذا البحث، ثم ذكرت أحوالهم وسياسة الرسول وخلفائه الراشدين نحوهم، وذلك لكي أجعل لقارئ في ضوء موازنة بين حالة الموالي في العصر الأموي وحالتهم قبل ذلك.. ثم جعلت الفصل الثاني عن الحالة الاجتماعية للموالي في العصر الأموي، وقد بينت في هذا الفصل منزلة الموالي في المجتمع العربي وما كان يشوبها على الجملة من تحقير وزراية نتيجة للعصبية العربية التي كانت سائدة في المجتمع العربي إذ ذاك.. ولما كانت هذه النظرة المنطوية على التحقير والازدراء سبباً على الخلفاء الأمويين والولاة في سائر الأقاليم لا يكترثون بهم ويتجاهلون حقوقهم فقد عقدت لبيان ذلك الفصل الثالث من الكتاب، وهو: "سياسة الدولة الأموية نحو الموالي".
ولما كانت سياسة الخلفاء الأمويين في هذه الناحية تكاد تكون متشابهة ما عدا الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي انتهج سياسة خاصة، وسلك سبيلاً آخر، فإني قد عقدت لبيان ذلك الفصل الرابع من الكتاب وهو "عمر بن عبد العزيز والموالي" وبهذه الفصول السالفة يتجلى لنا موقف المجتمع العربي والدولة الحاكمة من الموالي في العصر الأموي...
ولما كان الموالي يشعرون بأنهم أصحاب مجد قديم ومدنية عريقة وأن العرب قد اغتصبوا منهم ذلك المجد والسلطان وعلى الرغم من ذلك لم يعاملوهم على أساس من العدالة والمساواة فإنهم قد قاموا يجاهدون لاسترجاع مجدهم والانتقام لأنفسهم وقد سلكوا لتحقيق تلك الغاية ثلاثة طرق:
"أولاً" السيطرة على الحركة الفكرية، وقد استفادوا من ذلك فائدتين إحداهما: أنهم قد عوضوا أنفسهم بالعلم عن ذلك الازدراء الذي كان ينالهم من العرب حيث إن العلم يسمو بصاحبه ويرفعه، وثانيتهما: أن بعضاً منهم قد أدخل إلى الإسلام مبادئ غريبة ترجع إلى ديانتهم القديمة فكان هذا من الأسلحة الفتاكة التي أوهنت من قوة العرب والإسلام.
"ثانياً" مناوأة ذلك التيار القوي -تيار العصبية العربية- بتيار قوي آخر، وهو تيار الشعوبية وقد كان لذلك إرهاصات ومقدمات في العصر الأموي.
"ثالثاً" مؤازرة تلك الحركات الثورية المتعاقبة التي كانت تقوم ضد الدولة الأموية لكي ينتقموا لأنفسهم ويقتربوا من أهدافهم.
وقد عقدت لذلك ثلاثة فصول متتابعة، وهي:
الفصل الخامس: الموالي والحركة الفكرية.
الفصل السادس: إرهاصات الشعوبية.
الفصل السابع: ثورات الموالي ونهاية الدولة الأموية.
ثم ختمت هذا البحث باستعراض عام لموقف الدولة الأموية من الموالي وموقف الموالي من الدولة لكي أبين إلى أي حد كان خطأ الأمويين أو عدم خطئهم في انتهاج تلك السياسة -ولكي أبين مدى الآثار التي ترتبت على موقف الموالي من الدولة...".
وهكذا.. وعلى هذا النمط من التحليل يمضي الأستاذ النجار في عرض كل فصل من هذه الفصول.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :3038  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل

[محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324هـ - 1360هـ): 2001]

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج