شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عِندما نكيّف وجدَاننا
قال صاحبي: ألا ترانا خاضعين في حياتنا لمئات التقاليد ومئاتها مما لا يقره منطق ولا يوافق عليه إنسان وهبه الله ذرة من عقل.
قلت: لقد ورثناها من أجيال سبقتنا فانطبع وجداننا من نعومة أظفارنا، فإذا رأيتنا ننظر إلى الحياة من زاوية ما انطبعنا عليه فلا تستغرب ما نفعل.
إن عاداتنا في مآتم الموت وأفراح الزواج وما إلى الزواج من تفصيلات، ثم في عقد العقود وطريقتنا في الاحتفال به وما نعاني من مشاق في استئجار الحلى والثياب أو استعارتها وما نبذله من نفقات لا حد لإسرافها.. كل هذه لا يختلف عاقلان منا على استهجانها ومقتها، بل إننا في الواقع لا ننفك في كل مناسبة نشيد بمساوئها ونتفكه بنوادرها في ازدراء ومقت، ونقضي كثيراً من ليالي سمرنا في تعقب مصائبنا فيها وشرح ما نعانيه. من هذا سيئاتها تطالعك على الدوام في وجوهنا علامات الكره ناطقة بأبرز معانيها ومع هذا فنحن نمضي في خضوعنا لها مضيَّ العبد تسوقه عصا سيده الجبار ونؤدي طقوسها مستوفاة كاملة كما يؤدي عابد الوثن طقوس وثنه في خنوع الجاهل الضال.
والشيق الذي تهولك غرابته أن الدين قد يبيح لنا ما تحرمه العادة أو يحرم ما أباحته، ومع هذا فنحن ننسى نصوص الدين أو نتغافل عنها ونمضي في ركاب العادة مستجيبين لتقاليدها راضين بأحكامها.
ولو أردنا أن نمضي في سرد الأمثال لهذا لاستطعنا أن نملأ أضخم المجلدات، فأكثر تقاليدنا في غدواتنا وروحاتنا، في صحونا ونومنا، في بيوتنا وأسواقنا، في حبنا أو كرهنا، في أفراحنا ومآتمنا، في مأكلنا ومشربنا، في أزيائنا وملبوسنا كلها مستوحاة من عادات نشأنا عليها أو تسلّمناها موروثة من أجدادنا فتكيف وجداننا بكيفها واصطبغنا نحن بصبغتها فلا محل للتغيير فيها ولا وجه للفرز والانتقاد إلاّ في اليسير النادر.
وهذا اليسير النادر هو هدفنا اليوم فيما نحن بصدده.
يقول علماء التربية إن في الاستطاعة أن نحكم وجداننا ونكيفه بالكيف الذي نريد ولا نتركه يحكمنا بما ألف ويوجهنا بما انطبع عليه من العادات. فإذا استطاع الرجل أن ينظر إلى نفسه نظرة فيها كثير من الوقار وأن يحترم ذاته كإنسان له شخصيته واستقلاله، وأن يعطي هذه الشخصية قيمة أكثر مما يعطيها الرجل العادي عندئذٍ لا يعجزه أن يكبر على وجدانه المطبوع ولا يعجزه أن يقف في كل خطوة من حياته موقف المميّز الذي يفرز الأشياء ويفهم معانيها ويدرك إلى أي حد كان تأثير الوجدان فيها ثم يعمد إلى مكان الوجدان منها، فيحاول أن يلوي شكيمته بأسلوب مقنع يبدو فيه أمام انطباعات وجدانه في مظهر الرجل الذي يعتز بكرامته ويربأ بها أن تساير البيئة في كل ما تعودت كما يسايرها العاديون الذين لا يحترمون ذواتهم ولا يشعرون بكرامة استقلالهم الشخصي.
إنك قد تحتفل بزواجك فنرى أن وجدانك أو وجدان بعض قرابتك المطبوع بطابع بيئتك لا يجيز هذه الخطوة إلاّ في وضع معين له تقاليده المقدسة، فإذا استطعت أن توحي إلى هذا الوجدان بأنك أكبر من أن تتقيد لتقاليد لا يقرها عقلك فستكبر في نظر نفسك وتبني لشخصيتك من جديد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :337  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 142 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج