شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
للأَدب أثره في حيَاة الأُمم
قال صاحبي: ألا يصح أن نسمّي الأدب ملهاة المترفين؟
قلت: قد يصح هذا في أمة بلغت شأوها من التقدم وباتت ولا هم لها إلاّ أن تترف وتلهو بطيبات ما نالت.
قلت: ولكنه في غير هذا السبيل تناط به حياة الأمم الغافية وتعقد عليه الآمال في يقظة الوعي وإنارة الطريق.
أنت اليوم لا تقرأ تاريخ أمة أثبتت وجودها بين الأمم الحية وتتبع أهم العوامل التي هيأت صحوتها وأنارت أمامها الطريق إلاّ وجدت للأدب أثره الفعّال في حياتها.
صحيح أن انتشار التعليم بين طبقات الأمة يبصرها بالحياة ويهيئها للعمل النافع الجاد، ولكن الأدب هو البذرة الأولى الذي تتفتح عنه الحياة.
قد تذر الأمة في غفوتها طويلاً فلا تحس بمدى ما تخلفت عن غيرها في سلم الحياة، وربما طاب لها أن تنعم بلذة استرخائها، وربما تراءى لها أنها سعيدة بما يكتنفها من استنامة حالمة.. وهو شأن كل أمة رضيت أن تستكين لضعفها وتنزوي في إحدى زوايا الإهمال. وهنا يأتي دور الأديب.
والأديب الذي أعنيه شعلة تتوقد في إحساس مرهف يستفزه واقع أمته فيألم لآلامها ويتعذب لما سدرت فيه من غفوة فيندفع في حماس ليصرخ في مضاجعها فيقض نومها ويطرد النعاس عن أجفانها ويظل أمره على ذلك حتى تتوثب للحركة وتتهيأ للنهوض.
لست أعني الأديب المصنوع، ولا الأديب المتاجر، ولا الأديب الكاذب الذي يميل بميل الأحداث.. فتلك أصناف ربما برعت في التنسيق والتزويق وإرسال الصيحات في نبرات خادعة تخالها صيحات الهوى، وليس فيما تذوقه وتحسن تنميقه إلاّ ما يحقق ربحها الذاتي ومنافعها الشخصية.
من الغبن أن نسمّي مثل هذه الصنوف أدباء وهم ليسوا أكثر من تجار كلام يجيدون الصياغة ويتقاضون الثمن ويعرفون كيف تؤكل الكتف.
إنما الأدباء الذين أعنيهم هم الأدباء الذين تستفزهم أصالتهم فيستوحون مشاعرهم ويندفعون بتأثير من وجدانهم ويأبون أن يشتروا بعقائدهم عرضاً زائلاً مهما بلغ ثمنه أو تضاعف أجره.
بمثل هؤلاء الأدباء تناط حياة الأمم الغافية، وعلى كواهلهم تعقد الآمال في يقظة الوعي.
فإذا استيقظ الوعي أحس القادرون على العمل بضرورة السعي والحركة. وعندها تنشأ المدارس ويعمم التعليم، ويشعر بالتالي كل مواطن بأن عليه ديناً لبلاده يجب أن يوفيه.
ولا ينتهي دور الأديب في رأيي عند هذه الصحوة لأن عليه أن يتابعها قبل أن تضطرب المسيرة وتختلط الدروب.. عليه أن يتابعها بمشعله لينير أمامها الطريق فتسلك سبيلها السوي إلى غايتها الصحيحة في الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :370  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 141 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج